كثيرا ما تعرضت جامعة الدول العربية منذ نشأتها في عام1945 للانتقاد نظرا لمحدودية الدور الذي قامت وتقوم به في تفاعلات النظام الإقليمي العربي; تعاونية كانت أم صراعية, فسجل انجازات الجامعة في تعميق التعاون العربي وتدعيم الروابط بين الدول العربية يبدو محدودا للغاية مقارنة بما كان متوقعا. أو مطلوبا منها أن تفعل, وسجلها في حل الصراعات أو الخلافات العربية يبدو متواضعا للغاية خاصة إذا ما قورن بمؤسسات أخري شبيهة في مناطق أخري من العالم وربما في الوطن العربي نفسه. وخلال العقد الأخير بدأت تطفو علي السطح بعض الدعوات والأفكار لإصلاح جامعة الدول العربية, ركزت في معظمها علي الإصلاح الهيكلي للجامعة ومؤسساتها, انطلاقا من افتراض مؤداه أن المشكلة الأساسية في العمل العربي المشترك هي الجامعة ومستوي أدائها. وهو الافتراض الذي يعكس إلي حد بعيد الأزمة الرئيسية في العمل العربي المشترك والمتمثلة في التهرب العربي من مواجهة الحقيقة التي تقف خلف ضعف العمل العربي المشترك وهي المتمثلة في غياب الإرادة العربية لتفعيل ذلك العمل. فالجامعة العربية هي في النهاية انعكاس أو مرآة علي حد تعبير الأمين العام الأول للجامعة السيد عبد الرحمن عزام تنعكس عليها طبيعة العلاقات العربية والإرادة العربية. كما أن ذلك الافتراض يعبر عن تمسك الدول العربية بواحد من أهم الأدوار التي ارتضاها العرب للجامعة وهي أن تكون الجامعة الشماعة التي يعلق عليها إخفاق العرب في كل قضاياهم سواء البينية أو تلك التي تربطهم بالقوي الإقليمية الأخري أو الدولية. ومع بداية الألفية الحالية تصور العرب أن المشكلة هي أنهم لا يجتمعون بشكل متكرر ودوري كما يحدث في المنظمات الأكثر كفاءة, فكان أن اتخذوا قرارا في عام2000 بأن تعقد القمة العربية بشكل دوري في مارس من كل عام وأن تتناوب العواصم العربية علي استضافة تلك القمة, وهو الأمر الذي وضع العرب أمام أسئلة كثيرة لم يكونوا جاهزين أو علي الأقل راغبين في الإجابة عليها فباتت دورية القمة العربية عبئا علي العرب بأكثر من خدمة العمل العربي المشترك. ثم كانت بداية ظاهرة الحديث عن إصلاح الجامعة في عام2003 الذي شهد سبع مبادرات عربية لإصلاح الجامعة تقدمت بها كل من السعودية ومصر وليبيا وقطر والسودان والأردن واليمن, كما شهد عام2004 مبادرة مشتركة من كل من مصر والسعودية وسوريا ومبادرة خليجية أعلن عنها الأمين لمجلس التعاون الخليجي. وهي مشروعات حاولت استحداث آليات جديدة لتفعيل العمل العربي المشترك مثل البرلمان العربي ومجلس الأمن العربي, واقتراح إدخال نص بشأن توقيع عقوبات معينة علي الدول التي لا تلتزم بقرارات القمة العربية. وحاول الأمين العام للجامعة وضع تلك الأفكار في ورقة واحدة تمهيدا لعرضها علي قمة تونس عام2004 التي كان من المنتظر أن تكون قمة الإصلاح العربي, إلا أن القمة نفسها تأجلت لتعقد في مايو بدلا من مارس وتأجل ملف الإصلاح إلي القمة التالية في الجزائر, وهي القمة التي شهدت طرح الجزائر لمشروع إصلاح الجامعة العربية واحتل صدارة المشهد في هذا المشروع فكرة تدوير منصب الأمين العام للجامعة علي اعتبار أنه لا معني للركون إلي العرف المتمثل في الربط بين جنسية الأمين العام ودولة مقر الجامعة, بينما توارت معظم الأفكار الأخري الخاصة بإصلاح الجامعة والإصلاح في الدول العربية. وعلي الأرجح فإن فكرة تدوير منصب الأمين العام قد لاقت قبولا من بعض الدول العربية وربما التحمس نظرا لأنها أولا لا تلقي أعباء أو التزامات إضافية علي الدول, ولأنها ثانيا تستند إلي سند قانوني أو بالأحري إلي نص المادة12 من ميثاق جامعة الدول العربية الذي لم يقصر منصب الأمين العام للجامعة علي دولة المقر أو علي دولة بعينها, ولأنها ثالثا ترضي طموح بعض الدول التي ترغب في التواجد أو التعبير عن نفسها بشكل أو بأخر في مواجهة الدول الرئيسية في النظام الإقليمي العربي. ومع أن أيا من القمم العربية الأخيرة لم يتخذ قرارا بتغيير أو تعديل نص المادة12 من الميثاق لينص صراحة علي تدوير منصب الأمين العام, عمدت دولة قطر إلي تفعيل فكرة تدوير المنصب عبر استخدام النص الراهن للمادة والذي يتيح لأي دولة عربية عضو في الجامعة أن تتقدم بمرشح لمنصب الأمين العام حال خلو المنصب. وهو الأمر الذي يؤكد أن احتكار مصر لمنصب الأمين العام للجامعة باعتبارها دولة مقر لم يكن إلا تعبيرا عن توافق ورغبة الدول العربية في ذلك وتقاعس الدول الرافضة لذلك إذا كان هناك من رفض هذا الأمر علي ترشيح مرشح ينافس المرشح المصري. وإذا كان احتكار مصر للمنصب حقيقة واقعة, فإن الأهم من ذلك هو لماذا كان هذا الاحتكار. المؤكد هنا أن وجود مقر الجامعة كان عاملا رئيسيا في هذا الاحتكار ولكنه بكل تأكيدا كان أيضا تعبير عن قوة مصر ودورها في القضايا العربية وثقلها الإقليمي باعتبارها واحدة من أهم القوي في الإقليم والدعامة الرئيسية لاستقراره, ومن ثم اختيرت لتكون مقرا للجامعة, علاوة علي أن العرب هم من أقر المبدأ حينما أعطوا منصب الأمين لتونسي هو السيد الشاذلي القليبي إبان انتقال مقر الجامعة لتونس في عام1979 وحتي عام.1991 ومن ثم فإن إثارة قضية التدوير بالمعني المطروح, أي أن يكون عبر نص في الميثاق إنما يعبر في الحقيقة عن تململ من الدور المصري ورغبة في تحجيم دور مصر عربيا. وفي الحقيقة فإن التذرع بأن المطالبة بتدوير المنصب تأتي تأسيا بما يتم في المنظمات الأخري يتغافل عن أن الأمين العام لجامعة الدول العربية هو شخص عربي ينتخبه مجلس الجامعة ولا يعبر عن دولته حال توليه المنصب, فمصر في وجود أي من أمناء الجامعة المصريين لم تكن تترأس الجامعة, فأمين عام الجامعة هو في النهاية موظف دولي شأنه في ذلك شأن الأمين العام للأمم المتحدة. أما طريقة تدوير المنصب المعمول في المنظمات الدولية الأخري فهي إما تستند علي تقسيم جغرافي بحيث يتولي المنصب ممثلا لإقليم جغرافي معين بالتناوب مع الأقاليم الأخري, وحيث أن عدد الأقاليم يكون صغيرا فإن ذلك يسمح بالتدوير في ظل إعطاء الأمين العام فترة ولاية مناسبة, أما في الحالة العربية فإن تدوير المنصب في علي هذا الأساس وهو أمر ممكن فإنه يتصادم بالتأكيد مع الفكرة الأساسية التي قامت عليها الجامعة وهي الوحدة التامة بين الوطن العربي والتخوف من تقسيم الدول العربية إلي أقاليم( خليج, مغرب عربي, مشرق... وهكذا), كما أنه لن يضمن تدوير المنصب إلا بين ثلاث دول هي القائدة في كل إقليم.أما الاستناد إلي التدوير بمعني ترتيب الدول أبجديا أو ما يشابه ذلك فإن الأمر لا يسمح مطلقا بإعطاء الأمين العام فترة ولاية معقولة, فليس من المتصور مثلا أن تكون فترة الأمين العام خمس سنوات أو أربعة وإلا فإن الدولة التي تقع في الترتيب الأخير ستتولي المنصب بعد100 عام. فهل يعني ما سبق رفض فكرة تدوير المنصب؟. الإجابة بالطبع لا, فهي بكل تأكيد أمر مطلوب وضروري ولكنه يطرح في الوقت غير المناسب, إذ لا يمكن إثارة مسألة التدوير دون التوافق بين الدول العربية علي تغيير الميثاق ليس فقط لتغيير نص منصب الأمين العام ولكن لتغيير الميثاق بشكل يتوافق وروح هذا التعديل علي نحو ما يحدث أيضا في المنظمات الأخري. كما أنه من الواجب أولا أن يتم التفكير في طريقة التدوير, وربما يكون الأقرب إلي واقع الدول العربية هو أن يتم التدوير بمعني أن يتولي الأمين من دولة معينة المنصب للمدة المقررة التي قد تجدد أو لا علي ألا تتقدم تلك الدولة بمرشح في الانتخابات التي تلي انتهاء مدة مرشحها. وأخيرا فإن لا يمكن تفهم أن تتم المطالبة بتدوير منصب الأمين العام بينما تعاني الجامعة من مشكلات كثيرة ليس أقلها الأزمة المالية الناتجة عن عدم وفاء بعض الدول العربية لالتزاماتها المالية تجاه الجامعة. كما لا يمكن تفهم أن تترك مشاكل الجامعة الأساسية ويتم التركيز علي جنسية الأمين العام لها بكل ما يمكن أن يحدثه من اصطفافات وانشقاقات بين الدول العربية في وقت هي في أشد الحاجة للتكاتف والتعاون للتعامل مع تواجهه من تحديات داخلية وخارجية.