كان السيد عمرو موسي, وسيبقي محقا في تأكيد أن من واجب ومسئولية الجالس علي مقعد الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يتقدم بالأفكار والمشروعات والمبادرات, كما كان الرجل وسيبقي محقا في تأكيده أن مشروعه المعروف باسم مشروع رابطة الجوار العربي يلبي حاجة عربية, كما ويحقق مصالح مهمة للعرب والإقليم. ومع ذلك فإنه لا غضاضة في أن تقرر قمة سرت العربية الاستثنائية الأخيرة, كما قررت القمة العربية الاعتيادية التريث في البت في المشروع المقدم من الأمين العام, انتظارا لمزيد من الدراسات, سواء من جانب الدول الأعضاء, أو من جانب الأمانة العامة للجامعة, بشرط ألا يكون التريث تكتيكا لوأد الفكرة, أو إنتظارا للتأكد من عدم معارضة دول من خارج الإقليم, وبالذات الولاياتالمتحدةالأمريكية, التي نعلم جميعا أن لها وجودا واستراتيجيات في المنطقة قد تتلاقي وقد تتعارض مع المصالح والاستراتيجيات العربية. ولكي نكون منصفين لجميع الأطراف, فلابد من الاعتراف بأن الدول العربية المتحفظة حتي الآن علي مشروع رابطة الجوار لديها أسبابها المشروعة لهذا التحفظ, لاسيما إذا تعلق الأمر بإيران, ومن الواضح أننا نتحدث هنا عن دول الخليج, وأطراف مؤثرة في لبنان, وعن مصر إلي حد ما أيضا, لكن بوسعنا أيضا أن نفترض أن التحفظ المصري هو تحفظ تكتيكي مؤقت, لأنه من المستبعد أن يكون الأمين العام لجامعة الدول العربية, وقد كان وزيرا لخارجية مصر سنوات مديدة, قد أطلق هذا المشروع دون تشاور علي أعلي المستويات مع الجانب المصري, فضلا عن أنه يعرف مجريات السياسة الخارجية المصرية تمام المعرفة, ومن ثم فإن التحفظ المصري يرجع في جزء منه إلي طمأنة دول الخليج علي عدم الاستعجال وحث هذه الدول, علي دراسة المشروع وتقديم مقترحاتها حوله, كما يرجع هذا التحفظ في الجزء الآخر منه إلي إتاحة الوقت الكافي لقياس تفاعل الجانب الإيراني معه, فضلا عن استكمال التنسيق مع الأطراف العربية كلها, والأطراف غير العربية في الإقليم المرشحة للانضمام إليه عدا إسرائيل بالطبع من أجل بلورة الأسس والمفاهيم والأحداث التي سيقوم عليها ومن أجلها مشروع رابطة الجوار, مع التسليم بأن الخلافات مع تركيا أو أثيوبيا أو تشاد, وهي الأطراف الإقليمية غير العربية المرشحة للانضمام لا تكاد تذكر بالقياس إلي الخلافات مع إيران. لكن الانتظار وحده لا يكفي, كما أن الحذر العربي الداخلي لا يكفي وحده هو الآخر, فلكي يكون هذا الانتظار مثمرا لابد من أن يتحول إلي حوار عربي إيراني, وإلي حوار عربي تركي, وكذلك إلي حوار عربي مع إثيوبيا وتشاد, وإذا كنا قد قلنا, إن المشكلة الأكبر تبقي هي الخلافات الكبيرة مع إيران, وأن كثيرا من الدول العربية لديها الكثير مما تقلق منه من السياسات الإيرانية, وبالتالي فمن الصعب أن تشرع العواصم العربية المهمة في حوار مجد مع طهران علي الفور, فان الحل الأمثل هو صدور تفويض من مجلس وزراء الخارجية العرب للأمين العام لجامعة الدول العربية للدخول في حوار( غير ملزم للدول الأعضاء ولا للجامعة نفسها, مع إيران, علي أن يتضمن جدول أعمال هذا الحوار كل أسباب الخلافات العربية الإيرانية, وكل دواعي القلق العربية من سياسات طهران, من النزاع حول الجزر الإماراتية, والبرنامج النووي الإيراني, والتدخلات أو التأثيرات الطائفية إيرانية المصدر في منطقة الخليج إلي المعارضة الإيرانية النشطة لتبني العرب بالإجماع للسلام كخيار استراتيجي لتسوية الصراعات مع إسرائيل, وما تستتبعه هذه المعارضة الإيرانية من تحالفات يمكن أن تعرقل الاختيار العربي, كما هو حادث حاليا من مساندة إيران لحركة حماس في رفضها لاتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية, ومعارضتها لاستراتيجية السلام العربية التي تلتزم بها السلطة الوطنية الفلسطينية, ناهيك بالطبع عن الدور الإيراني في العراق, وفي لبنان, وأخيرا الاتهام العربي المزمن لإيران بتبني ومساندة قوي التطرف الداخلي علي إمتداد الشرق الأوسط كله, بما يشكل تدخلا في الشئون الداخلية لمعظم الدول العربية. كذلك سوف يتسلح الأمين العام لجامعة الدول العربية في حوار الجامعة مع إيران ليس فقط بالتفويض الممنوح له من وزراء الخارجية, وليس بقدرته المشهود له بها علي تمثيل المصالح والحقوق العربية, ولكنه بالقطع سوف لن يشرع في هذا الحوار إلا بعد استطلاع رؤي بقية الدول غير العربية المرشحة للانضمام لمشروعه, خاصة تركيا التي هي جارة إيران مثلما هي جارة العرب, ونحن جميعا نعرف أن السيد أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية كان قد سبق أن طرح مشروعا مماثلا, وقام بزيارات ترويجية له في عدة عواصم عربية التقي خلالها بالمسئولين, وبقادة الفكر والرأي العام, وكان تبريره الاستراتيجي( المقبول من وجهة نظرنا) لمشروعه أن الشرق الأوسط من حدود إيران مع أفغانستان حتي المغرب العربي أصبح منطقة الفراغ الاستراتيجي الوحيدة في العالم من التكتلات الإقليمية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية, وأن علي دول الأقليم أن تتجمع في شكل أو آخر لملء هذا الفراغ بدلا من ترك الآخرين يملأؤنه. ليست هناك ضمانة لنجاح الحوار, ولكن الانتظار, والانتظار فقط ليس سياسية, وليس مطلوبا ولا متوقعا حل جميع المشكلات دفعة واحدة, ولكن مما يساعد علي توقع النجاح أكثر من الفشل أن حاجة إيران إليه قوية في ظل تزايد عزلتها الدولية, وإذا كان البعض يري ومعه كثير من الحق أن الاختيارات الشعبوية الصارخة للقيادات الإيرانية الحالية, لا تبشر بإمكان تقبلها اختيارات معتدلة تقابل الأطراف العربية في منتصف الطريق, فالرد علي ذلك هو أن الدول والشعوب أبقي من القيادات, وأن الحوار قد يساعد علي الاعتدال علي المدي الطويل, وأن عدم نجاح الحوار بسبب التعنت الإسرائيلي سوف يكون خصما من رصيد القيادة الإيرانية عند شعبها وعند بقية الشعوب العربية والإسلامية, وسيكفي مبررا للانطلاق بالمشروع من دون إيران بما يزيد من عزلتها دوليا وإقليميا, لكن جائزة النجاح علي المدي الأطول ستكون كبيرة بما يستحق بذل كل الجهود الممكنة, ذلك أن قيام رابطة جوار علي النحو الذي يتمناه الأمين العام لجامعة الدول العربية سوف يحقق توازنا استراتيجيا مصدره الإقليم نفسه في مواجهة الارتباط العضوي بين إسرائيل والولاياتالمتحدة وأوروبا, بما يكفي لدفع إسرائيل حتي لا تعود مرة أخري معزولة عزلة كاملة ونهائية عن محيطها الجغرافي, وبما يجعل للعرب ضمن الشعوب الأصلية في الإقليم القول الأول في تحديد المصائر والمصالح. المزيد من مقالات عبدالعظيم حماد