كتب: سيد محمود حسن : يعرف المتابع للادب المصري في الأعوام العشرين الأخيرة الدور الذي لعبته مجلة' الكتابة الاخري' في الدفع بأسماء جديدة الي ساحة الابداع المصري فهي التي بلورت حضور جيلي الثمانينيات والتسعينيات في الادب المصري ولهذا السبب يمكن اعتبار عودة المجلة للصدور بعد سنوات من التوقف حدثا جديرا بالانتباه خاصة أن تلك العودة جاءت لتدشن مرحلة جديدة في عمرها لا تقطع صلتها بماضيها وانما تربطها بسياق جديد يعي متغييرات العصر. وكانت المجلة قد صدرت أوائل التسعينيات كرد فعل علي تصريحات أعلنها الشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي عندما تولي رئاسة تحرير مجلة' ابداع' اكد فيها ان مجلته ستكون مخصصة للنخبة وليس للحرافيش الامر الذي استفز مجموعة من الشعراء الشباب تقدمهم هشام قشطة ودفعهم لتأسيس مجلة بديلة تعني ب' الكتابة الأخري' ونجحت المجلة منذ عامها الاول كما يقول قشطة في افتتاحية العدد الجديد من الاصدار الثاني' في الاهتمام بالتراث الطليعي في الادب المصري ولهذا السبب ابدت اهتماما باحياء تراث' السورياليين المصريين' ممثلا في الانتاج الادبي لاعضاء جماعة' الفن والحرية' التي مرت في هدوء الذكري السبعون لتأسيسها من دون اهتمام يذكر من المؤسسات الرسمية واعاد محرر الكتابة الاخري عبر سنوات اصدارها الاول نشر مجلة' التطور' في طبعة جديدة وجدت اهتماما كبيرا انذاك. وفتح نجاح الكتابة الاخري الباب امام مجلات جديدة سعت للاعلان عن نفسها وابتكار صيغة خاصة لضمان استمرارها ومن ابرز تلك المجلات' أمكنة' و' مقدمة' وبينما اهتمت الاولي بثقافة المكان اهتمت الثانية بقصيدة النثر وقضاياها. و بحسب محرر المجلة فإن هدف الكتابة الاخري لا يزال قائما علي ترسيخ وبلورة التيارات الجديدة في مختلف حقول الابداع ومن ثم فإن رهانها علي تأكيد استقلال الابداع في شتي تجلياته لا يزال قائما كحاجة من حاجات الفعل الثقافي المستقل في شرط اجتماعي رآه' يتسم بالتدهور والانحطاط' كانت له آثاره علي الثقافة وعلي مصائر المثقفين. ويضم العدد الجديد الذي اشرف علي تحرير كل من مكاوي سعيد وياسر عبد اللطيف وحسن خضر وعلي منصور وحمدي الجزار جملة من المقالات المهمة حول تعريف أزمة الثقافة لبشير السباعي ركز فيه علي مخاطر وجود' حداثة رجعية' في المجتمع المصري قائمة علي التعصب الديني تؤدي الي هيمنة خطاب العنف متصل بخطاب عنصري تجري تغذيته كما ضم العدد مقالا بعنوان' ابواب الفوضي' للباحث شريف يونس اضافة الي رؤية بعنوان' عن الشعر والسياسة والزمن' لحسني عبد الرحيم. وتنشر المجلة نصوصا ابداعية لنحو30 كاتبا وشاعرا من مختلف الاجيال ابرزهم ابراهيم داوود وفاطمة قنديل ومكاوي سعيد وايمان مرسال وحلمي سالم وعزمي عبد الوهاب وعلاء خالد وعبد الحكيم حيدر ومنصورة عز الدين واشرف الصباغ وياسر الزيات واحمد زغلول الشيطي ومنتصر القفاش. ومن ابرز مواد العدد ترجمة أعدها الشاعر محمد متولي وراجعتها شيرين ابو النجا لدراسة مطولة بعنوان' اعادة استهلاك جسد المرأة في مصر' اعدتها الباحثة لوسي ريزوفا تقوم علي قراءة حضور الجسد الانثوي في الشارع والمخيلة المصرية تلاحظ فيها ان محلات بيع الملابس النسائية في قلب القاهرة' تعرض المحتشم والفاضح في آن واحد' وتوحي بوجود حضور متناقض لجسد المرأة وتقوم الدراسة اجمالا علي فحص مجموعة من المصادر التي ساهمت فيما تسميه الباحثة' اعادة انتاج النساء من خلال المرئي والمكتوب في الثقافة المصرية المعاصرة' كالاعلانات والمجلات المصورة والادب الشعبي مرورا بالمسلسلات والافلام السينمائية وتتوقف امام مفارقة لافتة تؤكد فيها انه في مقابل الكتابات التي كانت تهدف الي تحرير المرأة كان هناك انتاج مختلف عبر هذه المصادر يري المرأة باعتبارها مكمن جنس واضح وتنشر المجلة تلك الدراسة المهمة مدعمة بجملة من الوسائط البصرية ممثلة في افيشات الافلام واغلفة المجلات التي قامت الباحثة بتحليها.