ربما لا يعرف شباب الكتاب ما تعنيه كلمة «مجلات الماستر» فهم لم يعاصروا خروج هذه النشرات الأشبه بالسرية، وتوزيع أعدادها فقيرة الطباعة (والتى لا تتجاوز العشرات فى أقصى تقدير) على الناس فى المقاهى وأماكن تجمع المثقفين يدا بيد، ربما أيضا لم يذق أحدهم طعم النقاش الحاد بين مؤيد ومعارض لمضمونها، لكنها بلا شك كانت خطوة مهمة فى مسيرة الهامش الثقافى فى التعبير عن نفسه، إذ تبنت الكثير من التيارات الفكرية والفنية الطليعية فى فترة السبعينيات والثمانينيات، هكذا روى لنا الشاعر عبدالمنعم رمضان الذى شارك فى إصدار (أصوات) إحدى دوريات الماستر فى السبعينيات، وقال: «خرجت أولى مجلات الماستر (جاليرى 68) بعد النكسة، وكان جيلا أدبيا جديدا يتشكل، ورغم أن هذا الجيل كانت قد أتيحت له سبل النشر فى منافذ الجرائد الحكومية، لكنهم فكروا فى أن يصنعوا مطبوعة تدل على شخصيتهم، وتقدمهم كتيار مغاير فى الكتابة». ضمت جاليرى 68 معظم كتّاب الستينيات وبخاصة كتّاب القصة القصيرة مثل جميل عطية إبراهيم وإبراهيم أصلان وإدوار الخراط وغالب هلسا، بالإضافة إلى سيد حجاب وإبراهيم منصور، ولم تكن جاليرى 68 مشغولة بنقد الممارسات الثقافية أو السياسية، بل كان همها تقديم تيار أدبى مغاير وطليعى حسب رمضان. لم تستمر جاليرى 68 لأكثر من 8 أعداد لكنها ومع قصر عمرها أدت الغرض منها، فقدمت كتّاب الستينيات كتيار جديد ومؤثر وأصّلت لكتّابه ونقاده. طور جديد لمجلات الماستر ظهر فى النصف الثانى من السبعينيات حيث «فات الكثير من كتاب هذا الجيل قطار النشر الذى احتكرته الدولة بالكامل فلم يتح لكثير منا النشر فى الصحف والمجلات فضلا عن الكتب والكلام هنا على لسان رمضان لم يكن أمامنا سوى أن ننشر كتاباتنا بأنفسنا، لكن وعلى قلة نسخها كانت هذه المطبوعات تصنع سجالا كبيرا، لأنها بالأساس صدرت عن جماعات أدبية مثل أصوات وإضاءة وحملت رؤى وقضايا ثقافية جماعية». لكن أهمية مجلات الماستر بالنسبة للروائى محمود الوردانى الذى شارك فى إصدار مجلتىّ «مصرية» و«كتاب الغد» فى منتصف السبعينيات تتمثل فى أنها استطاعت كسر قبضة الدولة المحكمة على كل شىء، فيقول: «كانت الأجهزة الرسمية تقلم أظافر الثقافة أولا بأول، لكن مجلات الهامش استطاعت أن تلعب دور الرقيب على هذه الممارسات فى وقت كان من المستحيل نشر هذا الكلام بالجرائد والمجلات». انحسرت «كراسات الفقراء» كما سماها البعض فى الثمانينيات بعد أن انفرط عقد كتابها حسبما أكد لنا عبدالمنعم رمضان، مبررا: «بعضهم استطاعت الدولة استعادته إلى صفوف مؤيديها وآخرون وجدوا منابر أكثر انتشارا فى الجرائد الخليجية». وفى حقبة التسعينيات بقى من هذه المجلات ما خرج بمبادرات فردية لأصحابها مثل «كشف المستور» التى أطلقها الكاتب الراحل أسامة خليل و«الجراد» التى أطلقها الكاتب أحمد طه وغيرهم، وكانت تتباين فى مضامينها فمنها ما هو مشغول بانتقاد سياسات المؤسسة ومتابعة تراجع بعض التنويريين عن أفكارهم (خاصة أن هذه الفترة اتسمت بهجرة جماعية لجزيرة الأفكار التنويرية) غير أن معظمها لم يعد قادرا على التبشير بتيارات أدبية جديدة. لكن الكاتب علاء خالد مؤسس مجلة أمكنة (صدرت فى نهاية التسعينيات) يرى أن مجلات الهامش تأثرت منذ اللحظة الأولى بولادتها وسط موجة سياسية متمردة وحركات طلابية نشطة فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات وأنها منذ نشأتها تعد امتدادا للمنشور السياسى، فارتبطت بأفكار اليسار والتنوير وإن لم تطرحها بشكل مباشر. ويشرح داوود تأثر مجلات الهامش بطرق الاحتجاج السياسى قائلا: «مؤسسو هذه المجلات جاءوا من خبرات سياسية بالتالى أداروها على نفس طريقتهم فى النضال». ويرفض الشاعر إبراهيم داود المبالغة فى تقدير دور هذه المجلات رغم أنه شارك فى الكثير منها قائلا: «كانت توزع على نطاق ضيق وكانت مكانا للتنفيس أكثر منها فاعلة، وبعضها استغرق فى معارك شخصية، لكنها مع ذلك كانت نقية ولم يكن كتابها أصحاب مصالح ممنهجة». لم يستمر من مجلات الماستر سوى مجلة «الكتابة الأخرى» التى صدر أول أعدادها فى بداية التسعينيات وحتى عام 2000 لتعاود الصدور بشكلها الجديد العام الماضى. يصرّ هشام قشطة مؤسس الكتابة الأخرى على أن السر الأكبر وراء اختفاء الكثير من مجلات الهامش (خاصة فى فترة نهاية الثمانينيات والتسعينيات) هو أنها خرجت من كونها «ضد» واكتفت بانتقاد سياسات الدولة قائلا: «من يكتفى بالانتقاد هو شخص فارغ، بل عليه أن يمارس الفعل الثقافى بالشكل الذى يتبناه». ويتابع: «خرجت مجلات الماستر من إيمان المثقف بدوره فى تقديم أنماط ثقافية مستقلة ومغايرة، لكن للأسف نحن نعانى الآن نوعا من الاتكالية على المؤسسة الرسمية فى إنتاج الثقافة». لكن هل أثر غياب «مجلات الهامش» على شكل الممارسات الثقافية؟، يوضح قشطة أن غيابها أدى إلى ركود ثقافى، ورغم تطور تقنيات الطباعة وظهور طرق أفضل وأسرع من «الماستر»، فإن الجيل الجديد لا يمتلك «عقلية صدامية» تصدر مثل هذه المجلات، لكنه من جهة أخرى يرى أن بعض مواقع الانترنت صارت تقوم بدور مشابه لما قامت به مجلات الهامش مع فارق أنها لا تتمتع بنفس القدر من التأثير. وعلى العكس من ذلك يرجح داود أن تعاود ظاهرة مجلات الهامش الظهور قريبا، ولكن بطرق الجيل الجديد قائلا: «ها هى المدونات الاجتماعية والسياسية ومواقع المطالبة بالتغيير تزداد يوما بعد يوم، قريبا تجد مواقع منظمة تناقش الحالة الثقافية بنفس الجدية». ويضيف: «ليس مطلوبا من هذه المواقع أن تقدم ما تقدمه مجلة مثل الكتابة الأخرى، فهى سترفع عن كاهل المجلات الرصينة متاعب تناول الأحداث الآنية وستتركها تقوم بدورها فى تقديم وتكريس التيارات الجديدة».