في أعقاب الثورة المصرية ومن قبلها, تعالت نبرة البعض تتهم تركيا بالتودد للمصريين.. وراحت بعض الأقلام? غير المسئولة- تصور الدولة الجارة الشقيقة علي أن لها أطماع عثمانية جديدة. ناسية أو متناسية التاريخ الكبير الذي يجمع الدولتين. . وربما غافلة أنها تسيء بهذا الكلام لمصر قبل أن تسيء لأي دولة أخري. فتركيا أو غيرها من دول الإقليم لا تحدد سياسات مصر, بل نحن من نقرر سياساتنا ونحن من نختار أصدقائنا. والعلاقة بين مصر وتركيا.. هي علاقة ود متواصل.. فكر متبادل.. إنسانية نعيشها.. وتاريخ نرسخه.. لا يستطيع أحد أن ينال منها بالإدعاءات والتكهنات المغرضة. في هذا السياق, تحتم علينا أن نلتقي بالسيد حسين عوني بوطصالي سفير تركيا بالقاهرة لنتعرف منه علي موقف بلاده من الثورة المصرية, والهدف من زيارة الرئيس جول الأخيرة للقاهرة, ورحلة السفينة سامسون لليبيا لإجلاء مئات المصريين من هناك.. بالإضافة إلي رؤيته تجاه بعض القضايا الهامة, مثل: إلغاء التأشيرة بين البلدين, وإمكانية التعاون معنا فيما يتعلق بملف مياه النيل وتنشيط السياحة. فكان هذا الحوار... كيف كانت رؤيتك لمصر قبل25 يناير؟ وما هي رؤيتك لها بعد الثورة؟ نحن الأتراك تربطنا بمصر علاقة عشق منذ قديم الأزل, ودائما هدفنا واحدا, هو: توطيد العلاقة بيننا علي مستوي الشعوب والحكومات علي السواء. لا شك أن مصر دولة كبيرة في المنطقة بحكم تاريخها وجغرافيتها المرتبطة بالعالم العربي والمتوسطي والأفريقي, وهو ما يلقي عليها بكثير من المسئوليات. غير أن عدم تجديدها للخطاب والسياسات التي تتبعها جعل دورها الريادي يتراجع مقارنة بالدور الذي لعبته علي مر التاريخ والذي إمتد لآلاف السنين. كانت وجهة النظر التركية تنصب في أن مصر لها دور أكبر وأعظم إستراتيجيا في هذا العالم, وكان ينبغي عليها أن تقوم به. لكن مع الأسف,كان العالم يتغير من حولها, وظل الدور المصري ثابت لا يتغير لسنين طوال علي جميع الأصعدة وبصدد جميع الملفات السياسية تقريبا. وبمقارنة بسيطة بيننا, سنجد أن ظروف مواردنا الإقتصادية تتشابه( فمصر وتركيا دولتان لا تعتمدان علي النفط مثلا) ومع ذلك نجح الأتراك في تطوير إقتصادهم بحيث يحقق قطاع السياحة وحده25 مليون دولار سنويا, وهو عائد لا تحققه مصر رغم ما يتوفر لها من إمكانيات سياحية ضخمة!! كذلك يبلغ عائد الإستثمارات الأجنبية لتركيا سنويا10 بليون دولار, وهو رقم لم يصل إليه أيضا عائد الإستثمارات الأجنبية في مصر!! أعتقد أن ثورة25 يناير جائت لتصحيح وضع خطأ. كان لدي شعور أن المصريين سيثورون في يوم ما لأنكم تستحقون حياة أفضل من تلك التي تعيشونها. وقد فاجأت ثورتكم العالم أجمع بمدي تحضركم ومدنيتكم. فهي ثورة شعبية سلمية شارك فيها جميع فئات الشعب, وقد كشفت عن وجه مصر الحضاري. كان الرئيس التركي عبد الله جول هو أول رئيس دولة يأتي لزيارة مصر بعد الثورة.. كيف كانت زيارته؟ في البداية بعث جول رسالة للمشير طنطاوي القائد الأعلي للقوات المسلحة يبارك له قيام الثورة.. وجاء رد المشير عليها برسالة أكثر ودا ومحبة. فقرر جول زيارة مصر ليسمع صوتها بنفسه. وكان قد سبق له زيارتها في يونيو الماضي أثناء حكم الرئيس السابق مبارك. وفي كلتا المرتين كانت المشاعر دافئة. وهو ما جعله يؤكد خلال زيارته الأخيرة علي أنه لم يأتي كضيف, وإنما جاء كقريب أو صاحب بيت. وقد تناولت المحادثات سبل التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين في الفترة القادمة مؤكدا علي أن تركيا ستدعم السياحة والاقتصاد في مصر. كما التقي الرئيس التركي برؤساء الأحزاب وعدد من قيادي الإخوان المسلمين. وحتي لا يتصور البعض أنه ينحاز لفكر علي حساب آخر, فضل جول أن يجتمع بهم كمجموعة دون أن يقابل كل شخص علي حدا. ثم إلتقي بعدد من شباب الثورة الذين يمثلون أطياف سياسية مختلفة. وأعرب لهم عن سعادته بالثورة المصرية التي ألهمت الشعب التركي وجعلته ينحني للشعب المصري العظيم احتراما. ودعا الرئيس التركي المفكرين والصحفيين وشباب الثورة لزيارة تركيا للاستفادة من التجربة الديمقراطية والإصلاح الدستوري فيها. الهدف من الزيارة بشكل عام كان إبداء إستعدادنا الكامل لتقديم المساعدة لمصر ونقل خبرتنا لكم في أي مجال تريدون وفقا لتجربتنا في تركيا. دون أن نملي عليكم شيئا, فالشعب المصري الواعي قادر علي رسم مستقبله بنفسه. وكلنا ثقة في ذلك. نحن ننظر إلي مصر كشريك متكافيء لنا يقف علي قدم المساواة معنا. بعض المفكرين والسياسيين في مصر يدعون لمحاكاة النموذج التركي في الحياة السياسية.. ما هو تعليقكم؟ تركيا ليست نموذج لمحاكاته تماما دون تحريف!! فكل شعب له النموذج الخاص به حسب تاريخه وجغرافيته, وإقتصاده وثقافته, وديمقراطيته وتجاربه.. من الممكن إستخلاص الدروس وتبادل المعرفة والخبرة من النموذج التركي حسب نقاط التشابه بيننا وبما يشكل إضافه حقيقية لكم. نحن ندرك تماما الفترة الحرجة التي تمر بها بلادكم, والمشاكل الإقتصادية- في رأيي- أكبر من المشاكل السياسية بالوقت الراهن. لذلك, نصح الرئيس جول المفكرين والسياسيين والشباب المصري أن تكون هناك خطة إستراتيجية مستقبلا للنهوض بالبلد.. وأن المصريين عليهم الإنتظار حتي يجنوا ثمار ثورتهم, لأن التعجل في تلبية المطالب الفئوية سينعكس بالسلب علي الشعب وسيجعل الثورة تنحرف عن مسارها الصحيح. تركيا بما لها من علاقات وطيدة مع أثيوبيا ودول حوض النيل, كيف لها أن تتعاون مع مصر فيما يتعلق بنقص حصتنا من مياه النيل؟ إذا كان للحكومة المصرية أي إقتراح تجاه هذا الملف الحيوي, فأنا لن أتردد في نقله لبلادي علي الفور في محاولة لإيجاد حل للمشكلة. وأنا علي ثقة بأن بلادي ستتعاون معكم. لا شك أن قطاع السياحة في مصر بحاجة إلي تنشيطه من جديد بعد الثورة.. كيف يمكن لكم التعاون معنا لتحقيق هذا الهدف؟ عندما التقي الرئيس جول بالمشير طنطاوي قررا عمل لجنة مشتركة لتنشيط السياحة. لقد اقترحنا تنظيم عروض خاصة تتضمن باقة من الرحلات السياحية بين مصر وتركيا, بحيث يقضي السائح ثلاث أيام في أنطاليا ثم يتوجه إلي مصر لقضاء ثلاث أيام أخري في شرم الشيخ. وفي حالة نجاح التجربة يمكن تنظيم رحلات مماثلة تتضمن باقي المحافظات بالبلدين. ونحن حاليا بإنتظار رد الحكومة المصرية. ترددت إشاعات كثيرة حول إلغاء تأشيرة السفر بين مصر وتركيا.. إلي أي مدي مصداقيتها؟ لقد تم بالفعل توقيع إتفاقيات خاصة بين تركيا وكل من سوريا ولبنان والأردن بشأن إلغاء تأشيرات الدخول بيننا. وهي جميعها إتفاقيات تنص علي ضمانات, تطالب الدول الموقعة عليها بإعادة مواطنيها العاطلين والمتسللين بطرق غير شرعية. من جانبنا نحن طلبنا من مصر إبرام هذه الإتفاقية بيننا, لكن لم نتلقي بعد الرد من الحكومة المصرية. في كل الأحوال, وتيسيرا لحركة مرور الأفراد بين الدولتين الشقيقتين, تركيا تقدم للمصريين تسهيلات في الحصول علي الفيزا. وأي مصري يستوفي الأوراق اللازمة للسفر يمكنه الحصول علي التأشيره خلال يومين فقط. كما أن رجال الأعمال يمكنهم الحصول علي تأشيرات سفر لمدة عام, ونحن بصدد مناقشة إمداد الفترة لعامين أو ثلاثة أعوام. من المقرر أن تصل اليوم السفينة الثانية التي أرسلتها تركيا لإجلاء المصريين من ليبيا.. هل لكم أن تعطونا تفاصيل عن الرحلة؟ في إطار التضامن والروابط التاريخية العميقة الجذور التي تربط بيننا, قررت الحكومة التركية تخصيص سفينة وفرقاطة من البحرية التركية من أجل إجلاء مئات المصريين من طرابلس في ظل ما تشهده ليبيا حاليا من أحداث مؤسفة. في مشهد تاريخي, رفع المصريون القادمون من ليبيا شعار' مصر وتركيا يد واحدة' عند دخولهم ميناء الإسكندرية يوم7 مارس الماضي. حملت سفينة الركاب' سامسون' علي متنها1134 مصريا. وكان في إستقبالهم معي لدي وصولهم القنصل العام التركي سميح تورغوت, والملحق العسكري التركي, وعدد من رجال القوات المسلحة المصرية, واللواء سيد هداية رئيس هيئة ميناء الإسكندرية, وأعضاء جمعية رجال الأعمال المصريين والأتراك. وقد تم توزيع المساعدات من مأكولات ومشروبات عليهم فور وصولهم إلي الأراضي المصرية. من المنتظر أن تأتي السفينة الثانية اليوم محملة بنفس العدد تقريبا من المصريين. ودائما ستظل بلدنا حريصة علي تقديم الدعم القوي لمصر خلال المرحلة الانتقالية وزيادة آفاق التعاون معها في ظل الصداقة المتميزة التي تجمع الشعبين الشقيقين.