نحن في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضي لنشر ثقافة استقرار وبناء مصر بين جموع الشعب بكل فئاته ومراحله العمرية شيوخا وشبابا ورجالا ونساء وأطفالا لكي تعود مصر كما كانت دولة قوية شامخة واثقة قادرة علي استعادة عافيتها ومكانتها ونظرة وتقدير العالم لها كدولة عظيمة صنعت أول حضارة عرفها العالم, ويأتي ذلك بسواعد أبنائها المخلصين وفكر علمائها وادبائها والمبدعين وعبقرية شعبها العظيم, وقد أكدت مصر عبر العصور المتعاقبة ان الله وهبها خاصية تميزت بها دون سائر شعوب العالم وهي قدرتها علي تحدي الصعاب وقهر المستحيل بصلابة وعزم شبابها الواثق بنفسه كأفضل شباب العالم وجنودها الذين قال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام إنهم خير أجناد الأرض. وتأتي دعوتنا لنشر ثقافة البناء الآن بين أبناء الوطن بعد الأحداث الاخيرة التي مرت بها مصر بداية من ثورة شبابها يوم25 يناير الماضي, واستجابة الدولة لجميع مطالبهم المشروعة في التغيير, وما حدث للبلاد من بعض الخارجين علي القانون من تعديات وحرائق لكثير من مرافق الدولة وعمليات سطو وسلب بعض الممتلكات العامة والخاصة وما تعرض له اقتصادنا من خسائر فادحة نتيجة لوقف حركة الحياة في البلاد لعدة أيام وإلي ان صدر البيان رقم ثلاثة الذي أعلنه نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان مساء يوم الجمعة الموافق11 فبراير بتخلي الرئيس محمد حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد, واستطيع ان أعرض تحت هذا المقال بعض الجوانب المهمة التي ظهرت خلال الفترة الماضية وأكدت عمق ثقافة الاستقرار والبناء المتأصلة في الشعب المصري بكل فئاته ومراحله العمرية والتي تظهر دائما وبوضوح في أوقات الشدة, مع بعض مقترحاتنا لدعم ونشر هذه الثقافة بشكل أكثر اتساعا بين جميع طوائف جموع الشعب وذلك علي النحو التالي: في البداية: اقول حسب قراءتي للتاريخ ان ثقافة البناء والاستقرار متأصلة في طبيعة الانسان المصري القديم منذ آلاف السنين عندما كان يعيش متنقلا بين الجبال والكهوف ولا يستقر في مكان واحد ودائم الترحال للبحث عن حياة هادئة الي ان استقر به المقام علي ضفاف النيل واهتدي هناك الي الزراعة والري ورعاية المحاصيل وصيد الحيوانات لتأكل منها كما اهتدي ايضا لبناء مسكنه من الطين وتغطية سقفه بالبوص ليحميه من سقوط الامطار وحرارة الشمس والاختباء من مخاطر الحيوانات المفترسة ثم تطورت حياته بعد ذلك الي مزيد من التجمعات البشرية وتكونت بداخله روح الانتماء للأسرة ثم القبيلة ثم القرية والمدينة والارتباط بكل هذه الأماكن التي شيدها وينعم بحياة الاستقرار فيها. الميدان والترميم: تجلت ثقافة البناء في تدفق الأعداد الغفيرة من أبناء الشعب فتيات وشبابا الي ميدان التحرير يرتدون الأقنعة يجمعون القمامة والاحجار من الأرض للمساهمة في تنظيف المكان واعادته الي حالته الأولي كواحد من أجمل ميادين العالم وذلك بالتنسيق مع هيئة نظافة وتجميل القاهرة حيث تم رفع أكثر من عشرة أطنان من المخلفات وعدد من السيارات المحترقة وكانوا قد شاركوا مسبقا في ترميم بعض المرافق والاماكن التي تعرضت للحرائق بواسطة الهاربين من السجون والخارجين علي القانون. أهل الفكر والاستنارة: ويأتي دور المفكرين والادباء والمبدعين عموما في توسيع دائرة نشر ثقافة البناء بين جموع الشعب بمختلف فئاتهم وأعمارهم من خلال الندوات والأمسيات والمقالات والبرامج الاذاعية والتليفزيونية والمسلسلات الدرامية وغيرها باعتبارهم مشاعل التنوير الحقيقية التي تنير الطريق امام أبناء الشعب وتدفعهم إلي إعادة بناء أوطانهم عندما تتعرض لأضرار ومخاطر أوقات الشدة مؤكدين ان واجبهم الآن وانتماءهم لهذا الوطن يفرض عليهم ذلك. الثقافة والتعليم: ان تكون ثقافة البناء مادة في التعليم نزرعها في نفوس الاطفال والشباب من البداية لكي يشبوا كبارا بنائين لأوطانهم يتعلمون من دروس الماضي كيف كان أجدادهم منذ آلاف السنين يعشقون البناء دائما ويكرهون الهدم يبنون الاهرامات ويقيمون الجسور والمصانع والكباري ويشيدون الصروح والمنارات والحضارات وهم وحدهم الذين اقاموا لنا أول حضارة عرفتها الانسانية. وأخيرا ان نأخذ من الأحداث الأخيرة درسا جديدا تتعلم منه الأجيال القادمة ان شباب مصر الذي يقوم الآن وبكل حماس بإعادة بناء وطنه ويبني مستقبلا مشرقا لأمته قادر علي ذلك في كل زمان ومكان لأن ثقافة البناء متأصلة في ضميره من الأزل. المزيد من مقالات مصطفى الضمرانى