تحقيق: فاطمة محمود مهدي زيادة المرتبات ورفع الحد الادني للأجور هذا الشعار رفعه المحتجون في135 وقفة احتجاجية تضمنت مختلف الشركات والهيئات والمصالح في القطاعين الخاص والحكومي بمختلف المحافظات خلال الأيام القليلة الماضية. توحد الجميع في المطلب, وتعالت الهتافات المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية التي تعد حقا شرعيا طالما حلم الجميع بتطبيقه, ولقد اصر المحتجون علي ان هذا هو وقت المطالبة بالحقوق الضائعة, وبالرغم من اختلاف اماكن العمل واسماء العاملين وصورهم إلا ان الشكاوي متماثلة تماما فالبعض يؤكد انه علي الرغم من تعدي مدة خدمته أكثر من15 عاما فإنه يتقاضي مبلغا لايتجاوز530 جنيها. وبالرغم من صدور قرار وزير المالية الدكتور سمير رضوان بصرف علاوة تقدر نسبتها ب15% لزيادة قيمة المرتبات مع مرتبات شهر ابريل المقبل إلا ان الكثيرين يرون ان ذلك غير كاف ويطالبون بضرورة إعادة هيكلة جدول الأجور بشكل عام وتوفير ضمانات للعاملين بالقطاع الخاص واحداث اصلاح اقتصادي يأتي في مقدمته رفع مستوي الاجور بجانب الاصلاح السياسي. ولكي تتحقق هذه المطالب المشروعة والاصلاحات المنشودة لابد من تنفيذ خطة يطالب بها خبراء الاقتصاد من خلال هذا التحقيق. تؤكد الدكتورة سلوي شعراوي الاستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية انه تم عمل دراسات عديدة حول رفع قيمة الأجور بما يتلاءم وحجم التضخم وارتفاع الاسعار وتلبية احتياجات المواطنين, وتوصلت هذه الدراسات إلي نتائج وتوصيات اتفقت في مجملها علي ضرورة ربط زيادة الأجور بزيادة الانتاجية وتطبيق إدارة رشيدة لموارد الدولة وتحديد الأهداف طبقا للاولويات المطلوبة مع الحفاظ علي الثروات, التي تتمثل في مجتمعنا بالقوي البشرية والايدي العاملة. وتضيف ان إصلاح هيكل الاجور يتطلب تنفيذ خطط علي المدي القصير والمدي البعيد وبالنسبة للظروف الراهنة التعامل مع خطط المدي القصير, وهي صرف علاوات وحوافز تحسب بنسبة من المرتب الاساسي للمساعدة في مواجهة خطط المدي البعيد المعنية بإعادة دراسة هيكلة الاجور. وهناك نظم تضاف لحساب الأجور تطبق طبقا لطبيعة كل دولة والنظام الانسب هو الذي يقوم علي تقسيم المؤسسات إلي درجات رئيسية وتنقسم بدورها إلي درجات فرعية ويحدد لكل درجة قيمة اجر تزداد سنويا وبشكل دوري يتلاءم مع زيادة الاسعار, كما يجب ان يتم ربط الاجر بموازنة الاداء فكلما زاد الاداء ازداد العائد وتحسنت الأجور. ولكن يجب ان يعي جميع العاملين تتابع ان المطالبة بتحسين الاجور في آن واحد هو مطلب صعب تحقيقه حاليا ولانرغب في ان تضطر الدولة إلي ان تطبع اوراق بنكنوت ليس لها قيمة شرائية مما يساعد في زيادة التضخم وهو حل غير اقتصادي لاينصح به نتيجة لأضراره الخطيرة علي الاقتصاد القومي. فالاستجابة لمطالب العاملين المشروعة ضرورة لايمكن اغفالها ولكن دون ان تتعارض مع الكفاءة والإدارة الرشيدة لذلك يجب علينا اولا توضيح الموقف المالي والاقتصادي وتلبية الاحتياجات باللجوء إلي الدعم العيني والدعم النقدي( صرف مكافآت) بشكل شريع ومطالبة العاملين بالتعاون مع جهات عملهم سواء قطاعا خاصا أو قطاع حكوميا في ضرورة تخطي الازمة مع الالتزام بتوضيح خطة العمل القادمة التي تشمل تحسين الأجور وتدعيمها بالضمانات الكافية من أجل إعادة الثقة وبعث الأمل في نفوس هؤلاء العاملين المحبطين. وبالنسبة للخطط المستقبلية فيجب ان تقوم علي العدالة في توزيع الموارد للتقريب بين الأجور وتطبيق سياسة الثواب والعقاب واعداد موازنات الحث علي الاداء لتحفيز الانتاجية وتوفير جزء من الميزانية لتحسين الاجور من خلال ترشيد استهلاك الموارد. يقول محمد موسي عثمان رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر وعميد المعهد العالي لإدارة المنشآت الصناعية ان الوقفات الاحتجاجية المطالبة بتحسين مستوي الأجور في جميع القطاعات نتيجة طبيعية لإهمال القضايا الاقتصادية والاجتماعية فيجب ان تكون السياسة في خدمة الاقتصاد لانه المنوط بتحقيق النمو والنهضة وضعف مستوي الاجور كان مشكلة يعاني منها الشعب المصري قبل25 يناير نتيجة للسياسات المطبقة التي تخدم اغراض البنك الدولي للانشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي وبعض الاتفاقيات, لذلك فالمشكلة ليست وليدة اليوم ولكنها نتيجة الوزارات السابقة التي تجاهلت امرين اساسيين هما كيفية تطبيق برنامج تدريج مستوي الأسعار حسب تدرج وارتفاع الأسعار وكيفية اتاحة فرص عمل جديدة. يضيف ان هناك فجوة متراكمة اساسها تضاؤل الاجور مقارنة باحتياجات المعيشة, فالأسعار ترتفع بمتواليه هندسية, بينما الاجور ترتفع بمتوالية ربع عددية محكومة بعلاوة سنوية مما يؤدي إلي تضخم يرتفع اسبوعيا وزاد من ذلك عدم انتماء بعض رجال الاعمال وبعض التجار وولائهم لمصالحهم الشخصية, وإلي جوار ذلك هيمنة اصحاب الأعمال علي السياسات الاقتصادية من خلال حقائبهم الوزارية وكذلك سياسات تحرير الجنيه والخصخصة. ويوضح ان انعاش الاجور لنحو24 مليون عامل منهم8 ملايين بالدولة و16 مليونا بالقطاع الخاص يتطلب توفير نحو45 مليار دولار, ولذلك فان حل هذه المعضلة مسألة صعب تحقيقها في الوقت الحالي, فيجب ان يعود معدل النمو إلي سابق عهده ان لم يكن أعلي ولابد من ضخ معونات بالمليارات وتدفق رءوس اموال اجنية وعربية علي مدار الأشهر الستة المقبلة, وذلك حتي نتمكن من ترميم النظام الاقتصادي والتغلب علي تداعيات الفترة السابقة من ايقاف للصادرات وتوقف للبورصة التي يخشي من تعرضها للافلاس بمجرد فتحها. ويتابع ان هناك معلومات تؤكد ان مرتبات شهر يناير تم صرفها من احتياطي البنك المركزي الكلام علي لسان الدكتور محمد موسي عثمان لذلك فهناك تساؤل يطرح نفسه بشدة علي الساحة من اين سيتم توفير نسبة ال15% زيادة التي وعد بها وزير المالية؟ من المؤكد ان هناك10% موجودة لسد تكلفة العلاوة السنوية ولكن من اين تأتي قيمة ال5% المتبقية؟! ان الآليات والادوات والسياسات المتاحة لاتسمح بتنفيذ هذه التعهدات لذلك لابد من سرعة استرداد المليارات المنهوبة التي تفي بهذا الغرض ان لم تكن تزيد. يضيف اننا بالفعل حققنا اصلاحات سياسية وحان الوقت للتركيز علي القضايا الاقتصادية وعلاج مشكلاتها من بطالة وضعف اجور واسكان فلابد ان يتمتع المواطن بحرية الرأي وكذلك الدخل المناسب الذي يكفل له معيشة كريمة يستحقها بالفعل. يري الدكتور حمدي عبدالعظيم عميد اكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا ان رفع قيمة الاجور ولايحتاج إلي تكوين مجالس فهناك المجلس الأعلي للأجور الذي انشيء منذ عدة سنوات لتعديل هيكل الاجور وحل هذه المعضلة ولكنها لم تحل. ان علاج هذه المشكلة يتطلب دراسة لمتطلبات المعيشة وتكلفتها واتخاذ قرارات من شأنها توفير مياه كريمة للمواطنين, فبالنسبة للعاملين في القطاع الخاص علي وزارة القوي العاملة ان تلزم القطاع الخاص بضمانات لصرف الاجور المناسبة للعاملين به وعلي وزارة المالية ان تتحمل مرتبات القطاع الحكومي والعام من ميزانية الدولة فالمرحلة الحالية التي تمر بها تحتاج إلي الاهتمام بالبعد الاجتماعي لعودة الاستقرار وفض الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات التي تطالب بحقوق العاملين المشروعة. ان هذه الاصلاحات تتطلب عشرات المليارات ولكن علي الجهات المعنية ان تتحمل هذه الاعباء ولتكن من ضمن مواردها استرداد الاموال المنهوبة التي تقدر بالمليارات. ولقد قدرت وزارة التنمية الاقتصادية يتابع الحد الادني للاجور بمبلغ400 جنيه لمواجهة غلاء الاسعار ولكن هذا المبلغ غير كاف كما طالب الاتحاد العام للعمال بالا يقل عن1200 جنيه للمؤهلات العليا وهذا كثير في الوقت الحالي لذلك يجب ان نراعي مصلحة جميع الاطراف ونقرر ألا يقل الحد الادني للاجور عن750 جنيها شهريا علي ان يعدل طبقا لنسبة ارتفاع الأسعار. والمشكلة التي تواجهنا في القطاع الخاص هي اختلاف حجم نشاط منشآته فهناك من يستطيع صرف هذا الاجر والبعض لايتمكن من ذلك ولذلك يجب ان يكون دور وزارة القوي العاملة الزام هذا القطاع بتوفير المرتبات المناسبة لتوفير حياة كريمة للعاملين وتمكينهم من مواجهة غلاء الاسعار. وبالنسبة للقطاع الحكومي الذي يتعدي فيه اجر نائب الوزير عن800 جنيه شهريا بخلاف الحوافز والاجور الاضافية فيجب ان يتم تعديل صرف العلاوات السنوية علي ان تصرف نسب الزيادة علي اجمالي المرتب وليس المرتب الاساسي ولتكن هي بداية المربوط فاذا كان الاجمالي3000 جنيه فيتم حساب نسبةالعلاوة في هذه القيمة وبذلك تحقق زيادة ملموسة يشعر بها جميع الموظفين سواء مطلوبة وضرورية لإرساء كفتي ميزان العدالة في توزيع الأجور.