بدأت أمس لجنة التعديلات الدستورية, عملها.. وأول ما يلفت النظر في هذه اللجنة هو تشكيلها من شخصيات قضائية وقانونية بارزة, اختيرت بحكم مناصبها الرفيعة في السلطة القضائية, أو بحكم مواقفها الإصلاحية المعلنة منذ سنوات, وهذه أول مرة منذ تشكلت عام1953 لجنة الخمسين التي وضعت مشروع دستور1954, يعرف المصريون أسماء اللجان التي تضع مسودة الدساتير الدائمة والمؤقتة والإعلانات الدستورية, أو تقترح نصوص التعديلات الدستورية, إذ لم يعرف التاريخ الدستوري المصري, أسماء الذين وضعوا مسودة دساتير1956 و1964 أو الذين نقحوا مسودة دستور1971, أو اقترحوا تعديلاته في أعوام1980 و2005 و.2007 تلك خطوة للأمام, تنهي عهد الأشباح الدستورية في كواليس الحكم, التي تفصل الدساتير وتقيفها حسب مقاييس السلطة التنفيذية, وتضرب عرض الحائط بكل اعتراض أو رأي يسعي أصحابه لكي يتمتع الشعب المصري بدستور يجعل الأمة حقا مصدر السلطات. أما أهم ما ينبغي التوقف عنده فهو حدود اختصاص هذه اللجنة في تعديل الدستور سواء من حيث صياغة التعديلات أو من حيث عدد ونوع المواد المطلوب تعديلها. وطبقا للقرار الجمهوري الذي صدر بتشكيل اللجنة فإن مهمتها هي دراسة واقتراح تعديل بعض الأحكام الدستورية والتشريعية علي أن ترفع إلي نائب رئيس الجمهورية تقريرا بالنتائج التي أسفرت عنها دراساتها واقتراحاتها في شأن التعديلات الدستورية والتشريعية اللازمة ليقوم بعرضها علي رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يلزم لطلب تعديل الدستور, وفقا لأحكام المادة189 وهي المادة التي تنظيم إجراءات طلب تعديل الدستور. وقياسا علي السوابق, خاصة عند تعديل الدستور في عامي2005 و2007, فإن رئيس الجمهورية, لم يكن يتقدم إلي الشعب, بنصوص التعديلات التي يطلب إدخالها علي مواد من الدستور, بل كان يتقدم فقط بالقواعد العامة لهذا التعديل, ويترك لمجلس الشعب, صياغة النصوص المعدلة. ولا أحد يعرف حتي الآن, ما إذا كانت مهمة لجنة التعديلات الدستورية, سوف تقتصر علي صياغة القواعد العامة للتعديل, ليضمنها الرئيس الطلب الذي سيتقدم به إلي مجلس الشعب ليتولي المجلس بعد ذلك صياغة نصوص المواد المعدلة في ضوء هذه القواعد, أم أن اختصاصها سيشمل صياغة النصوص المعدلة ليتقدم بها الرئيس إلي مجلس الشعب الذي يتولي مناقشتها وإقرارها, تم طرحها للاستفتاء العام طبقا لنص المادة189 من الدستور. وربما كان الخيار الثاني هو الأفضل من الناحية السياسية, لأسباب من بينها أن اللجنة بحكم تشكيلها من شخصيات قضائية رفيعة تحظي بدرجة من التوافق الشعبي حول استقلالها تفوق بكثير ما يحظي به مجلس الشعب, سواء بتركيبته الحالية, أو بعد تنقيته من الأعضاء الذين تقضي تقارير محكمة النقض بإبطال عضويتهم.. ولأن قيامها بصياغة المواد المطلوب تعديلها وليس مجرد وضع القواعد العامة لهذا التعديل فضلا عن أنه يختصر الفترة الزمنية المطلوبة للانتهاء من هذه التعديلات- فإنه يسد الباب أمام أي تلاعب في هذه الصياغات, يبعدها عن الهدف من التعديل.. وبمعني أكثر وضوحا فإن مهمة اللجنة ينبغي ان تتسع لتشمل وضع صياغات للمواد المطلوب تعديلها, يقرها رئيس الجمهورية, ويعتمدها مجلس الشعب بعيدا عن أي تدخل منهما, أو من أي طرف آخر, لتطرح بعد ذلك مباشرة علي الشعب لإقرارها في استفتاء عام.. ليبدأ العمل بها طبقا للمادة189 من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. وفي هذ السياق تبرز إشكالية حدود اختصاص اللجنة من حيث عدد ونوع مواد الدستور المطلوب تعديلها, أو بمعني أدق صياغة نصوص بديلة لها, في ضوء تصاعد الطموح الشعبي لتغيير الدستور كله, أو علي الأقل تعديل الكثير من مواده, في حين أن القرار الجمهوري بتشكيل اللجنة حصر مهمتها في دراسة واقتراح ما تراه من التعديلات الدستورية للمواد76 و77 و88 وغيرها من المواد الأخري اللازمة لتحقيق إصلاح سياسي وديمقراطي يلبي طموحات أبناء الشعب في مجال الانتخابات الرئاسية وما يرتبط بها من أحكام, وما تتطلبه التعديلات الدستورية المقترحة, من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور ذات الصلة. والقرار بهذ النص يحصر نطاق التعديلات الدستورية المنوط باللجنة اقتراحها بمجال الانتخابات الرئاسية وما يرتبط بها من أحكام الدستور, وما يتطلبه ذلك من تعديلات في القوانين ذات الصلة, وهو ما ينطبق علي المادتين76 الخاصة بشروط الترشيح للانتخابات الرئاسية, و77 الخاصة بمدد الرئاسة, ولا ينطبق علي المادة88 التي تختص بالإشراف القضائي علي انتخابات مجلس الشعب, علي الرغم من أن إدراج هذه المادة ضمن المواد المطلوب تعديلها يأتي استجابة لالحاح شعبي وخاصة في ضوء المهازل التي حدثت في انتخابات2010, بعد إلغاء هذا الإشراف ضمن التعديلات التي اداخلت علي الدستور عام.2007 والحقيقة ان نص القرار الجمهوري علي ان يشمل اختصاص اللجنة اقتراح التعديلات الستورية في مجال الانتخابات الرئاسية وما يرتبط بها من أحكام الدستور يفتح الباب أمام اللجنة لإدخال العديد من التعديلات الدستورية, ينبغي ان تتسع لتشمل مواد أخري غير المادتين76 و77, ترتبط في الواقع ارتباطا وثيقا لهذا المجال وتدخل في صميمة. ومن بين هذه المواد المادة75 التي تحدد الشروط الواجب توافرها فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية في ان يكون مصريا من أبوين مصريين متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية وألا تقل سنه عن أربعين سنة, بحيث يضاف إليها شرطان آخران هما ألا يكون مزدوج الجنسية وألا يزيد عمره- وقت تقديم طلب الترشيح- علي60 سنة. ومن المهم عند تعديل المادة77 ان ينص التعديل علي تقليل مدة الرئاسة إلي أربع سنوات فقط, بدلا من ستة, علي ألا تجدد سوي مرة واحدة, لأن مدة السنوات الأربع هي المدة القاعدية في الجمهوريات الرئاسية في البلاد الديمقراطية, بحكم ان رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي يتولي سلطات واسعة, تتطلب العودة لاستفتاء الشعب علي ممارسته لهذه السلطات في انتخابات عامة, خلال فترة معقولة, خشية ان يسيء استغلالها, ويزداد الأمر تفاقما في الدستور المصري القائم, لأن الرئيس علي الرغم من سلطاته الواسعة, غير مسئول أمام مجلس الشعب. وفي هذا السياق كذلك, قد يتطلب الأمر تعديل المادة138 من الدستور, لإدخال توازن أكبر داخل السلطة التنفيذية بين سلطة رئيس الجمهورية وسلطة مجلس الوزراء, لأن التعديلات التي أدخلت في عام2007 علي الدستور, لم تنقل إلي مجلس الوزراء من سلطات الرئيس الواسعة, سوي اختصاصات شكلية وبعضها تافه مثل إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين, وإصدار لوائح الضبط.. لأن مجلس الوزراء- وليس الرئيس- هو المسئول أمام مجلس الشعب. أما الذي ينبغي ان نضعه في اعتبارنا جميعا, فهو أننا في صراع مع الزمن, وأن الوقت المتاح أمام اللجنة لا يكفي إلا لإدخال القدر الضروري من التعديلات علي الدستور القائم بما يسمح بانتقال سلمي للسلطة, لرئيس جديد يجري انتخابه من بين أكثر من مرشح, وفي ظل انتخابات نزيهة تقوم علي تكافؤ حقيقي بين كل المرشحين, يفوز فيها المرشح الذي يخوضها ببرنامج واضح, يقوم علي إعداد دستور جديد ينتقل بنا من الجمهورية شبه الرئاسية التي تهيمن فيها السلطة التنفيذية علي كل السلطات إلي جمهورية برلمانية, هي الحل الذي يحولنا إلي شعب حر في بلد ديمقراطي, والطريق الذي طوله ألف ميل يبدأ بخطوة واحدة بشرط ان تكون صحيحة.. وديمقراطية!