يناير2591 حريق القاهرة, وبعد06 عاما بالتمام يناير1102 حرائق بالقاهرة ومدن مصرية.الحالة الأولي استمرت يوما واحدا فقدان الأمن وتدمير ونهب وحرائق وضحايا وقتل واستدعاء الجيش وإعلان حظر التجول عودة الهدوء. الحالة الثانية عنف الأمن ثلاثة أيام وانسحابه عند استدعاء الجيش تلاه تدمير وقتل وترويع وسرقات بالسلاح وفتح السجون وفرار السجناء بالآلاف وحرق منظم لمراكز الشرطة تكوين مقاومة شعبية بالاشتراك مع الجيش لملء الفراغ الأمني, وفي الحالتين بطء وتردد سياسي في محاولة إعادة الأمور الي نصابها بفرض منع التجول. الحالة الأولي تسقط وزارة الوفد ويستتب الأمن بسرعة ولكن علي المستوي السياسي تتقلقل الأوضاع وتتالي عدة وزارة وبعد ستة أشهر يستولي الجيش علي الحكم مع تغيير جذري للنظام من الملكية للجمهورية خلال بضعة أشهر. الحالة الثانية مازالت النتائج غير واضحة وان بدأت مقدماتها بإسقاط الوزارة فهل تنتهي المفارقة عند هذا الحد ام علينا انتظار ما يخبؤه الغد من تحقق الآمال؟!. الواقع ان هذه مقارنات اطارية لكن المحتوي مختلف بين الحالتين فقد سبقت أحداث حريق2591 بسنين إرهاصات كثيرة أولاها ان النظام الملكي الحاكم لم يحكم منفردا بل كان عليه أن يساوم ويهادن ويعرقل إن أمكن قوة الدستور وقوة الاحزاب وقوة الرأي وكلها قوي موجودة رسميا أو متضمنة داخل أجنحة الأحزاب التي تراوحت بين أحزاب يمينية( الاحرار الدستوريين والسعديين والوطني) وحزب الوفد ذو شعبية متوطدة في كل الأرجاء, وجماعات رأي كالاخوان المسلمين تتغلف بالخطاب الديني وأخري يسارية المنطلق مثل حدتو وكلاهما يتغلغل باساليب فاشية وانتهت شبه ليبرالية مناهضة للحكم والاحزاب. وبين كل ذلك كان الملك في قبضة فئة قليلة من مستشاريه رؤساء الديوان وأبرزهم أحمد حسانين وعلي ماهر. في كل هذه الحياة السياسية الزاخرة كانت هناك دائما شخصيات تتمحور حولها زعامات تاريخية أو تأسيسية لكن مع مرور الزمن تناجزها قوي شبابية أكثر ليبرالية وأقل انصياعا لشيوخ الحزب أو الجماعة كما حدث ذلك بالفعل في حزب الوفد, حينما كان هناك شد وجذب بين قوي اليمين من كبار الملاك الزراعيين والمنتفعين يمثلهم سراج الدين وبين الشباب الليبرالي الي المتعاطفين مع اليسار ربما مثلهم أبو الفتح وأخيرا قوة تكنوقراطية من القانونيين والمحامين والمهندسين, وبين كل هذه القوي يقوم النحاس باشا بالتهدئة والمهادنة. ولعل تلك الحيوية لم يكن لها نظير بنفس القوة في الأحزاب الاخري, ولعله ايضا كان سر بقاء حزب الوفد مقابل جمود أحزاب اليمين التي كانت في أغلبها تكاد تقتصر علي كبار الملاك الزراعيين أو كبار تجار القطن, أما الصناعيون كعبود باشا وغيره فلم يكن لهم انتماء حزبي قوي وإنما انتماء بالسلطة سواء كانت قوة القصر أو السفارة الانجليزية أو الوفد وغيره من أحزاب. خلال صراع الاحزاب ظل دستور2291 لايمسه احد باستثناء دستور اسماعيل صدقي الذي سقط بعد فترة قصيرة, الانتخابات البرلمانية كانت وقود الحركة السياسية وأي مشروعات اصلاحية, حين تتسم الانتخابات بقدر كبير من النزاهة يكون الوفد هو الرابح بينما العكس صحيح وبين كل هذه الأوضاع كان المعتمد البريطاني السير مايلز لامبسون( لورد كيلرن فيما بعد) يلعب أدوارا مهمة, ومن ثم كانت للأحزاب والديوان الملكي صلات بالسفارة تتراوح بين الجمود أو العداء أو المهادنة حسب الظروف السياسية البريطانية والعالمية. ومن خلال تلك الظروف الدولية تمكن الوفد من عقد معاهدة6391 التي حررت أكثر الأمور في مصر وإن بقت علي القاعدة العسكرية البريطانية في القناة وجمد موضوع السودان. السبب المباشر لحريق62 يناير2591 كان ردة فعل مصرية لاحتلال الجيش الانجليزي يوم52 يناير الاسماعيلية بعد مقاومة مشرفة لقوات المحافظة في معركة غير متكافئة عددا وعدة راح ضحيتها شهداء كثر من أفراد البوليس, وهو اليوم الذي تحتفل مصر فيه باسم عيد الشرطة وكان من جرائه ان اعلن النحاس باشا إلغاء معاهدة6391 في عبارته المشهورة من أجل مصر وقعت معاهدة63 ومن أجل مصر ألغيتها أو ما يشبه ذلك ومهما كانت جدية أو ديماجوجية الخطاب السياسي من الماضي البعيد إلي اليوم وغدا فإن كلمات بعينها تظل محورا تحليليا لأحداث كبيرة مثل عبارة طارق بن زياد العدو أمامكم والبحر وراءكم, أو عبارة ونستون تشرشل بالحرب حتي النصر حين وقفت بريطانيا وحدها أمام جحافل هتلر بينما في الواقع كانت بريطانيا تقاوم بالمساعدات العسكرية والتموينية الأمريكية. علي أي الحالات فإن مقاومة الوفد لكل دسائس القصر أو الانجليز بين حين وآخر قد أضفت علي مصطفي النحاس صفات الوطنية الصلبة كسعد زغلول أو أكثر بحيث ان عبدالناصر لم يمسه فقد كانت له شعبية تجلت في جنازة تشيعه. مازالت أسرار حرائق2591 مجهولة وربما تظل كذلك وربما أقرب التفسيرات انها من تخطيط بعض قيادات الوفد كرسالة موجهة للانجليز ردا علي أحداث الاسماعيلية لكن أفلت زمامها بدخول عناصر غير مقصودة وجدتها فرصة سانحة للنهب والحرق والتدمير, النتيجة النهائية كانت كمن هدم المعبد علي نفسه ومن فيه بما في ذلك الملك؟ أم انه كانت هناك قوي أخري تريد تقويض كل شئ من الديوان الي مخططات اسرائيل الوليدة المحكومة آنذاك بتنظيمات العنف الدموي شترن وزفاي ليومي, ولا بأس من أن يدفع بعض أثرياء يهود مصر الثمن كشيكوريل وعدس ؟ أم هل هو انتقام لإعدام اليهوديين قتلة اللورد موين الانجليزي في الزمالك؟ ولاننسي في هذا الشأن أن مصر كانت مثقلة بقضايا السلاح الفاسد الذي استخدمه الجيش المصري في حرب فلسطين8491 وأصابع الاتهام الموجهة الي دوائر حول القصر؟ ولاننسي أيضا ان الإخوان كانوا في حالة حرب اغتيالات من احمدماهر والنقراشي وحسن البنا؟ وأخيرا لاننسي ان فوضي تردي الأمن يصبح عاملا مشجعا لظهور اللصوص والنهابين وبعض ضعاف النفوس علي انتهاز الفرصة لربح مفاجئ؟ كل هذه تساؤلات بدون اجابات, لكن الأمر المؤكد ان احداث62 يناير2591 وقعت كزلزال أنتج تغيير النظام الحاكم بالكامل!!. أما احداث يناير1102 فأسبابها طويلة وقصيرة المدي معروفة كالشمس, توقعها ليس فقط المحللون السياسيون بل ايضا رجل الشارع. ومعروف ان طول زمن اي حكم ينتج نوعا من الثقة تبلغ الجمود بأنه باق للأبد حتي لو بدأ الحكم بدايات طيبة. ومع طول ذلك الزمن تتحلق حوله جماعات من المنتفعين تتغير بين حين وآخر حينما يطفو فساد مجموعة علي السطح لتحل محلها جوقة اخري. وحتي الاصلاحات بنيات طيبة تذهب نتائجها لحفنة تتلوها حفنة اخري تطلب قطعة من الكعكة. ولاينصرف ذلك فقط علي دوائر الحكم بل إن المعارضة ايضا يحدث لها مثل ذلك إذا طالها الزمن بالجمود الفكري أو التنظيمي حتي ولو لبست أثواب الدعوات الدينية فربما مؤسسوها كانوا علي قدر من الموضوعية الخلقية لكن تصاريف الزمن تدهم خلفاءهم وهم بعد في موقف المؤسس بعد عشرات العقود, وتزايد جماعات منهم علي جمع الأموال بحجة دعم المؤسسة ولكن المال الشره يأكل طالبه!. لقد مرت فترات مختلفة في العقود الأربعة الماضية من أيام مجيدة لحرب العبور واستخلاص سيناء مع بعض الثمن ثم معاهدة الصلح مع اسرائيل ثم المغالاة في تمجيد الذات وسياسة الانفتاح التي كانت في الحقيقة بابا لتكريس مصالح خاصة انتجت اختلالات في التوازن المجتمعي. وفي الداخل نما عصر المقاولات بالاندفاع غير المتوازن بين انشاء حلقة مدن حول القاهرة وبين متطلبات هذه المدن من اقتصاديات تنموية فأصبحت مدن منامة في أغلبها تعيش علي سوق واقتصاد وخدمات المدن الأم, ومن ثم نشأ جحيم حركة المرور اليومية في كل الاتجاهات بين العمل والسوق والسكن والترفيه والثقافة وحياة الاندية وملاعب الجولف واستادات الكرة عشرات الكيلو مترات ورفاهية بيت البحر مئات الكيلو مترات كل ذلك لفئات وشرائح محدودة بينما ينزلق الي الفقر والفقر المدقع شرائح اكثر الناس فلم تعد لدينا طبقة متوسطة توازن بين الاقلية الثرية والاغلبية المطحونة. ولو لم يكن لدي البعض قدرات علي توليد أعمال وسط بين القيام بأعمال خدمية ومنتجات بير السلم لهلك. وحتي مشروعات استصلاح الاراضي وقعت في مستنقع إنفاقات عالية ونتائج بائسة واستحواذ رأسمال متوحش علي مئات الاف الافدنة, فلا هو دفع الثمن ولا أنتج شيئا يذكر ويجلس متربصا لإعادة البيع بأرباح شيء لم يدفع ثمن شرائه. وديون داخلية ضخمة واستيلاء الحكومة علي اموال المعاشات وإعانات ومنح خارجية باتفاقيات إذعان. ونمو مجتمع تجار استيراد سلع تنافس المنتج المصري إن لم تقتله, وتجارة استيراد لأولويات غذاء الشعب. وخصخصة شركات ناجحة واحتكارات سلع اساسية علي رأسها الحديد والصلب والأسمنت. ونمو البطالة بزعم مشكلة السكان, ولكنها نتيجة حتمية لقلة استثمارات تجديد المصانع أو أساليب الزراعة وأنواع المحاصيل التي يمكن ان تميز انتاجا مصريا. وتدهور التعليم واستمرار الأمية ومنع الطلاب من الأنشطة السياسية لتترك الباب مفتوحا امام توجهات التشدد عكس دعاوي الدولة المدنية وظهور امراض كثيرة بين الأمراض البيئية وبين الفقر الغذائي وارتفاع تكلفة العلاج حتي لدي المؤسسات العامة والتأمين الصحي. وظهور قضايا الطائفية علي السطح في الداخل والخارج وتكوين منتدي اصحاب المليارات دون تشغيل الثروة في الداخل كإنتاج اجتماعي قبل ان تكون اداة للمزيد من الأموال التي تسافر الي بنوك الخارج مع استثناءات قليلة. الفقر الفاحش وفحش الغني هما ملخص أسباب تظاهرات مليون مصري يرون ان نظام الحكم هو المسئول عن هذه الأوضاع. فالحزب الوطني وصناع القوانين وإغلاق الباب امام وجود حزبي بالمعني المتعارف عليه والتدخل الفاضح في الانتخابات وإحجام أربعة اخماس الناخبين عن ممارسة حق الانتخاب هو رد فعل لاستدعاء قوة الدولة وقوة البلطجة لتغطية الانتخابات دون اشراف قضائي وحقوقي ودولي, ثم يدافع مدافع انها تعبير جيد عن النظام الديمقراطي!. وثمة قضايا اخري عالقة منها التوريث ومنها مواد التعجيز فيمن يمكن ان يترشح في انتخابات الرئاسة وإطلاق مدد الرئيس بلا تحديد كلها تشكل مجموعة اخري من الأسباب. وأخيرا مشكلة حقوق الانسان وانتهاك آدمية الناس بين يدي الشرطة ويدي البيروقراطية القاتلة في تعامل الناس مع الهيئات الحكومية وغير ذلك أشياء أخري. فهلا ذهبت أرواح ضحايا التظاهرات ومن قبل ضحايا الأفق الضيق في المعالجات الشرطية والبرلمانية والتشدد الطائفي والوقفات الاحتجاجية بثمن عزيز هو التغيير إلي نظام جديد يجد فيه الناس حقوقهم في الحرية والعمل والأمن من العوز وكل حقوق المواطنة المشاركة فعلا في صياغة الحكم بالديمقراطية كما هي أسسها المتعارف عليها؟. المزيد من مقالات د. محمد رياض