الحقيقة ان كل استجواب من الاستجوابات العشرة التي اثارها نواب المعارضة والمستقلون تحت قبة مجلس الشعب حول التلوث كان يحتاج الي لجنة تقصي حقائق لمعرفة حقيقة وخطورة ما أثاره الاعضاء, وليس الانتقال الي جدول الأعمال, وكأن هذه الاستجوابات الهامة والخطيرة والمثيرة كأن لم تكن. والحقيقة أيضا أن نواب الأغلبية من الحزب الوطني يرفضون دائما دون أي اعتبار أي استجوابات لنواب المعارضة مهما قدمت المعارضة من دلائل ووثائق وحقائق علي أرض الواقع, وبصرف النظر عن خطورة وواقعية هذه الاستجوابات, وهذا بالطبع يؤكد جبروت الأغلبية وسيطرتها وحمايتها لحكومة الحزب بالحق أو الباطل!! مما يدفعني للقول لنواب المعارضة والمستقلين العبوا غيرها ولا داعي لضياع وقت المجلس فيما لا جدوي منه, ويمكن تحويل الاستجوابات الي أسئلة وطلبات احاطة واسقاط الاستجواب أهم وسائل الرقابة البرلمانية لعدم جدواه في ظل ضعف عدد نواب المعارضة والمستقلين, ولن ينصلح الحال إلا إذا انصلحت الحياة الحزبية وأصبح للاضراب عدد كاف من النواب في البرلمان يدافعون عن حقوق الاقلية ويوقفون طغيان الاغلبية. المهم والمثير أن الدكتور فتحي سرور مشكورا منح النواب العشرة من المعارضة والمستقلين حقهم الكافي في طرح استجواباتهم حول ماتعيش فيه البلاد من تلوث في الماء والغذاء والشراب والهواء ومايعانيه الشعب من أمراض سرطانية وخطيرة, أخذت من وقت المجلس أكثر من ست ساعات في جلسات متصلة, وانتهي الأمر كأي مسرحية هزلية الي لا شيء, وضرب نواب الأغلبية عرض الحائط بمطالب نواب المعارضة بطرح الثقة في الحكومة, أو تشكيل لجان تقصي حقائق لمواجهة ماعرضوه في استجواباتهم وماقدموه في بياناتهم الصارخة ضد رئيس مجلس الوزراء ووزراء البيئة والصحة والاسكان والزراعة والبترول والاستثمار حول ماتعيشه البلاد من تلوث في كل مناحي الحياة, وما يعانيه الآلاف من البشر من أمراض السرطان والفشل الكلوي والالتهاب الكبدي والامراض الخطيرة نتيجة التلوث المائي والغذائي والهوائي. وقد أكد الأعضاء في استجواباتهم مسئولية الحكومة عن تدني المستوي البيئي وانتشار الامراض الخطيرة, وقالوا إن إقالة الحكومة أصبح أمرا حتميا, خاصة أن هناك100 ألف حالة تنضم سنويا للمصابين بالسرطان, وان هناك150 ألف حالة جديدة سنويا من الفشل الكلوي والآلاف من أمراض الالتهاب الكبدي الوبائي, وكل هؤلاء في حاجة الي علاج يحمل ميزانية الدولة أعباء جسيمة, وطالبوا بمحاكمة الوزراء المتسببين في زيادة معدلات التلوث الهوائي والصناعي والزراعي, خاصة ان الأرقام المعلنة من جهاز البيئة تشير الي ان نهر النيل يقبل سنويا أكثر من950 مليون متر مكعب ملوثات صناعية, وأكثر من9 مليارات متر مكعب ملوثات زراعية تحتوي علي سموم قاتلة. الأمر الذي أدي الي تلوث المياه الموجهة للشرب, ولا شك ان قضية تلوث البيئة هي جريمة العصر التي تشهدها مصر اخيرا رغم ان الدستور نص علي حماية البيئة باعتبارها واجبا قوميا ووطنيا, وأكد الأعضاء في استجواباتهم ارتفاع نسبة الملوثات السامة في الأغذية والاسماك, والمياه وعدم تصدي الحكومة للشركات التي تصرف مخلفاتها الصلبة في مياه النيل, وتحدثوا عن ري الزراعات والمحاصيل بمياه المجاري الملوثة دون أي معالجة, وقالوا إن هناك مافيا تتاجر في نفايات المستشفيات وبدلا من حرقها يعاد تدويرها لانتاج علب الزبادي والكشري, وقالوا إن67% من الرجال و63% من النساء و43% من الأطفال تتعدي نسبة الرصاص في اجسامهم الحد المسموح به, وطالب المستجوبون باحالة حكومة الحزب الوطني الي محاكمات جنائية لفشلها في مواجهة مشكلات البيئة التي تسببت في امراض الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي الوبائي والسرطان, واتهموا الحكومة بقتل المصريين عمدا بعدم تصديها للتلوث وارتفاع نسبة المكونات السامة في الاغذية والاسماك ومياه الشرب, وتورطها في ادخال شحنات أغذية ملوثة في ظل رقابة ضعيفة علي استيراد الاغذية, واكدوا أن الوضع خطير في ظل العديد من المصانع التي تنتج الصودا الكاوية والكلور بدون معالجة للمتخلفات الناتجة عن هذه الصناعة, وقالوا إننا أمام جريمة المسئول عنها عدد من الوزراء علاوة علي العديد من رجال الأعمال المحتكرين والفاسدين ولو كانوا في الصين لتم شنقهم في ميدان عام لتعمدهم انشاء مصانع ملوثة في قلب التجمعات السكنية. وأكدت الحكومة ممثلة في وزير البيئة الدكتور ماجد جورج عدم تقصيرها في مواجهة هذه المشكلة, وفي تطبيق قانون البيئة لحماية المواطنين, مشيرا الي انشاء العديد من المشروعات التي تستهدف الحد من الانبعاثات الصناعية ووضع رقابة صارمة علي الصرف الصناعي ووقف عمليات الصرف علي مياه النيل, وقال إن الحكومة بجميع وزرائها تولي اهتماما كبيرا للحفاظ علي البيئة باعتبارها واجبا وطنيا وقوميا, وهناك آليات ومشروعات كبيرة تتم علي مستوي المحافظات لنقل كل المشروعات الملوثة للبيئة الي خارج الكتلة السكنية حفاظا علي صحة ومياه المواطنين, وأكد أن المشروعات الصناعية الموجودة والتي تلوث البيئة جار توفيق أوضاعها. وأشار الي ان هناك رقابة صارمة علي تلوث الزراعة والثروة السمكية, وهناك برنامج زمني لتحويل سيارات الحكومة وغيرها الي الغاز الطبيعي بهدف حماية البيئة من التلوث, والزام جميع شركات الأسمنت باشتراطات البيئة في دفن الاتربة والباي باص وقال إن المصانع الجديدة تستخدم آليات جديدة للحفاظ علي البيئة وأكد ان هناك دعما يقدم للمحافظات لتطوير وتحديث الآلات لرفع القمامة والقضاء عليها من خلال برنامج تدوير القمامة, والانتهاء من المشروعات المفتوحة للصرف الصحي, وتوصيل مياه الشرب النقية للقري المحرومة, وقال الدكتور ماجد جورج إن الوزارة وضعت استراتيجية قومية لتحسين نوعية الهواء وتنفيذ مشروع الحزام الأخضر حول القاهرة بطول100 كيلو متر, وتنفيذ مشروع التحكم في التلوث الصناعي ممول من البنك الدولي.