الفلاح المصري والساقية مترادفان تجمعهما أوجه شبه, فكلاهما في حالة دوران مستمر لاينقطع. وليس صحيحا مايقال إن الفلاح أفسدته التكنولوجيا الحديثة فأصبح يسهر حتي الفجر أمام التليفزيون ويستيقظ في الظهيرة ليرمي الحب في الأرض وينتظر حتي ينبت أي أنه من وجهة نظرهم متواكل وكسول الواقع أن الغالبية العظمي من الفلاحين هم الكادحون الذين يعيشون علي إيجار عدة قراريط أو حتي ميراث قطعة أرض صغيرة يزرعها ويعيش علي ريعها هذا الكادح يدور مثل الساقية لكي يوفر له ولأولاده لقمة العيش. وقد سألت مزارعا من احدي قري الدلتا: كيف تقضي يومك؟ فأجاب في أس وسنحتفظ بكلماته العامية, كما هي قائلا والكلمات تنساب منه: يومي كله مشقة يبدأ من السادسة صباحا, أصلي الصبح وأخرج لتدبير لقمة العيش, يعني أروح الطابونة اشتري بجنيه عيش وطبق فول وارجع الدار أصحي الولاد ونقعد علي الطبلية أكسر فحل بصل ونأكل ونشرب كوباية شاي, وكل واحد بعد كده عارف طريقه. أم الولاد تخلص شغل الدار وربنا بيرزقها بشغل عند أي حد من المقتدرين في القرية, واحدة عاوزة تخبز تروح تعجن وتخبز لها العيش مقابل أجر أو حسب ماتجود به الظروف ممكن عشرة جنيه وعشرة أرغفة وحتة جبنة لولاد أو شوية لبن أو بيضتين. بيت تاني صاحبته عاوزة مراتي تساعدها في شغل الدار وهكذا ربنا بيرزق ده من ده, فلوس وأحيانا ملابس مستعملة تكون ضاقت أو قدمت علي أصحابها المقتدرين ويتبرعوا بيها للغلابة اللي زينا, لي أو جلابية لمراتي أو فستان للبنت. وفي العيد بيكون الرزق أكبر من كده وبرضه في رمضان والمواسم, لسه الدينا بخير. أما الأولاد فخرجوا من المدرسة بدري ماكملوش تعليم لأن المدرسة عاوزة فلوس, ومنين أجيب مصاريف ودروس وكل ولد بيشتغل باليومية في الغيطان وساعات اليوم ب20 جنيه أو أكثر أو أقل. ومراتي بتشقي وبتتعب أكثر مني كمان بتربي طيور وتبيعها في السوق وتكسب فيها جنيهات قليلة بتساعد في المعيشة, وكمان بتساعدني في الأرضي اللي بنزرعها بالإيجار, ولو أن الأرض مابتجيبش همها يعني بصراحة ماتصرفش عالدار وعشان كدة بندور علي الرزق من هنا وهناك عشان نكمل المعيشة ونوفر الرزق للولاد. الأيام كلها بقت شبه بعضها يعني النهاردة زي إمبارح زي بكرة كله تعب لكن الحمد لله آخر اليوم بنتجمع علي العشاء شوية عسل أسود وحتة جبنة حلوة أو طبق طبيخ أو فطيرة هدية من جار. قبلها في الغدا ممكن نأكله في الغيط جبنة قديمة وسريس وفجل وطعمية وباذنجان مقلي أو شوية عدس, وكل أسبوعين ممكن نشتري كيلو لحمة أو ندبح فرخة ونعمل عليها طبق ملوخية أو بامية وعيش بيتي من اللي بيجي لنا ونعقد في الدار ونأكل أكلة هنية كأننا يوم عيد ونحمد ربنا. الولاد بيكبروا البنت الكبيرة لما بلغت سن الزواج جالها خطاب كتير وربنا وفقنا وجهزناها والبركة في تدبير أمها وبمساعدة أهل الخير, أصل عندنا ست الدار رغم صعوبة المعيشة بتوفر كل قرش البنت بتشتغل بيه ضحوية في أرض الغير وبتشتري لها كل احتياجات الجهاز بتشورها يعني قطعة قطعة. صورة لفلاح ظروفه مختلفة فلاح آخر ظروفه مختلفة ووضعه أفضل, أولاده ربنا وفقهم في الدراسة بيتعلموا وبيشتغلوا في نفس الوقت, الواحد منهم بيجي من المدرسة يروح يعزق في الأرض أو يجمع قطن أو ينقي الدودة ويرجع عارف اللي وراه يأكل أي لقمة موجودة في الدار ويذاكر وينام عشان يصحي بدري يبدأ يوم جديد. هؤلاء الأولاد التعليم يجعل ظروفهم أفضل حالا من المنقطعين أو المتسربين من الدراسة, فالمستقبل لهم أفضل والشغل موجود في الأرض أو في مصنع لو القرية قريبة من المدينة. ابناء القرية أقل حظا من أبناء المدينة, الواحد منهم بيكافح من الصغر ويمكن يمشي علي رجله لو مفيش ركوبة كم كيلو لغاية مايوصل للمدرسة بيتعلم وبيشتغل عشان كده ربنا بيكرمهم وبيسلطه منهم وزروا وأصحاب مناصب اتعلموا ووصلوا للدكتوراة بعد رحلة معاناة طويلة. أو بيكتفوا بالدبلوم وجايز يدخلوا الجامعة في المدينة وساعتها بيسجد الفلاح شكرالله لأنه كلل تعبه وكفاحه بابن فالح. الفلاحة المصرية تستحق كل تقدير واحترام فهي وزيرة مالية الدار, منهن من تزرع حافة الغيط بالخضار وتحمله علي رأسها وتبيعه في السوق والباقي ينفع في الدار, أو تخبز عيش وتبيعه, ولو في بهيمة تعمل لبنها زبدة وجبنة وتبيعها. الفلاح المصري مظلوم ومكافح ويعرف معني القرش مش هقول الجبنة لأن القرش علي القرش بيجمع جنيه. التقيت ايضا مع عم حسين العسال فلاح من رمادة قليوبية ظروفه أحسن من فلاحين كتير في البلد عنده أرض صحيح مش فدادين كتير لكن معيشته أيضا تعبانة يقول: في أسر كتير فيه القرية تعبانة وشقيانة عشان توفر القوت, الدار اللي ساكنين فيها صغيرة علي قدهم عبارة عن حجرتين وحمام مبنية بالطين ومتعرشة بحطب وقش رز والعفش بسيط وطبعا مفيش لامؤاخذة حظيرة عشان مفيش بهايم, منين والعيشة علي القد. الدخل من الشغل في أرض الغير ويمكن في معاش ضمان80 جنيه والحياة بتمشي. الغني والفقير في القرية بياكل مع الفارق طبعا, لكن النعمة التي وهبها الله للفلاح البسيط أن لقمةالعيش المغموسة في طبق طبيخ قرديحي من غير لحمة أو حتي حتة جبنة قديمة طعمها زي العسل في فمه لأنه قانع وراضي وحامد عشان كدة ربنا يبارك في رزقه القليل. التكافل الاجتماعي في أجمل صوره موجود في القرية ويساعد بشكل كبير في زواج الفقراء من أبناء الفلاحين, الناس بتشيل بعضها, وده بيهون عليهم شظف العيش.