هل تكفي زيادة سعر قنطار القطن إلي0081 جنيه لكي يحقق المزارع عائدا جيدا لأرضه, يلبي احتياجاته المعيشية؟.. في الواقع, إن السعر لايكفي.. فالفدان متوسط إنتاجه5 أو6 قناطير قطن, وهذا يعني أنه بعد خصم التكاليف لن يزيد العائد علي6 أو7 آلاف جنيه. فتصور أن فدانا ثمنه ربع مليون جنيه يظل الفلاح يكدح فيه طوال العام لكي يحقق هذا العائد الهزيل؟ ليس غريبا إذن في هذه الظروف أن الغالبية العظمي من أهالي مصر الفقراء يقيمون في الريف. (1) عندما ارتفع سعر الطماطم إلي21 جنيها للكيلوجرام الواحد, ضجت مصر كلها وارتفعت الأصوات تطالب بالتصدي لهذه الظاهرة وتدعو للعمل بأسرع ما يمكن, لكي تعود الأسعار إلي سابق وضعها. وللحق فإنه ليست أسعار الطماطم وحدها هي التي ارتفعت, بل إن كل المنتجات الزراعية شهدت علي التوازي ارتفاع ات مقابلة. وليس صحيحا أن هذه الزيادات تعود كلها إلي مجرد جشع التجار, بل الواقع يقول إن الإنتاج الزراعي نفسه أصبح يتكلف أكثر مما كان في السابق.. وعلي ضوء ذلك فليس من المنطقي أن تظل الأسعار علي ما كانت عليه, وإلا ترتب علي هذا, أن المنتجين الزراعيين سيتكبدون خسائر فادحة كما يحدث حاليا, ويتعرضون للعجز عن سداد القروض التي حصلوا عليها من البنوك, مما يؤدي بهم إلي السجن, أو مصادرة أراضيهم, أو علي الأقل العجز عن تلبية احتياجات أسرهم. صحيح أنهم, أو أغلبهم يعيشون في القري, أو في البنادر القريبة من قراهم, ولكن ليس من الصحيح أنهم مازالوا يأكلون السريس والجعضيض, وينظرون إلي الزفر دون أن يتناولوه, ولا يتعاملون مع اللحوم إلا في المواسم.. هذا عدا أنهم أصبحوا يرتدون الأحذية والجوارب والبنطلونات الجينز والقمصان والبلوزات.. والبنات يذهبن إلي الكوافير.. والغالبية باتت متعلمة تقرأ وتكتب, ولديها دورات مياه بها مياه جارية ودش وكنيف.. ناهيك عن الكهرباء, والتليفزيون, والفيديو, والطبق الفضائي. (2) ماذا يعني ما سبق؟.. إن تكاليف المعيشة في القرية نفسها, ارتفعت.. فالأرض الزراعية ارتفع ثمنها, ولم يعد هناك فدان علي طول البلاد وعرضها ثمنه مثلا ألفا جنيه. فالآن أصبح ثمن الفدان في الأرض القديمة لايقل عن052 ألف جنيه..بالمثل, يومية العامل الزراعي زادت من01 قروش من الفجر وحتي أذان العشاء, وصارت اليوم ما لا يقل عن02 جنيها للصبي أو الصبية.. أما الرجل القوي, فلا تقل يوميته عن03 جنيها. فإذا كان العامل متخصصا في زراعات الطماطم والخضراوات, أو العنب, فإنه قد لا يعمل بنظام الأجر باليومية, ويفضل أن يحصل علي جزء من عائد المحصول مقابل مجهوده وخبرته وعلمه, وليكن الثلث أو النصف مثلا, لاحظ أيضا, أن رب الأسرة القروية صار معظم أولاده تلامذة مدارس وطلبة جامعات, وكلهم تطلعات في حياة أفضل.. دعك من ارتفاع تكاليف الانتاج المباشر مثل التقاوي والأسمدة والمبيدات وعمليات الري...إلخ في مثل هذه الظروف, كيف يمكن توقع أن يوجد إنتاج زراعي رخيص؟ ولماذا يتعين علي الدولة أن تجامل سكان المدن علي حساب سكان القري بأن تجعل أسعار المحاصيل الزراعية شديدة الانخفاض؟.. هل لأن سكان الريف لا يسمع أحد لهم صوتا, في حين أن سكان المدن صوتهم مرتفع؟ كيف يكون هناك إنتاج زراعي رخيص؟.. فإذا كانت القرية القديمة, المبنية بالطين والتي لا تعرف الكهرباء أو المياه الجارية, قد اختفت, فكيف يمكن أن تبقي الأسعار علي ما كانت عليه؟ (3) القضية إذن ليست في العودة لأسعار زمان, فهذا مستحيل.. القضية هي في زيادة الإنتاج الزراعي وفي توفير أسعار للمحاصيل تجعلها تحقق عائدا للمزارعين يغريهم بالبقاء في حرفة الزراعة بدلا من الانصراف عنها إلي المدينة. الزراعة في مصر, مهنة قليلة العائد, كثيرة المجهود, عالية التكاليف, ومحصولها سريع التلف أو يصعب التصرف فيه بسهولة, ولذلك يتعرض المنتجون لمختلف أشكال الابتزاز والاستغلال والقهر من مختلف الجهات الرسمية في الدولة, إلي جانب الجهات الخاصة في شكل التجار وأصحاب الوكالات التجارية. القضية هي أنه من الضروري جدا النظر بطريقة جديدة إلي أسعار المنتجات الزراعية, بحيث تحقق عائدا مجزيا للمنتج يوفر له القدرة علي تحسين مستواه المعيشي ويضمن استمرار مهنة الزراعة في البلاد. في أوروبا وأمريكا يعتبر دعم الزراعة سياسة ثابتة لكي لاتختفي هذه الحرفة نقطة أخيرة.. إن أغلب سكان مصر الفقراء يعيشون في الريف ويعملون بالزراعة. والمدهش أكثر أن القبائل والعصبيات التي تشكل مجلس الشعب والمسئولة عن فوز الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة تعمل بالزراعة.. فماذا ننتظر؟ المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن