منذ هروب بن علي إلي السعودية وتطور الأحداث بسرعة في تونس ترددت آراء بشأن تداعيات هذه التطورات علي الدول العربية الأخري, بما في ذلك مصر, وأشار بعض المعارضين السياسيين في أغلب الدول إلي عناصر التشابه والاتفاق في بلادهم مع الحالة التونسية وطالبوا المسئولين فيها بسرعة التغيير خوفا من عواقب استمرار الأوضاع القائمة. كان من الطبيعي إقامة هذا الربط, فقد كان ما حدث في تونس مفاجئا وسريعا ولم يكن أحد من الباحثين أو مراكز الرصد والمتابعة قد تنبأ بما جري فيها. فقد بدا النظام القديم قويا ومسيطرا وعنيفا في قسوته علي المواطنين مما أعطي الانطباع بقدرته علي الاستمرار ولم يحدث في الشهور الأخيرة وقائع أو أحداث تمهد أو تشير إلي الانفجار الشعبي المرتقب. وكان من الطبيعي أيضا أن تسعي الأحزاب والقوي المعارضة للاستفادة من أحداث تونس واستندت هذه الآراء إلي التأثيرات المتبادلة بين الدول العربية حسب خبرة القرن العشرين.وعلي سبيل المثال فبعد ضياع فلسطين في عام1948 والانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا تحرك الجيش المصري عام1952 وانتقلت عدوي الانقلابات العسكرية إلي العراق والجزائر وليبيا واليمن. وخلال الفترة من منتصف الخمسينيات إلي النصف الثاني من الستينيات تجاوب الشارع العربي مع جمال عبد الناصر وخرجت المظاهرات في العواصم العربية دعما له ولسياساته. وكان التوجه السياسي أو الاقتصادي الذي تتبناه مصر يطرح تداعياته علي الدول العربية الأخري فعندما ألغت مصر الأحزاب السياسية وأقامت نظام الحزب الواحد في عام1953 سار علي منوالها الكثير, وعندما تبنت سياسات التخطيط الاقتصادي ورفعت شعارات الاشتراكية والعدل الاجتماعي تم نفس الشيء. والسؤال هل مازال ذلك صحيحا ؟ وهل يمكن أن تحدث العدوي السياسية من بلد لآخر خاصة مع انتشار الفضائيات ومع التشابه في بعض الظروف؟ والإجابة ليست سهلة أو مباشرة وتتوقف علي عدد من العوامل منها دور الدولة التي يحدث بها التغيير وهل بمقدورها أن تقدم نموذجا للآخرين يتشبهون به. ومنها نتيجة هذا التغيير وهل أدي إلي تحقيق مزيد من الأمن والحرية والرفاهية لأغلبية الناس أم قاد إلي انفلات أمني وسياسي واعتداء علي أرواح الناس ومنازلهم. وبعيدا عن الشعارات التي يرفعها المشتغلون في السياسة فإن ما يؤثر علي أغلبية الناس هو واقع حياتهم اليومية وما يتعرضون له في أعمالهم ومواصلاتهم وأرزاقهم وصحتهم وشعورهم بالأمن علي أسرهم وأولادهم. ومن العوامل التي تؤثر علي العدوي السياسية مدي التشابه بين الظروف وهذا هو بيت القصيد. فالشعوب لا تخرج إلي الشارع لأن نظرائهم في بلد أخر فعلوا ذلك ولكنهم يقومون به لأسبابهم ولتوقعهم بجدوي هذا الخروج. ويتفق الباحثون في تحليل الثورات وأنشطة التمرد والاحتجاج إن العنصر الحاسم هو إدراك أغلبية المواطنين للواقع الاجتماعي وللثقافة السائدة بينهم. ومعني هذا أنه يمكن أن تتشابه الظروف من حيث نسبة البطالة أو الفقراء من الناحية الإحصائية ولكن سلوك العاطلين أو الفقراء يختلف من بلد لآخر وفقا لفهمهم لواقعهم وأسبابه ولتقديرهم لسياسات الحكومة لإخراجهم من هذا الواقع. موضوع العدوي السياسية إذن ليس بالبساطة التي يتحدث بها البعض والتي يخلطون فيها بين رغباتهم وقراءة الواقع الاجتماعي. لقد تعودت علي احترام الآراء الأخري مهما كانت مختلفة ومتعارضة مع أفكاري وأن أتعامل معها وأناقشها. وأي دراسة لتطور المجتمع والنظام السياسي والسياسات الحكومية في مصر وتونس تكشف عن جوانب عميقة من الاختلاف ابتداء من عدد السكان, وطبيعة نظام الحكم, وحرية التعبير في الصحافة والتليفزيون, ونشاط الأحزاب السياسية المعارضة, واستخدام أدوات الميديا الجديدة علي الإنترنت, ودور الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني, وحجم الدعم للسلع الغذائية التي يستهلكها الفقراء, ونظم التضامن الاجتماعي التي تنفذها الحكومة أو يقوم بها المجتمع كجزء من ثقافة التكافل السائدة فيه وأشير إلي أنه لا يوجد خارج مصر معارضون سياسيون أو ممثلون لحركات سياسية لم يتمكنوا من التعبير عن أفكارهم في الداخل واضطروا إلي اللجوء إلي الخارج. واستطيع أن استطرد في عرض مزيد من الاختلافات ولكن لا يجب أن نفهم مما كتبت أن نمضي في أداء أمورنا وكأن شيئا لم يحدث بل علينا في كل مؤسساتنا السياسية والتنفيذية والاجتماعية أن نستخلص الدروس والعظات وأن نراجع أوضاعنا أولا بأول بما يجعلنا أكثر قدرة علي رفع مستوي حياة أغلبية المصريين ماديا ومعنويا. علينا أن نفعل ذلك في إطار مراجعة وتقييم نتائج السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة ومن واقع ما يحدث في منطقتنا العربية وفي العالم ككل فإذا كان من الصحيح أن كل بلد أو مجتمع له ظروفه الخاصة فمن الصحيح أيضا أنه لا توجد دولة تعيش بمعزل عما يحدث خارجها. واعتقادي أن طموحات أغلبية البشر من البسطاء واحدة وتتمثل في الحرية والعدل والشعور بالكرامة. فمن حق الإنسان أن يشعر بالحرية وبأنه قادر علي التعبير عن رأيه دون خوف من نتيجة ذلك طالما أنه لا يستخدم العنف في تعامله مع الآخرين. ومن حق الإنسان أن يحيا في كرامة دون إهانة أو إيذاء من أحد. ومن حقه أن يشعر بالعدالة أي أن يحصل علي حقه وفقا لجدارته دون تمييز لأن الشعور بالظلم أو عدم العدالة أو التمييز هو الذي يولد مشاعر الغضب والتمرد لدي الناس. مصر غير تونس وغير كثير من الدول العربية الأخري- ليس استعلاء أو تكبرا واختلافها لا يعني أنها أفضل من الآخرين وكل دولة عربية لها خصوصيتها في الإطار العربي. وفي الموضوع الذي نتحدث فيه فإن أحد هذه الاختلافات هو أن البرامج الحوارية المصرية استضافت مفكرين وسياسيين لمناقشة تأثير أحداث تونس علي مصر وكان لهم اجتهادات مختلفة وهو ما لم يحدث في عديد من الدول العربية الأخري. فتركيبة مصر السياسية والاجتماعية تسمح بمناقشة أي موضوع علنا وأمام الرأي العام. فحرية التعبير في مصر هي صمام أمن والاستمرار في التغيير بما يتجاوب مع تطلعات غالبية الناس هو ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي.