ساخرون جدد

شارع التنهدات هو اسم أحد مؤلفات الكاتب الكبير أنيس منصور‏,‏ حقيقة لم أقرأ الكتاب‏,‏ إلا أني وجدت الاسم رائعا للغاية ويمكن أن أطلقه علي أحد الشوارع بداخل الكلية‏...‏ الشارع طويل وهادئ‏,‏ خلف مباني المدرجات والأقسام‏,‏ المقاعد علي الصفين‏,‏ يصلح لكل مشاهد الحب والعاطفة الجياشة‏,‏ كما يصلح للتزويغ في المحاضرات السخيفة والمملة‏....‏
ولأن الدراسة تبدأ عادة بعد مرور شهر من التاريخ الفعلي‏,‏ وتبدأ لنا كطلبة في الأسبوع الأخير قبيل الامتحانات‏,‏ فقد تسني لي في عامي الأول أن أتفرج وأشاهد‏...‏
شباب هذا الجيل الرائع‏,‏ تنعكس الشمس فوق رأسه بسبب‏'‏ الجل‏'‏ طبعا‏,‏ وموبايله يسمع عليه إذاعة العالم يغني‏,‏ ويسمعنا رغم أنوفنا مزاجه الموسيقي‏,‏ متصورا نفسه تامر حسني جالسا في انتظار هبوط سيول الدباديب والورود من الفتيات حوله‏,‏ ردا علي ابتساماته المنتشرة في جميع الاتجاهات‏...‏
تسني لي في الأيام الأولي أن أتعلم فن الحوائط‏,‏ هو نوع من الفن وجدته منتشرا وبوفرة علي كل حائط في أروقة الكلية‏,‏ ويتضمن نصائح غالية للطلاب الجدد‏,‏ ومشاعر اخوانهم القدامي‏:‏
‏'‏خدعوك فقالوا كلية العلوم أربع سنين بس‏','‏ ربنا علي الظالم والمفتري‏',‏ عوضا عن بعض فقرات الحب والاهداءات الحارة من سنسن لهيثم في تانية كيميا‏,‏ ومن حسام لعلياء وهي قاعدة في سكشن البيولوجي وكانت زي القمر والضفدعة في ايديها‏...‏
وقلوب وأسهم حكايات أشبه بالسير الذاتية‏,‏ قراءتها نوع من المتعة فعلا‏,‏ وأفضل وسيلة لتمضية وقت سييء في محاضرة غبية‏.‏
طالب آخر كتب علي جميع حوائط الكلية‏:'‏ انتهت سنوات الحب والشقاء‏,‏ مضي حتي الآن‏1567‏ يوما‏',‏ وفوق كل حائط تجد الرقم مختلفا‏,‏ الكتابة كانت بخط رائع واضح للعيان‏,‏ في البداية تساءلت عن صدق الجملة وتمنيت لو أقابله لأخبره‏'‏ مشوفناش حب يعني كله شقاء بس‏!'.‏
وتصورته وهو يكتبها مثل أنور وجدي في فيلم‏'‏ أمير الانتقام‏',‏ حين كان يحسب أيامه علي الحائط في السجن‏,‏ طويل الذقن‏,‏ منكوش الشعر يلعن مكتب التنسيق علي الثانوية العامة في يوم واحد‏,‏ الطالب طبعا مش أنور وجدي‏.‏
دلونا بدلونا نحن أيضا‏,‏ كتب منا بعض العبارات التي تهنئ القادمين‏,‏ وتشرح الدليل العملي لكيفية تمضية أيامك في هذا المعتقل‏,‏ والحق يقال أنك لن تقابل طالب علوم أبدا إلا ووجدته موهوبا؟‏!‏
الأمر غريب بالفعل‏,‏ فقد وجدت مختلف أنواع المواهب بين زملائي‏,‏كتابة ورسم وتمثيل‏,..‏ الخ‏,‏ وكانت أبرز الأمثلة أحد أصدقائي والذي كان يخرج من كل محاضرة وقد تفنن في رسم بورتريه للدكتور المحاضر وهو يتحرك أمامه‏!‏