جامعة المنوفية الأهلية تتألق بأنشطة صيفية متنوعة لتعزيز مهارات طلابها    رئيس اتحاد العمال يشارك بورشة عمل حول "الحق في المشاركة في الشأن العام"    «حريات الصحفيين» تعلن تضامنها مع «فيتو» في أزمتها مع وزارة النقل    «إرادة جيل» يشكل لجنة لاستقبال طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    جامعة القاهرة تنظم فعالية استثنائية لإطلاق استراتيجية الجامعة للذكاء الاصطناعي    من فعاليات مؤتمر «اليابان- إفريقيا».. رئيس «اقتصادية القناة»: مصر تولي اهتمامًا بالغًا بالاستثمار في البنية التحتية والمرافق    بسبب كسر مفاجئ.. لليوم الثاني قطع مياه الشرب عن مركز المنيا    «مستقبل وطن»: زيارة الرئيس للسعودية تجسيد للعلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين    أهم أخبار السعودية اليوم.. المملكة تدين إمعان الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه بحق الفلسطينيين    «انتهت دون وعود».. مصدر يكشف تفاصيل جلسة مسؤولي الزمالك مع وزير الإسكان    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    "أتفهم الانتقاد".. لويس إنريكي يرفض التعليق على أزمة دوناروما    "مستعد لدفع ثمنه".. مارسيليا يستهدف كاسادو من برشلونة    «تعليم المنيا»: لا شكاوى من امتحان مادتي الكيمياء والجغرافيا بالدور الثاني للثانوية العامة 2025    اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثاني 2025 في أسيوط    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    فركش «هند» رابع حكايات «ما تراه ليس كما يبدو» بالتزامن مع عرضه (صور)    ترفع شعار «بالأفعال مش بالكلام».. 3 أبراج لا تكتسب ثقتها بسهولة    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب.. والجمهور يحتفل بعيد ميلاده (صور)    محافظ الدقهلية يشدد على حسن استقبال المرضى ويوجه بحل أزمات مياه الصرف الصحى    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    جامعة الطفل تشارك في المعسكر الصيفي التاسع للمراهقين بالصين    هبوط البورصة بالختام للجلسة الثانية على التوالي بتداولات 3.5 مليار جنيه    بدرية طلبة تواجه عقوبة الإيقاف أو الشطب بعد إحالتها لمجلس التأديب    النجمة نادية الجندي فى إطلالة صيفية مبهجة.. صور    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    الجيش الروسي يحرر بلدة ألكسندر شولتينو في جمهورية دونيتسك الشعبية    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد "المشروع الصيفى للقرآن الكريم" بأسوان    الرئيس اللبنانى: ملتزمون بتطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة    الصحة: استقبال 4270 مكالمة على الخط الساخن 105 خلال يوليو 2025 بنسبة إنجاز 100%    الزمالك يناشد رئيس الجمهورية بعد سحب ملكية أرض أكتوبر    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف المؤتمر الوطني «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    رئيس مركز القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"    جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    كيفية صلاة التوبة وأفضل الأدعية بعدها    بينها إسقاط الجنسية المصرية عن مواطنين.. رئيس الوزراء يصدر 4 قرارات جديدة اليوم    تقرير: تطور مفاجئ في مفاوضات تجديد عقد فينيسيوس جونيور مع ريال مدريد    في جولة مفاجئة.. عميد طب قصر العيني يطمئن على المرضى ويوجه بدعم الفرق الطبية    نائب وزير الصحة يشارك في ختام فعاليات المؤتمر العلمي الشامل لزراعة الأسنان بمستشفى العلمين    غلق الستار الأليم.. تشييع جثمان سفاح الإسماعيلية    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    الإسماعيلي يتقدم باحتجاج رسمي ضد طاقم تحكيم لقاء الاتحاد    بداية عهد جديد للتنقل الذكي والمستدام چي پي أوتو تطلق رسميًا علامة "ديبال" في مصر    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    برلماني يطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور على معلمي الحصة فوق 45 عامًا    أسعار البيض اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    بخصومات تصل إلى 50%.. تفاصيل انطلاق معرض «أهلا مدارس» بداية سبتمبر    مواعيد مباريات اليوم الخميس 21 أغسطس والقنوات الناقلة    نتنياهو يرفض مقترح الهدنة ويصر على احتلال غزة بالكامل    أخبار مصر: اعترافات مثيرة ل"ابنة مبارك المزعومة"، معاقبة بدرية طلبة، ضبط بلوجر شهيرة بحوزتها مخدرات ودولارات، إعدام سفاح الإسماعيلية    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس خصوصي من مدرسة الدنيا‏..‏ وجامعة الحياة
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 01 - 2011

في أواخر سبعينيات القرن العشرين عرفني صديق علي رجل في العقد الرابع من عمره‏,‏ يمتلك صالون حلاقة بمنطقة جليم بالإسكندرية ويعمل فيه بمفرده‏,‏ وقد انتظمت في التردد عليه عدة مرات‏,‏ طلبت منه بعدها أن يشتري أدوات كاملة خاصة بي للحلاقة ويحضر لي إلي منزلي مرة كل أسبوعين إذا أمكن ذلك وقد قدمت له هذا العرض الذي وافق عليه بترحاب‏,‏ بعد ملاحظتي الدائمة لأدبه الشديد ورقي تعامله ونظافته الفائقة في نفسه ومكانه‏,‏ ومر حوالي ثلاثون عاما وطبائع وسمات هذا الرجل أصيلة وثابتة كالمعادن النفيسة لا تتغير‏,‏ يأتي ويذهب في صمت وقور مع قسمات وجه مطمئنة دائما ومبهجة‏,‏ وبدأت استجيب لذلك الفضول الذي يفرض تساؤلا بداخلي ظل عشرات السنين كي اتعرف علي تلك المثالية‏,‏ كيف صنعت‏,‏ وما هي الاطر التي تربي عليها؟ وبدأت اخترق حاجز الهدوء والصمت الذي يتمتع بهما ضمن سماته وطلبت منه أن يتحدث عن نفسه كيف نشأ وتعلم؟ وبكل براءة وتلقائية بدأ الحديث الذي يحمل في كلماته أمانة وصدقا‏,‏ وبلا أي مبالغة‏.‏
نشأ الصبي في أسرة بسيطة تحترم الحياة‏,‏ وقد أرسله والده وهو في السابعة من عمره إلي صالون مصطفي ملوك للحلاقة بشارع التتويج بحي بحري‏,‏ بعد حصوله علي تزكية من شيخ الحلاقين لكي يقبل الأسطي الكبير الطفل محمد صبيا تحت التمرين في الصالون‏,‏ وقد أحضر والد محمد للأسطي دكر بط هدية في أول يوم لوصوله إلي التدريب‏,‏ ولقد كان الصالون اسما علي مسمي‏,‏ حيث يتكون من عدة مقاعد جلد فاخرة في داخل المكان علي شكل صالون‏,‏ يلتقي فيه الصفوة من طبقات المجتمع‏,‏ أبناء الحي للمناقشة والتحدث في أمور عامة وخاصة في انتظار دورهم في الحلاقة‏,‏ وكانت جميع اصدارات الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية موجودة علي مائدة وسط الصالون ليتصفحها من يريد‏,‏ ويتكون فريق الأسطوات العاملين من أربعة‏,‏ يتم تعيينهم بعد ترشيحهم من شيخ الحلاقين‏,‏ الذي يقوم باحضار مجموعة من راغبي العمل وذوي الخبرة ليجلسوا علي القهوة المجاورة‏,‏ ويرسل واحدا إلي الحاج مصطفي ملوك الذي يقوم بتجربته أولا‏,‏ وإذا فشل في الامتحان أرسل غيره من المنتظرين علي القهوة وهكذا‏,‏ حتي يتم الاستقرار علي أفضلهم‏,‏ ثم يقوم شيخ الحلاقين باعلان النتيجة عليهم ليبدأ استلامه للعمل براتب قدره ثلاثة جنيهات‏,‏ وكان يوم الجمعة من الساعة السابعة وحتي العاشرة صباحا‏,‏ هو يوم الامتحان‏,‏ حيث إن تلك الفترة من كل أسبوع كانت محددة للحلاقة المجانية للبوابين والفراشين ومختلف الطبقات البسيطة‏,‏ بدون أي مقابل‏,‏ وكذلك في تلك الفترة كانت تجري مراحل التعليم للصبية الصغار تمهيدا لانتقالهم إلي لقب مساعد أسطي ثم أسطي بعد ذلك‏,‏ وكان الصبية لا يتقاضون مرتبا كالأسطوات ولكن يعملون بالبقشيش الذي يتم تجميعه في حصالة‏,‏ لا تفتح إلا قبل الأعياد والمناسبات‏,‏ حيث يتم من حصيلتها شراء ملابس العيد وكذلك شراء طاقم جديد في بداية الصيف وآخر في بداية الشتاء‏,‏ وكان الصبي المتدرب إذا أحدث إصابة لأحد الزبائن رواد اليوم المجانيأثناء التدريب يتم خصم قرش صاغ من حصته في الحصالة‏,‏ ويدفع فورا هذا القرش إلي المصاب كتعويض واعتذار عن اصابته‏,‏ وكان تدريب الصبية علي حلاقة الذقن‏,‏ يتم باحضار بالونة ويتم نفخها جيدا ثم يقوم الأسطي بوضع صابون الحلاقة عليها‏,‏ ويأتي المتدرب ليقوم بنزع الصابون بموس الحلاقة الحاد وكأنها ذقن الزبون من علي سطح البالونة وإذا فرقعت يتم خصم قرش صاغ من حصته في البقشيش‏,‏ وإذا تكرر الخطأ ثلاث مرات يتم استبعاده من العمل وكانت الست حميدة زوجة الأسطي مصطفي ملوك هي ابنة أخ الشاعر والزجال العظيم بيرم التونسي‏,‏ تقوم بعمل الغذاء يوميا للأسطوات الأربعة‏,‏ والأربعة صبية‏,‏ والذي يتم احضاره علي صينية كبيرة ليقوموا جميعا بالغذاء داخل الصالون ومعهم الحاج مصطفي في الساعة الثانية ظهر كل يوم‏,‏ ولقد كان بيرم التونسي يحضر بسيارته الشيفورليه لزيارة ابنة أخيه وأسرتها كل أسبوعين علي الأكثر وفي جميع المناسبات والأعياد‏,‏ ومعه عدة شنط مصنوعة من الورق المقوي‏,‏ ومكتوب عليها زوزو مملوءة بالفواكه وبعد كل زيارة كانت الست حميدة ترسل إلي الصالون أطباقا من هذه الخيرات للأسطوات والصبيان‏,‏ ولقد كان الأسطي مصطفي ملوك بوسامته‏,‏ وهو يرتدي البدلة والكرافتة والبالطو الأبيض النظيف له مهابة ويمتلك شخصية قوية‏,‏ ومحبوبة من أهل الحي‏,‏ عندما يحضر محصل النور أو المياه خلال فترتي الصباح ليأخذ استحقاقات الشركة من سكان المنزل الذي يقع أسفله الصالون كان الأسطي مصطفي يدفع له قيمة كل الايصالات الخاصة بجميع السكان‏,‏ حتي لا يصعد إلي الشقق أثناء وجود الرجال في أعمالهم بعيدا عن المنزل‏,‏ وعندما يأتي موعدهم في الحلاقة يعطي لكل منهم الايصال الخاص به‏,‏ وغالبا ما كان يرفض أن يأخذ ما قام بدفعه للمحصل‏,‏ ولقد كان يحافظ علي تقليد لا يتغير‏,‏ حيث يظل الصالون يعمل في ليلة عيد الاضحي وعيد الفطر‏,‏ ويقوم بشراء طعمية بخمسين قرشا الواحدة كبيرة الحجم بمليم وحوالي مائة رغيف عيش بلدي وبعشرة قروش طرشي‏,‏ ويقوم بإطعام كل من يتردد أو يمر أمام الصالون‏,‏ وذلك بدءا من الثانية صباحا وحتي قبيل صلاة العيد‏,‏ حيث يهرع جميع الأسطوات والصبية إلي منازلهم ويرتدوا ثياب العيد الجديدة ليلحقوا بالحاج مصطفي بالمسجد لصلاة العيد‏,‏ ولقد كانت تقاليد التربية طوال العام لا تنفصل عن التدين‏,‏ فإذا نودي للصلاة يذهب اثنان فقط من الأسطوات واثنان من الصبية للصلاة في المسجد ويظل الباقون بالصالون‏,‏ ويتبادلون الأدوار عند صلاة الفروض التالية‏,‏ فالعمل أيضا صلاة باستثناء يوم الجمعة فالجميع يذهبون إلي المسجد‏,‏ ويتم إغلاق الصالون أثناء إقامة شعائر الصلاة‏,‏ ولقد كان للأسطي مصطفي تقليد أسبوعي لا ينقطع‏,‏ بعد اشرافه علي فترة التدريب التي تقام أثناء الحلاقة المجانية يوم الجمعة‏.‏
ونعود إلي الأسطي محمد الذي نجح في عمله وتفوق حتي أصبح من أمهر الأسطوات‏,‏ لدرجة أن بعض الزبائن كانوا يحرصون علي الانتظار لكي يقوم هو بالحلاقة لهم‏,‏ ولما ذاع صيته في تلك المهنة‏,‏ أتاه عرض من صاحب صالون حلاقة شهير يعرض عليه مرتبا شهريا قدره خمسة جنيهات وكان هذا المقابل مغريا حيث إن الوصول اليه في مكانه كان يستعرض عدة سنوات أخري ولكن الصراع بين هذا الإغراء والولاء والانتماء لصالون الحاج مصطفي الذي علمه ورباه علي كل المستويات لم يحسم لصالح غواية النفس التي أفرزت حلا جديدا ووسطيا‏,‏ فلقد قرر الأسطي محمد أن يتطوع في القوات المسلحة حتي لا يضطر إلي خيانة الأمانة وقبول العرض الجديد‏,‏ وذهب إلي مصيره وكأنه يهذب تلك النفس ويعاقبها علي أنها فكرت في أن تتخلي عن معلمه وأستاذه‏,‏ وظل في القوات المسلحة ثلاث سنوات هي مدة التطوع المؤقت الذي كان معمولا به آنذاك‏,‏ وعندما خرج إلي الحياة المدنية‏,‏ بحث عن محل لكل لا يضطر إلي الذهاب لمن يدفع أكثر‏,‏ حتي وجد ذلك المحل الصغير بمنطقة جليم‏,‏ وقبل أن يبدأ أن يكتب العقد ذهب إلي معلمه وهو متردد وقلق وعرض عليه الأمر واستأذنه في أنه سيفتح صالونا صغيرا‏,‏ وفاجأه الحاج مصطفي بالموافقة والتشجيع‏,‏ وقرر اهداءه كرسي حلاقة جديد الذي كان يساوي في ذلك الوقت خمسة عشر جنيها وظل هذا المعلم والأستاذ يقوم بزيارة صبيه شهريا الذي أصبح أسطي كبيرا وله صالون خاص‏,‏ لكي يسأل عن أحواله ويطمئن عليه‏,‏ وفي كل مرة كان يحمل له بعض الأدوات والمعدات التي يحتاجها إلي أن توفاه الله‏,‏ وبقيت سيرة الرجل العظيم أوسمة علي صدد تاريخه وذكراه‏,‏ ولن أنسي ذك التأثر‏,‏ وتلك المحبة التي كان يروي من خلالها الأسطي محمد عن تاريخه ودور معلمه وأستاذه بهذا الوفاء وتلك الأصالة‏,‏ ولم اتعجب بعد ما سمعته عن رقي وأدب هذا الرجل الذي تعلم جيدا في مدرسة الدنيا‏,‏ وجامعة الحياة الكثير من آداب التعامل‏..‏ وتعاليم النجاح‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.