من يمكنه أن يتخيل أن يصير الطب الذي يعد من أسمي المهن التي خلقها الانسان تجارة لا يهم فيها سوي الربح أو الشهرة دون النظر الي المريض ومصلحته هو والأسرة؟ أنا ياسيدي شاب تزوجت منذ عام وكانت حياتي كأحسن ما يكون علي المستويين العملي والشخصي وكذلك زوجتي الي أن رزقنا الله الطفل الأول وبلغ شهره الأول ومع بداية شهره الثاني بدأت المأساة, حيث بدأت تظهر علي قدمه ويده حركة غير معهودة بالنسبة له, وبالطبع انتابتنا حالة من القلق, فذهبنا الي طبيب الاطفال الذي نصحنا بدوره بالذهاب الي طبيب مخ وأعصاب, وحيث إنني صيدلي سألت زملائي عمن يكون الأفضل لمتابعة الحالة واستقرت الآراء علي الطبيب عذرا لقرن اسمه بهذه المهنة الشهير بالمقطم كواحد من اقوي اطباء المخ والاعصاب للأطفال وإذا به شخص يتحدث بعجرفة من فاق بعلمه حد الاعجاز, وكأنه يحدث من هم يجهلون بشدة ما يشرحه وخطورته, مع علمه انني ووالدته نعمل في المجال الطبي. المهم قام هذا الطبيب بالكشف الاكلينيكي علي الطفل, وبدأ يشرح شكه في وجود بؤرة صرعية بالمخ أو إصابة بنسيج المخ, هي التي تؤدي إلي تلك الحركات التشنجية علي حد وصفه, وإننا سنكون بحاجة إلي عمل رسم مخ للطفل, وإذا لم يتضح له سبب الحركة برسم المخ سيحتاج إلي سلسلة طويلة من الفحوصات. بعد القيام برسم المخ جلس يترجم رسم المخ من كتاب أمامه كمن يفك طلاسم فرعونية, ثم خرج علينا ليؤكد ان الكشف الاكلينيكي لا يثبت شيئا وأن رسم المخ أكد وجود بؤرة صرعية( رخمة في علاجها) علي حد قوله وانها تستدعي العلاج بأكثر من دواء ولفترة طويلة واعطانا كتيبا عن مرض الصرع تكفي قراءته لتهدم عزائم كالجبال, تصف مريض الصرع بأنه لا مستقبل له وليس له اي قدرة علي التنافس في ميادين الحياة. خرجنا من العيادة بتذكرة طبية بها دواء الفينوباريبتون بأقصي جرعة لطفل في مثل سنه, وبدأت رحلة العلاج, صحيح أنها ليست باهظة الثمن ماديا ولكن نفسيا ما اقساها علينا, ولولا تفهم مديري في العمل أنا وزوجتي لوقع مالا تحمد عقباه, وبعد نحو ثلاثة أسابيع جاءتني رؤيا في المنام ان الطفل ليس مريضا, بشرني فيها شيخنا الجليل رحمه الله ( محمد متولي الشعراوي) وقررت أن أذهب الي طبيب آخر وكان القدر رحيما في سرعة الحجز لديه وهو( أ.د. حسن حسني) الذي قرأ رسم المخ وكانت المفاجأة ان رسم المخ يؤكد سلامة الطفل مائة بالمائة ولم اطمئن إلا بعد أن ذهبت برسم المخ الي( أ.د. عمر الصيرفي) الذي أكد الامر نفسه, ما أجملها المفاجأة وما أعظمها الصدمة التي صدمتها في الطب, وبدأنا نقوم بسحب الدواء بالتدريج حتي توقفنا عن الدواء, وكانت رحلة معاناة وعذاب ولم تظهر أي من الحركات الغريبة بما يؤكد صحة آراء الاطباء الذين أكدوا أنها حالة تذهب مع الوقت. مرت ثلاثة أشهر عادت فيها حياتنا الي طبيعتها, وفجأة بدون مقدمات بدأ طفلي في قلب عينيه ليصبح الجزء الابيض من العين هو الظاهر, فاستدعتني أمه من عملي فهرعت بابني الي مستشفي شهير للأطفال بالمهندسين, وإذ بطبيبة حديثة التخرج تقوم بقياس محيط الرأس لتخرج علينا وتقول إنه مصاب بمرض(Microcephaly) وهي حالة لا ينمو فيها الرأس ولا المخ ويصاب الانسان عند كبره بتخلف عقلي, ولم استمع لهذا الرأي حتي جاء الاستشاري وقام بعمل سونار علي المخ وأكد كلامها وأضاف احتمال الاصابة ببؤرة صرعية مما يستدعي عمل(MRI) وهو رنين مغناطيسي علي المخ للتأكد من السبب, وهنا اسقط في أيدينا واستسلمنا لما يأمر به الطبيب من علاج وأدوية وبدأت رحلة اهمال في المستشفي من هيئة التمريض الا من رحم ربي من أول لحظة بشكل لا يمكن أن يصدقه انسان في مستشفي, وبعد مرور يومين دون ظهور أي تحسن قررت اصطحاب وليدي عنوة ودون ارادة المستشفي الي( د. عمر الصيرفي) الذي وجهنا لعمل فحوصات علي قاع عين الطفل أكدت سلامة عصب العين, وقمنا بعمل رسم مخ جديد بصيام ساعتين بعد سحب الادوية الجديدة لم يحدث في المرة الأولي وأكدت الفحوصات أن الطفل سليم مائة بالمائة من جديد. ربما تبدو القصة غير جديرة بالنشر امام آلاف الرسائل التي تصلك سيدي ولكني أريد أن أعرف سببا واحدا يجعل من الطب تجارة, ويجعل الاطباء يقومون بالافتاء في ما لا يعلمون واين وزارة الصحة من هؤلاء الذين لا يعلمون من العلم حديثه, ولا يعملون بالمباديء ولا يراعون حقوق الانسانية. أريد أن أطرح تساؤلا: لماذا تبلغ تكلفة الاقامة لطفل بمستشفي دون دخول حضانة أو عناية مركزة خمسمائة جنيه لليلة في غرفة( متر في متر) كما يقولون, وإذا كان هذا الاهمال في مستشفي خاص فماذا يحدث في المستشفيات الحكومية, لنا الله وسيحاسب المسئولون عنا أسوأ حساب, وحسبنا الله ونعم الوكيل. حمدا لله علي سلامة قرة عيني وفلذة كبدي ولكني اليوم هنا لأسباب عديدة: أولها: أنصح القراء بالا يستمعوا لرأي واحد من الاطباء خاصة في الامور شديدة الصعوبة, فيجب مراجعة اكثر من طبيب. ثانيها: أطلب المساعدة للحصول علي حقي بشكوي هذا الطبيب لدي الجهات المعنية. ثالثها: أدق جرس إنذار في أذن كل من ظن أنه ليس فوقه سميع عليم, وأعلم من نام ضميره اننا اليوم لدينا القدرة كعموم الناس علي أخذ حقوقنا مهما كانت واينما كانت, ومن كان مع الله فما له من غالب. رابعها: اتوجه بالعرفان والتقدير لأصحاب الضمائر الحية من الاطباء أمثال الاستاذين( عمر الصيرفي وحسن حسني) علي تفانيهما في تأدية واجبهما الطبي بكل إخلاص وكل التزام بالمباديء والاخلاق, وليت صغار الاطباء يتعلمون منهما. سيدي لدي كل المستندات والتقارير التي تثبت صحة كلامي وحاشا لله أن أكون قد افتريت كذبا علي أحد وجاهز لعرضها علي الجهات المسئولة, وقد اقسمت الا يضيع حقي وحق ولدي في هذه المهزلة. سيدي.. كل معاناة يعيشها الانسان مهما كان قدرها تستحق الاهتمام والنشر, وانت هنا لا تقدم تجربة شخصية لطفل صغير وما لقيه والداه في رحلة البحث عن الامل أو الهروب من المستقبل المفزع, ولكنك وضعت يدك علي أزمة الطب في مصر.. علي تدهور مستوي الاطباء العلمي, خاصة حديثي التخرج, أما الكبار او جيل الوسط فلم يعد لديه وقت للدراسة والبحث فهو يعمل في أكثر من مكان لأنه لا يوجد أكثر من المرضي الآن في مصر. أزمات العلاج في مصر متعددة, فهي ليست فقط في مستوي النظافة, وجهل وأداء التمريض المتدني, ولا في عدم وجود فرصة أصلا للعلاج, ولكنه أيضا في عدم وجود بروتوكول علاج, يتفق ويلتزم به الاطباء, الاشعة لها قراءة واحدة, وكذلك التحاليل, وبالتالي فالدواء واحد مهما تعددت مسمياته, أقصد الكتاب الذي تقره وزارة الصحة والجهات المعتمدة فيرجع اليه الطبيب. بلا فذلكة أو تعال أو ادعاء كاذب بالعلم. سيدي.. ما تقوله وما أؤكده لا ينفي وجود أطباء عظام, قمة في العلم والتواضع والعطاء وكذلك معاونوهم من هيئات التمريض, وقد التقيت أنت بعضهم, ولكن المشكلة الحقيقية أن النقاط السوداء ازدادت في الثوب الابيض, ولا أعتقد أن وزارة الصحة أو نقابة الاطباء ستفعل شيئا لشكواك, فكم من الصرخات والآلام تضيع في أدراج المجاملات والبيروقراطية, ومع ذلك هاهي صرختك واستغاثتك, حتي نشجع غيرك علي الرفض والاعتراض والشكوي, لعلنا بذلك نؤدي واجبنا, ومن يدري ربما ننجح يوما في إذابة ثلوج الفساد والرابضة في أغلب شرايين الوطن.. والي لقاء قريب بإذن الله.