سنوات عشر, ضاعت منك, وضاع العمر, وأنت تطارد حلما طار, وحين أفقت صحوت علي غدر وخديعة. كنت تظن طوال الوقت بأنك مقتطع من قوت اليوم والغربة, ما يكفي لسداد فواتير الغد. و ذلك أن القادم من فعل الأيام خبيء لا تدريه ولا ندريه. لكنك حين تركت الدنيا خلفك, حين نأيت بعيدا عنا, كان رهانك أن الدنيا قد وهبتك النصف الآخر, تلمح فيه سمات الزوجة: سكنا وملاذا وشريك حياة. لم تدرك ساعتها أنك تسقط في شرك محكم. تلتف حواليك حبال خداع لست تراها, ودراهمك المقتطعة من لحمك, تنهمر بعيدا عنك, وشريكة عمرك تلك العقرب تملأ كل حياتك سما. أما المال فينأي عنك, ويصبح في قبضة أهليها, كي يستثمر في أرباح هائلة موهومة. فهنا شركات نجحت في توظيف المال, وسيل من أنهار الأرباح. وحين تعود بإذن الله ستلقي باسمك بيتا ومتاعا وحسابات وحياة ملأي بالبهجة. لكنك عدت, وقد ضيعت بريق شبابك, حيث تسرب في رمل الصحراء, بعيدا عن أرضك وسمائك, تشكو من علل لا ترحمك وضغط يفتك بك, ووجه فوق سريرك, حين تكشف, كان زنابي العقرب, يلدغك بلا رحمة!. سنوات عشر ضاعت منك, وها قد عدت, لتدرك ما فعلت عقربك الملعونة, في بيت باسم شريكة عمرك, أما كنز المال فضاع وطار, وأضحي توظيف الأموال سرابا, انهارت شركات, وانقشعت أحلام,وانزاحت أوهام, وتجلي وجه خديعتها. فاستشري الضغط الكامن فيك, تهدمت الأعصاب, تهدلت الأعواد, وشاخ العمر, وذات صباح كنت طريدا من بيتك, محروما من أولادك, صرت تراهم حين تراهم من أسوار مدارسهم. كيف تواجه حاضرك المفلس من كل متاع أو عون, يجعلك تسير علي قدميك, يسلمك اليوم إلي غدك العريان, ومستقبلك الخاوي من أمل أو حلم أو إحسان. الجيب الخاوي يشعل فيك مرارة أيام سوداء, ووجوه صغارك تنأي عنك, وأنت تحاول أن تمسكها, تصبح قبض هواء. ودبيب اليأس إلي قلبك, إحباط عات, يخترق المخ ويفتك بالأعصاب, فتكون الصدمة, حين تجيء الجلطة, غاب النطق وغاب الوعي, ودب الشلل إلي الأعضاء. ها أنت مسجي لا تدري ما يحدث حولك, تنظر في دهش واستغراب, تتأمل فينا أطيافا ذاهلة, أشباحا هادئة, وبقايا مصدومين, ولوعة من كانوا يرجونك لغد تنهض عنهم فيه وتحمل بعض الأعباء. ها أنت يزلزلك الفقدان, تثور ولا تدري أنك محكوم بالعجز, وأنا نفقد في كل صباح جزءا من أمل يائس. نتوهم أنك سوف تعود إلينا, بأقل خسائر ممكنة, تمشي, تنطق, تدرك, تعرف من يقفون ببابك, أو يغضون علي استحياء. تنهمر الأسئلة, تقل قليلا, تخفت, تنعدم الأسئلة, فكل إجابات أطبائك يائسة, موئسة, والصمت عزاء. لكنك, برغم اليأس وبرغم الظلمة, تصنع معجزة من نوع خارق هذا المشلول المقعد غادر مستشفاه علي دراجته, هربا وفرارا من صدمات علاج لا يجدي, وتملكنا الرعب: فكيف يكون مصيرك في الطرقات؟. وقضينا والمستشفي يوما أيوم لا ندري أين تكون؟ ونبدأ من أين؟ ثم عرفنا أنك في القرية, تبحث عن دفء الأسرة وأمان البعد عن المستشفي, ساعتها كان سؤال نتناقله: كيف؟ كيف تمكن من هرب مأمون محكم؟ كيف مضي, مشدود العزم لغايته, من غير ضياع أو فقدان؟. كانت جدران الغرفة, في المستشفي, تخنقه, والرقدة إذ طالت تيئسه, وعيون الزوار يري فيها حجم المأساة فيبكي, ويسيل الدمع غزيرا يختلط الدمعان, فلا ندري من يبكي من, من منا المسجون ومن منا السجان, ومن منا المشلول المقعد, والفاقد للنطق وللحركة؟. وتموت ابنته حبة عينيه ونورهما حين تخلت عنه العقرب, حاجبة عنه الأولاد. ويمر الوقت, يداه تشيران, ويسأل في صمت دامع, عن فلذة كبده. لكن ابنته ترفض وتثور, تزور أباها لا تعبأ بصنيع الأم العقرب. فتعاقبها, تدفعها دفعا للموت وتتركها من غير دواء يومي كانت تأخذه لمواجهة سعار السكر في دمها, تلقفها الغيبوبة في لحظات!. ويجيء الموعد, يغمض عينيه, حين يغيب ويرحل, لا يدري أن ابنته قد سبقته, ورحلت عن جحر العقرب. ها هو ينزع عنه كل الأعباء وكل الأهوال, وذكري عشر سنين دفنت في الصحراء, وعاد شريدا بعد الرحلة لا زاد لديه ولا ماء, إلا صدمات خداع وخيانة, في عمر قد ضاع هباء!. لكن العقرب ما زالت يسكنها السم, ولن ينقذها منه اي دواء.