"وجوه في الذاكرة" كتاب جديد صدر للشاعر فاروق شوشة عن الدار المصرية اللبنانية في مائتين وسبعين صفحة ، يعبر فيها عن حالات إنسانية عامة ، جاءت كلها بلا أسماء محددة ، حيث اكسبها التجهيل عمقا إنسانيا ، فهي كتابة يخضع لعمل الذاكرة في استدعاء الماضي، ولكنها ذاكرة منضبطة وانتقائية ، وليست منفلتة، كأن الشاعر يخط لنفسه سيرة ذاتية عبر أحداث وشخصيات مرت في وعيه مثل : الأسرة والعائلة ، والكتاب ، وبنت الجيران . في وجوه تلك الشخصيات يتأمل فاروق شوشة رعب المصير البشري ومأساته الوجودية كما في الزوجة العابثة التي تطمح " إلي موعد يتاح يكسر الملال ، أو نزوة تغير المذاق بعد طول عشرة منضبطة قد سئمت من طعمها الحلال " أو كما في "سم العقرب " تلك الحالة التي تتأمل مصير رجل قضي عشر سنوات من عمره في صحراء الخليج يجمع الأموال ويرسلها الي زوجة شديدة الطمع ، تضع الأموال في شركة توظيف فتضيع ، ويأتي الزوج الحالم بالغد المشرق فيقع في شرك الإفلاس ، ويصاب بالجلطة ، ويحرم من أطفاله يقول الشاعر: " سنوات عشر ضاعت منك، وضاع العمر وأنت تطارد حلما طار، وحين أفقت صحوت علي غدر وخديعة... ودراهمك المقتطعة تنهمر بعيدا عنك ، وشريكة عمرك تلك العقرب تملأ كل حياتك سما ، أما المال فينأي عنك ويصبح في قبضة أهليها ، يستثمر في أرباح هائلة موهومة " .. وبين الأمل البراق والنهاية المأساوية ، تمضي قصة ذلك الإنسان الذي وقع فريسة بين الغربة المكانية والغربة الروحية ، ليضعنا فاروق شوشة أمام هول تبدل المصائر البشرية . إن وجوه الشاعر فاروق شوشة نماذج بشرية حية ، نراها في حياتنا ، لا نقف أمامها لكن شاعرنا بحسه الإنساني الرفيع وبشاعريته المفرطة التقطها من زحام الحياة ليصنع منها حالة شعرية وإنسانية عامة تختلط صياغتها بين النثر والشعر ولكنه النثر المكثف باللغة الدالة والشعر البسيط مستفيدا من كل إمكانيات لغتنا الجميلة .