شدد الرئيس محمد حسني مبارك, في خطابه الذي ألقاه في افتتاح المؤتمر السابع للحزب الوطني الديمقراطي وكعادته دائما, علي خطورة خلط الدين بالسياسة, منوها بالتزام الحزب بوعده نحو استكمال أركان المجتمع المصري الحديث, وترسيخ دعائم الدولة المدنية, وتعزيز قيم المواطنة. وللحقيقة فإن أشد مايقلق الرئيس, ومعه كل دعاة الدولة المدنية في مصر, هو سعي قوي سياسية غير شرعية, إلي خلط الدين بالسياسة, والادعاء زورا وبهتانا أنها تدافع عن مقومات الدولة المدنية. وأعني بتلك القوي هنا, تنظيم الإخوان غير الشرعي, الذي راح قادته يرددون في كل مناسبة أنهم مع الدولة المدنية قلبا وقالبا, دون أن يفصحوا لنا عن مفهومهم لتلك المدنية التي يقصدونها.. لذا رأيت من الواجب فتح باب النقاش حول مفهوم الدولة المدنية عند ذلك التنظيم حتي يتعرف عليه الجميع, خاصة أولئك الذين راحوا يعقدون معهم الصفقات تلو الصفقات, دون أن يعوا خطورة تلك الخطوات علي مستقبل مصر والمصريين. الإخوان لا يملون حقيقة من تكرار مصطلح الدولة المدنية, في تعبيرهم عن شكل الدولة التي يريدونها. تلك الدولة, التي يجب أن يعكس دستورها, وفق البرنامج السياسي للجماعة, أبعادا ثلاثة( ليس من بينها المصرية) وهي علي الترتيب الإسلامية والحضارية والعربية. والأمن القومي, وفقا تلك الأبعاد الثلاثة, يعني دون لبس تدعيم أمن دول إسلامية بعينها وتنظيمات تسعي لانشاء إمارات إسلامية علي حدودنا لا تخدم الأمن القومي العربي أو الإسلامي, ناهيك عن الأمن القومي المصري, وفق مبدأ أولويات دوائر الانتماء الحضاري ذاتها, بغض النظر عن المصالح العليا لمصر. ووحدة الأمة, في دولة الإخوان المدنية, تعني الابتعاد في حرية كاملة عن الفرقة في الشئون الجوهرية بين الدول الإسلامية والعربية, والسماح في حرية تامة بالخلاف في الفروع. وبالطبع, فإن الإخوان وحدهم, في تلك الدولة, هم الذين يحق لهم تحديد تلك الأمور الجوهرية, التي لن تخرج عما أطلق عليه فقهاء العصور الوسطي عن مفهوم( المعلوم من الدين بالضرورة), وهي أمور يكفر منكرها بإجماع الآراء. وقد وصل الأمر بفقيههم سيد سابق في كتابه فقه السنة الي اعتبار الجماعة المسلمة أي تكوين كيان غير شرعي واحدا من تلك الأمور التي يكفر منكرها بالإجماع. المرأة أس الشرور: والمرأة في تلك الدولة يجب أن تمكن من جميع حقوقها شريطة ألا تتعارض ممارسة تلك الحقوق مع القيم الأساسية للمجتمع, المنبثقة, بطبيعة الحال, من المبدأ السياسي الحاكم في تلك الدولة, وهو الشريعة الإسلامية بالمفهوم الإخواني. وحيث ان الإخوان لديهم وجهة نظر واضحة في قضية المرأة تتمحور بالأساس حول أنها تمثل أس الشرور والبلاء في المجتمع, وملازمتها بيتها ورعايتها أسرتها واجب مقدس, لا يضاهيه واجب, وأن المشاركة السياسية لا تكون إلا بالقدر الذي يخدم وجود الجماعة في الحياة السياسية كالخروج المحتشم والمحتشد لإنجاح مرشحيهم في الانتخابات المختلفة, نقابية كانت أم تشريعية. أما فيما عدا ذلك, فإن صوتها عورة وجسدها عورة وعملها يجب أن يقتصر علي الضرورات. بما يعني ان المرأة ستلقي معاملة الخادم المطيع, وستصبح محلا لتصريف الشهوة فقط, في دولة الإخوان المدنية, وعلي المتضرر أن يلجأ الي استنباط أحكام أخري, غير الأحكام السلطانية, أقصد الإخوانية, من الشريعة, وهي الأحكام التي توضع تحت بند المعلوم من الدين بالضرورة ذلك الذي يكفر منكره بالاجماع. أما غير المسلمين في دولة الإخوان المدنية, فحدث ولا حرج, فوفق المفهوم الإخواني لمبادئ الشريعة الإسلامية, فإن الأقباط لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين, إلا ما ندر. فالتفصيل في هذا الموضوع غير مجد عند الإخوان, فهم يحاولون دغدغة المشاعر الوطنية دون الدخول في تفاصيل محرجة. فلا يجوز, مثلا, أن نرهق المسيحيين في دولة الإخوان المدنية, بفريضة الجهاد, الذي يطلق عليه في الدول الحديثة, الدفاع عن الأوطان. وهو شرف لا يضاهيه شرف, وهو فوق هذا وذاك, محدد أساسي, بدونه لا يمكن الحديث عن المواطنة. الكارثة الكبري تتمثل عند الحديث حول الثقافة والفن, فالإخوان هنا يفصحون بجلاء عن وجههم الحقيقي, فالتزام الرقابة علي الإبداع الأدبي طبقا لقيم المجتمع وأخلاقياته وتقاليده, واجب لا مناص منه. وكلنا يحضرنا موقف نوابهم السابقين من رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر ورائعة نجيب محفوظ أولاد حارتنا وعدد لا بأس به من الأعمال الإبداعية المهمة, آخرها الموقف من إعادة نشر ألف ليلة وليلة. أما الكارثة الأكبر فتتعلق بالموقف من الموسيقي والغناء, فالجماعة تري, في برنامجها, ضرورة توجيه الأغنية المصرية الي أفق أكثر أخلاقية واتساقا مع قيم المجتمع وهويته, وتعتبرها مهمة وطنية لاتضاهيها مهمة أخري, وواحدة من فضائل دولتهم المدنية, لا تضاهيها فضيلة. الأحكام السلطانية: لن نتحدث كثيرا عن الرؤي الاقتصادية لدولة الإخوان المدنية, فلسنا متخصصين في هذا المجال, لكننا فقط نشير إلي الكم الهائل من المصطلحات الفقهية القديمة, المستمدة من الأحكام السلطانية للمواردي( توفي450 للهجرة) في برنامجهم, حيث: الحسبة, وأنظمة القطائع والحمي, والتحجير, والإحياء والوقف. إن جوهر ما يسعي إليه الإخوان واضح جلي, ولا يحتمل اللبس, تأسيس دولة دينية, لهذا فإن الدستور المصري في برنامج الاخوان ينحصر في المادة الثانية, وفق تفسيرهم, والمواطنة تعني التزام الجميع, مسلمين ومسيحيين, بأحكام الشريعة. تلك رؤيتهم ومفاهيمهم, وهو ما يضع علي عاتق القوي السياسية التي راحت تلقي بنفسها في أحضانهم مهمة عاجلة, تتمثل في مراجعة مواقفها, قبل أن تحدث الكارثة, فقطار تدعيم وترسيخ دعائم الدولة المدنية, وتعزيز قيم المواطنة, لن ينتظر طويلا, علي رصيف الوطن.