المقولة الذكية تقول: يجب أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون أما المقولة الأقل ذكاء فتقول: يجب أن نبدأ من جديد بعد كل فترة!. تذكرت ذلك عند قراءة دراسة حديثة ترفض إن يتعلم الطفل المصري لغات أجنبية حتي لاتنهار لديه لغته الأم!! وقال خبراء التعليم في هذه الدراسة أن تعلم الطفل للغة أجنبية يدمر عقله!! فهذه الدراسة ظهرت وهو الأمر الغريب بعد أن تعلم أكثر من أربعة أجيال من المصريين, لغات أجنبية كالفرنسية والانجليزية وهم في عمر مبكر, والنتيجة المذهلة والمؤكدة أن عقولهم لم تتشوه ولم تدمر!! فمن أين جاءت هذه الدراسة بتلك المفاهيم الغريبة؟! ولماذا الآن يقف من يقف ضد تعلم اللغات الأجنبية وهي العمود الفقري لأية ثقافة متحضرة وأي علم معاصر؟!. ولماذا الآن بعد أن أصبح تعلم اللغات الأجنبية يمثل حاجة ماسة وضرورية في حياتنا بعد أن بات ضرورة عصرية لاغني عنها؟! خاصة في عصر التقنية ومانتج عنه من تطور كبير في عالم الاتصالات وماتمنحه من سهولة في الحوار وفي تبادل المعلومات بين كل دول العالم؟! وذهب خبراء التربية بعيدا عندما سموا تعلم اللغات الأجنبية نزعة تغريب التعليم وقالوا أيضا إن الجهل باللغة الأم هو مدخل تهميش للهوية وتسطيح الكيان والشخصية!! ومن علي صفحات متخصصة علي الانترنت جئت ببعض المعلومات التي تؤكد أهمية تعلم اللغات الأجنبية في سن مبكرة, ولأكثر من لغة, ويستند أنصار هذا التوجه علي أن الازدواج اللغوي المتوازن يشجع علي النمو المعرفي عند الصغار, ابتداء من سن الثالثة, ويمكن القول إنه ليس هناك سن مقدرة لتعلم الطفل لغة أو أكثر, وأن الطفل الصغير بالنظر إلي مايتوافر لديه من طاقات هائلة للتعلم يكون قادرا علي تعلم القراءة والكتابة قبل سن ست سنوات, وأن ما كان يبدو في السابق حكرا علي عدد قليل من الأطفال المحظوظين أو صغار النوابغ, قد غدا اليوم في متناول جميع الأطفال, فالأمر يتوقف فقط علي كيفية تعلم الطفل هذه اللغة أو تلك, ويجب مع ذلك التنبيه بشدة إلي أن تعلم لغة أجنبية في مدرسته, لاينبغي أن يؤدي بالطفل إلي التخلي عن لغته الأم, كما أن الحث علي تعلم لغتين يجب أن يفهم لدي الأهل علي أساس التنوع والاثراء وشحذ الذهن, وليس علي أساس استبدال لغة بأخري, أو التباهي بلغة علي حساب الأخري. ولعل تعلم اللغات الأجنبية, يفيد صاحبها في الدرس والتحصيل والتعلم ومتابعة آخر التطورات العالمية بلغة بلدها والتبادل الثقافي والحواري وتنمية المدارك وتنوع المشارب, والتعرف علي أكبر عدد من الناس من كل دول العالم. ولعل مصر تتميز بإجادة بعض أولادها للغات الأجنبية التي درسوها, ولعل أيضا صفحات الانترنت تشهد علي تكالب المصريين علي الاطلاع والدراسة, بالاضافة إلي قدرة المصريين علي التواصل مع أبناء العالم بسهولة ويسر والسؤال هو: لماذا الاصرار علي تحطيم كل فكرة ناجحة وكل تجربة ثرية تؤتي ثمارا طيبة وتحقق تمييزا وارتقاء؟ والسؤال أيضا هو: كيف لمس خبراء التعليم الذين يناهضون تعلم الطفل المصري للغات الأجنبية, تشوه عقله نتيجة دراسته لها؟ فبدلا من الهجوم علي تعلم أولادنا الصغار للغات الأجنبية بحجة أنها تدمر عقولهم الصغيرة, كان الأوجب الاهتمام بكيفية تعليم اللغة العربية في مدارسنا, وكيفية تقبل الأطفال الصغار لها, حتي يحبوها ويهتموا اهتماما خاصا بدراستها, فيرتقي مستوي اللغة الأم, ويصبح الطفل المصري شغوفا بدراسة اللغة العربية إذا قدمت له بنفس الاهتمام الذي تقدم له بها اللغة الأجنبية, ويكسب بذلك لغتين أو أكثر بدلا من أن نجفف عقله ونغلقه علي لغة واحدة هي اللغة الأم, فمصر لاتزال, رغم كل شئ, بخير بأبنائها, فاتركونا نتقدم ونساير العالم في تطوره, واتركوا أطفالنا يتميزون بالنبوغ اللغوي الذي يتمتعون به, منذ أجيال! واتركونا أيضا في مجال التعليم والتعلم وكسب المهارات أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون.