يوم الاربعاء قبل الأسبق حدثتكم عما شاهدته في مسارح باريس من نشاط حافل جعلني اتحسر علي ما آلت إليه اوضاع المسرح المصري الذي يحدثنا عنه اليوم اثنان من اهم رجاله هما احمد زكي وهناء عبد الفتاح, فمرحبا بهما ونبدأ بالكلمة التي كتبها المخرج احمد زكي بعنوان أنين المسرح تلفه الظلمات! القنبلة التي فجرها الاديب والشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي علي صفحات الأهرام قبل اسبوعين في مقاله: مسرحهم ومسرحنا تدعو الي وقفة حاسمة, حرصا علي هذا الصرح الذي اهتز في السنوات الاخيرة اذا قورن بسيادته وعظمته منذ ربع قرن, ويقيني ان رياض الخولي رئيس البيت الفني للمسرح يمتلك قدرة فائقة وعزيمة صلبة تنفرج امامها ساحة النجاح, وهذا ما أتوقعه لكل ما طرحه الخولي في التخطيط والإعداد لموسم الافتتاح الجديد. والمتابع لحركة المسرح المصري يعرف ان هذا المسرح تفوق علي نفسه منذ ظهوره. وقد تغلبت عليه المسحة الفكاهية التي أنجبت المسرحية المحلية مكتوبة باللهجة العامية المصرية, وقبل ان ينقضي القرن التاسع عشر ظهر علي الساحة محمد عثمان جلال الذي عكف علي تقديم المسرحية المقتبسة التي تجيء محتفظة بروح المسرحية الاصلية وبكامل مضمونها مع وفائها بمتطلبات النقل من بيئة الي اخري, اضافة الي حواره الموقع بالزجل.اما مصدره الرئيسي فمسرحيات موليير الفرنسي التي طوعها عثمان جلال وغيره من مؤلفي عصره وبعض المسرحيات التاريخية والمترجمة ثم المسرحية المرتجلة التي كانت نوعا من المسرح الهزلي قصد به الاشتباك مع الجمهور وهي تقنية لجأ اليها, فيما بعد برتولد بريشت مع بداية مسرحه الملحمي. أما بعد, فليس بدعا او ضلالا ان نغوص في اعماق البحث المسرحي نتحسس امورا هي في حقيقتها مفاتيح مسرحنا المصري بل وكل مسرح او كما قالها هيو هانت استاذ الدراما البريطاني في كتابه( المسرح الحي): إذا اردت ان يكون لك مسرح قومي فعليك بالبحث في الجذور. فإذا انتقلنا للحديث عن مسرحنا الحديث والمعاصر, فلابد ان نتحدث عن مسرحنا القومي الذي يضم في رحابه مجموعة من الفرق لكل منها مسلك خاص به يضم بالضرورة امهر الممثلين والعاملين بالحرفة, وهو في النهاية مسرح دولة تأسس عام1935 واختارت الدولة لادارته اديبا مثقفا هو الشاعر خليل مطران. لكن هذا المسرح اغلق وأعيد فتحه بعد بضع سنوات في بداية الاربعينيات من القرن الماضي, وفي هذه الفترة تواجد علي الساحة الفنية زكي طليمات الذي عاد من بعثته الي فرنسا في بداية الثلاثينيات, كما كان يوسف وهبي يعمل بفرقته التي اسسها مع عزيز عيد وروزاليوسف عام1923, وجاء افتتاح معهد الفنون المسرحية في ثوب جديد, لاعداد الممثل والكاتب والناقد والمخرج, وبهذه السياسة التي اتبعتها الدولة يتخلص المسرح من سيطرة التجار واصحاب الاموال الذين كانوا يتحكمون في الفرق المسرحية دون ان تؤهلهم لذلك اسباب فنية او علمية. وكان لتخطيط المسرح المصري في شكله الجديد تأثيره الايجابي في بعض الاقطار العربية التي ارسلت عددا من الطلاب لدراسة فنون المسرح في معهد التمثيل بالقاهرة وكان هذا هو الاساس الذي قام عليه معهد التمثيل في بغداد عام1939 وفي تونس عام.1950 واذا انتقلنا الي فنون العرض من كتابة الي تمثيل الي اخراج فسنجد ان الاشكال المسرحية التي قدمها المبدعون تعددت جوانبها لان تاريخ البشرية متواصل واحلامها متجددة. والمسرح الكلاسيكي علي سبيل المثال يقدم خبرات وابداعات تختلف عما يقدمه المسرح الرومانسي او المسرح التجريبي او الواقعي, لكن الاشكال كلها تتكامل وليس هناك شكل يغني عن شكل آخر, وهذا هو التنوع والغني الذي نحتاج اليه في تثقيف الجمهور المتلقي وفي تفجير طاقات الفنانين, ومن هذه الزاوية ننظر الي مسرحنا في وضعه الحالي, فهل يمكن أن نتصور الفارق المخيف بين ما يقدم الآن وما كان يتلقاه المشاهد المصري منذ ربع قرن! صحيح أن هناك استثناءات جيدة, ولكن ما أقلها. ولا شك أن الدخول في المقارنة التي فجرها الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي تنقلنا الي عالم الأحلام ونحن نشاهد اختفاء الاضواء وانطفاء الكواكب التي كانت تضئ حياتنا. واذا كانت القضية ليست مجرد مناقشة وانما هي بحث عن طوق النجاة, فاني اري ان الحل هو ان نبدأ علي الفور في اطلاق كل الكواكب المختفية ونعيد اليها الحياة فهذا بحكم التاريخ والحداثة والواقع هو اقل ما تحتاجه مصر. واعادة التاريخ علي ساحة المسرح اليوم لايمكن بأي حال ان يتم النظر اليه كنوع من التكرار, فان كل ابداع مرتكز علي عمل عمره سبعة آلاف سنة يكتسب الكثير من الزمن المعاصر. وهذه كلمة المخرج هناء عبد الفتاح! قرأت مقالكم المهم مسرحهم ومسرحنا وأشاركك الشعور بالحسرة علي ما آل اليه مسرحنا بمقارنته بالنشاط المسرحي في فرنسا او اية دولة اوروبية اخري, وربما يدفعني هذا الي الاشارة باقتضاب الي الامراض المزمنة التي اصيب بها مسرحنا المصري( وهي كثيرة), لعل من اهمها: فقدان هوية كل مسرح, فلا المسرح القومي( والمفترض ان يكون مثل الكوميدي فرانسيز او المسرح القومي في اية دولة اوروبية) يقدم ربيرتوار المسرح المصري من مسرحيات توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي وألفريد فرج ويوسف ادريس وميخائيل رومان ونعمان عاشور وسعد الدين وهبة ومحمود دياب وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور وغيرهم ممن لا تعرف بضعة اجيال من شباب المصريين شيئا عنهم, ولايوجد ثمة اهتمام بذكرهم او دراسة ادبهم وفكرهم المسرحي. وماينطبق علي المسرح القومي ينطبق علي المسارح الاخري( الحديث, والطليعة والكوميدي, والعالمي, والطفل) ذلك لانه لايوجد برنامج فني/ فكري يحمل في طبيعته فلسفة كل مسرح علي حدة ويحقق هويته, فما نشهده في المسرح القومي يمكن ان نشهده في المسرح الحديث, وما يقدمه الحديث يمكن ان يقدمه مسرح الطليعة, وما يقدمه الكوميدي يمكن ان نجده في أردأ ما تقدمه المسارح التجارية بمصر, والنتيجة الحتمية ان الحركة المسرحية المصرية تسقط وتنهار في كل من هذه المسارح, فهي لاتقدم ما هو منوط بها تقديمه وفقا لرسالتها وبرنامجها الفني وعنوان مسرحها وخطط مواسمها المسرحية, ويعتمد معظمها سياسة النجوم التي تستقطبهم بهدف جذب المتفرجين وقد اثبتت هذه السياسة فشلها. ومن الجانب الآخر لاتستفيد هذه المسارح في تقديم معظم عروضها بالفنانين/ الموظفين المعينين بها فمعظمهم لايقومون بالتمثيل بمسارحهم, حيث تعتمد معظمها علي الوافدين من خارجها من النجوم/ الضيوف الذين يستحوذون علي ثلاثة ارباع ميزانية العرض المسرحي الواحد, وهكذا تخسر الدولة اموالا طائلة سنويا في دفع اجور موظفين عاطلين لايعملون.. لذلك كله وغيرها من الاسباب يصعب كثيرا مقارنة مسرحهم بمسرحنا, فمسرحنا في حاجة قبل كل شئ الي ثورة يقودها مصلحون مسرحيون يقومون بإنهاضه من عثرته التي طال أمدها.