فعلها الإعلام البريطاني مرة أخري. فلولا صحيفة ديلي تليجراف ما انكشفت فضيحة نفقات النواب العام الماضي والتي لعبت دورا رئيسيا في الإطاحة بثلث أعضاء مجلس العموم في الانتخابات الأخيرة. وبفضل الصحيفة نفسها انفتحت نافذة واسعة علي الأسرار والخلافات المدفونة داخل غرف الحكومة الائتلافية التي ظلت مغلقة بإحكام منذ تشكيلها في شهر مايو الماضي. وسواء جر إلي فخ فانزلق لسانه أو فعلها متعمدا فقد أجاب الدكتور فينس كيبل وزير الأعمال عن أسئلة تبحث عن إجابة مثل: كيف نجح طرفا الائتلاف الحاكم المحافظون والديمقراطيون الأحرار في التعايش خلال الثمانية أشهر الماضية وهل من المعقول أن ينجح الطرفان في دفن خلافاتهما الجذرية في أدراج مكاتب10 دواننج ستريت من أجل البقاء في السلطة وإلي متي يستمر التعايش بين هذين الضدين. لم يكن ما كشف عنه كيبل ثاني أكبر قادة الديمقراطيين الأحرار في الحكومة( بعد نيك كليج زعيم الحزب ونائب رئيس الوزراء) مجرد خلافات سياسية اتفق طرفا الائتلاف علي تنحيتها جانبا من أجل'المصلحة القومية للبلاد'.فحديثه عن'حرب يخوضها' هو وزملاؤه من الديمقراطيين الأحرار في الحكومة لوقف' سرعة التغيير المندفعة' في الإصلاحات التي يصر عليها المحافظون يكشف عن أن شهور الزواج السياسي بين الحزبين خلال الشهور الثمانية الماضية كانت مضطربة. كما يثير الشكوك في احتمال استمرار عقد الزواج حتي النهاية... أي حتي إجراء الانتخابات المقبلة في مايو2015. اعتذار كيبل عن غلطته وصراحة أقواله التي سجلت له في لقاء مع صحفيين من صنداي تلجراف ادعيا أنهما من أبناء دائرته الانتخابية وسحب بعض الصلاحيات منه لم يقلل من أهمية تأثير أقواله. فاعتذاره لم يكن عن موقفه مما يدور داخل الغرف التي ترسم فيها سياسات الحكومة. فرغم أن الوزير قال إنه يجب أن يلزم الحذر في المسقبل فإنه أقر في مقابلة مع صحيفة محلية تصدر في دائرته الانتخابية بأن' المشكلة هو أنك يجب أن تكون أمينا في إعطاء الناس إجابة أمينة عندما يسألونك سؤالا'. لا يملك كيبل سوي الأمانة في الرد. فلو لم يكن أمينا لن يصدقه الناس. لأن أحوالهم زدات صعوبة بعد إعلان تفاصيل سياسات الحكومة الاقتصادية. ومن مصلحة الديمقراطيين أن ينأوا بأنفسهم علي الأقل أمام الناس عن هذه السياسات أو اعطاء انطباع بأن القرارالنهائي ليس لهم في تقرير هذه السياسات. وتبين لاحقا أن كيبل ليس وحيدا في معسكر الديمقراطيين الاحرار المجبرين لأسباب تتعلق برغبة قيادة الحزب في البقاء في السلطة علي التعايش مع المحافظين.فنشرت صحيفة ديلي تليجراف ونقلت عنها بقية وسائل الإعلام الأخري تصريحات لأربعة وزراء ديمقراطيين مختلفي الدرجات بالحكومة تصف للناس حجم الخلافات داخل الائتلاف الحاكم. حتي أن أحدهم نصح صراحة الناس ألا يثقوا في ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظي ورئيس الحكومة. بدت الأعصاب في حزب المحافظين أكثر برودة من شتاء بريطانيا الحالي. فالمحافظون كانوا واضحين من البداية. فهم أصحاب القرار الرئيسي في تحديد السياسات. وبدا ذلك واضحا في أنهم يشغلون24 مقعدا وزاريا رفيعا في الحكومة بحكم أنهم يشغلون حوالي ستة أضعاف ما يشغله الديمقراطيون من مقاعد في مجلس العموم. ويشغل الديمقراطيون خمسة مناصب رفيعة في الحكومة فقط. ورغم هذه الحقائق لا يزال وسيظل كاميرون يؤكد أن الديمقراطيين' شركاء حقيقيون في الحكومة' وليسوا' مجرد ديكور' و'تابع لا يجلس حتي في المقعد الخلفي في سيارة القيادة ولكن في حقيبتها الخلفية' كما يقول حزب العمال المعارض الرئيسي. وربما حاول كاميرون تقديم الدليل علي' متانة الائتلاف' فاستبق الاحداث وقفز قفزة كبري إلي المستقبل. فمع أن عمر الائتلاف مع الديمقراطيين بلغ بالكاد الثمانية أشهر فان المحافظين بدأوا من الآن الحديث عن' تحالف ثنائي' لخوض الانتخابات العامة سنة2015. وكأنه رد قوي علي التكهنات التي بدأت تتزايد حول قرب الطلاق بين شريكي الحكم. وهذا قد يفسر موقف كاميرون الطامح للبقاء في الحكم لأطول مايستطيع. فقد رفض إقالة كيبل رغم فداحة ما قاله مما أثار استياء المحافظين الذين قال بعضهم علنا إنه لو كان كيبل محافظا لكان موقف كاميرون أكثر حسما.... الإقالة فورا. وهذا يكشف مأزق المحافظين. إذ لا يمكنهم كسب تأييد الناخبين خلال السنوات الأربع المقبلة طالما يصدر عن' شركائهم' الديمقراطيين من حين لآخر ما يوحي بأن المحافظين يصرون علي سياسات يعلمون رفض الناس لها رغم اعتراض الديمقراطيين في الحكومة. إلا أن المحافظين ليسوا وحدهم في مأزق. فالديمقراطيون في موقف لايحسدون عليه. فهم الآن يواجهون السؤال المنطقي: طالما أصر المحافظون علي المضي في سياساتهم...( وآخرها هو زيادة رسوم الدراسة بالجامعة والتي اعترف الديمقراطي مايكل مور وزير شئون استكلندا بأن تصويته لها كان أبشع جريمة سياسية يمكن أن يقترفها سياسي).... لماذا يبقي كليج وفريقه طرفا في هذه اللعبة. عندما تحاصره أسئلة من هذا النوع يكرر كليج قوله' المصلحة القومية للبلاد' و' هذه قواعد الائتلافات الحاكمة في كل أنحاء العالم'. ويرد عليه بعض أعضاء حزبه قائلين إن' المشكلة هي أن قيادة حزبنا تبدو حريصة علي إثارة أعجاب المحافظين بمدي قدرتهم علي الاعتماد علينا في اتخاذ قرارات صعبة قاسية أكثر من حرصها علي أن تبين للمحافظين أنهم بدوننا لا يمكنهم البقاء في الحكم'. وهذه الردود تقول بوضوح إن المشكلة لم تعد التحالف بقدر ما هي مشكلة داخل الشريك الأصغر فيه والذي لم يصل بعد إلي اتفاق بشأن الحد الاقصي من التنازلات المحتملة مقابل البقاء الشراكة في السلطة. لماذا الوزراء الديمقراطيون الأحرار وحدهم سؤال آخر مطروح علي الساحة السياسية في بريطانيا. فالواضح حتي الآن أن صحيفة ديلي تليجراف تقصد الوزراء الديمقراطيين دون غيرهم رغم أن هناك عددا غير قيل من وزراء المحافظين غير راضين عن سياسات الحكومة وتحالف حزبهم مع الديمقراطيين الأحرار. مؤامرة ضد الديمقراطيين الأحرار يجيب كثير من البريطانيين البسطاء المتابعين لوسائل الإعلام في تعليقاتهم علي ماجري. ويري هؤلاء أن صحيفة ديلي تليجراف التي ايدت علنا المحافظين في الانتخابات الأخيرة أرادت أن تثبت للمحافظين أن ائتلافهم مع الديمقراطيين الأحرار لم يكن صحيحا, وأن عليهم العمل من الآن بمفردهم لتحقيق فوز مريح في الانتخابات المقبلة لو كتب للائتلاف البقاء حتي موعد إجرائها.