مثلت قضية نفقات النواب البريطانيين التى كشفت عنها الصحافة مؤخرا أكبر فضيحة سياسية ومالية تشهدها البلاد، وأثارت موجة من الغضب والاستياء العارم، كونها طالت العديد من نواب ومسؤولين ووزراء، سواء فى حزب العمال الحاكم أو حزب المحافظين وغيرهم، وأدت إلى تراجع شعبية العمال إلى أدنى مستوياتها فى التاريخ، وإجبار شهيد مالك، وهو أول وزير مسلم للعدل فى الحكومة، على تقديم استقالته وتعليق أنشطة العديد من النواب لتورطهم فيها، فى الوقت الذى أعلنت فيه الشرطة والادعاء أنه تم تشكيل لجنة لبحث إمكانية إجراء تحقيق جنائى فى الفضيحة. وكان للصحافة البريطانية بقيادة صحيفة «ديلى تليجراف» السبق فى كشف تفاصيل الفضيحة بفضل ما نشرته من معلومات تؤكد تورط المزيد من النواب والسياسيين فيها، وتتمثل فى مطالب بمئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية، التى طالب بها نواب فى مجلس العموم لتغطية نفقات وإيجارات شققهم وتركيب مرايا وشراء سماد لحدائقهم وغيرها من النفقات. وأجبرت الفضيحة شهيد مالك أول وزير مسلم على تقديم استقالته وتوضح الوثائق أن مالك طالب بالحد الأقصى المسموح وهو 66827 جنيهاً خلال 3 سنوات لتغطية نفقات مسكنه فى لندن، بينما أخفى أنه دفع إيجارا أقل من معدلات السوق بمبلغ 100 جنيه أسبوعياً «لمنزله الأساسى» فى دائرته. ولم يسلم رئيس الوزراء البريطانى جوردون براون من تلك الاتهامات، حيث أشارت صحيفة ديلى تليجراف منذ 10 أيام إلى أنه طلب 6577 جنيها إسترلينى دفعها لأخيه مقابل خدمات تنظيف شقته فى لندن، بينما أبلغ متحدث باسم مكتب براون الصحيفة بأنه كان يسدد لأخيه نصيبه من أتعاب عامل نظافة استعانا به معا وأنه كان يتصرف فى حدود اللوائح البرلمانية، كما تلقت نائبة عمالية 22 ألف جنيه إسترلينى لتنظيف شقتها المطلة على البحر من الفطريات، كما تلقى وزير بريطانى 37 ألف جنيه إسترلينى خلال 4 سنوات لتكلفة تجهيز شقته فى لندن من المفروشات إلى كرسى الحمام. وفى إطار الضغوط التى تعرض لها حزب العمال، قام بتعليق عضوية نائبه ديفيد تشايتور لحين انتهاء التحقيقات حول مزاعم خاصة بنفقاته التى بلغت 13 ألف جنيه استرلينى، فيما أشارت «ديلى تليجراف» إلى تعهد النائب بإعادة النفقات وقال إنه أخطأ «خطأ لا يغتفر»، كما علق براون عضوية النائب العمالى أليوت مورلى وهو وزير سابق للزراعة بعد أن تبين أنه طلب 16 ألف جنيه إسترلينى كنفقات لتغطية قرض عقارى كان سدده بالفعل، فيما قالت صحيفة «الجارديان» إن براون أمهل الوزراء حتى 18 مايو الحالى لتقديم طلبات نفقاتهم للسلطات. وحصلت الوزيرة فى حكومة براون، كيتى أوشير، على 20 ألف جنيه إسترلينى لإصلاح منزلها. وقال براون فى وقت سابق إن المشكلة تتمثل فى نظام بدلات النواب الذى يتعين إصلاحه، وكان البرلمان وافق على إدخال تعديلات طفيفة على النظام لكنه تخلى عن خطط لإلغاء بدل قدره 24 ألف إسترلينى لمن يملكون منزلا ثانيا، فى حين أن كل عضو بمجلس العموم يتقاضى راتبا سنويا قدره 65 ألف جنيه إسترلينى، لكن الأعضاء طالبوا بمخصصات مالية فى العام الماضى بلغت 93 مليون جنيه بمتوسط 144 ألف جنيه لكل من أعضاء المجلس ال646، الأمر الذى أغضب المواطن العادى وأثار موجة من الانتقادات فى ظل الركود الاقتصادى. وأسفرت الفضيحة عن تراجع شعبية حكومة براون لأدنى مستوى فى تاريخها وأكدت الاستطلاعات أنها تواجه انعدام الثقة رغم مسارعة العديد من النواب والسياسيين إلى سداد متطلبات نفقاتهم، وتعهد أكثر من 20 نائبا بسداد نحو 130 ألف جنيه إسترلينى. وفى الإطار نفسه، هزت فضيحة النفقات حزب المحافظين بزعامة ديفيد كاميرون بعد تورط 8 نواب فيها ورغم حظوظ الحزب الأوفر فى الانتخابات المحلية فى 4 يوليو المقبل، لكنها أجبرت عضو البرلمان المحافظ أندرو ماكاى على الاستقالة من منصبه كمستشار سياسى لزعيم الحزب بعد أن كشفت مراجعات لنفقاته عن وضع غير مقبول.