أقرت الحكومة اليابانية القواعد الارشادية الجديدة لسياستها الدفاعية في السنوات العشر المقبلة. وذلك في خطوة تعكس التطورات المهمة التي طرأت علي موازين القوي في منطقة شرق آسيا بعد عقدين من زوال الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة .وتشير هذه القواعد إلي أن الدوائر العسكرية اليابانية لم تعد تعتبر روسيا اكبر تهديد لأمنها القومي وإنما أصبحت تنظر إلي القوة العسكرية الصينية المتنامية والتهديدات النووية والصاروخية من جانب كوريا الشمالية باعتبارهما أخطر التهديدات لأمن وسلامة الشعب الياباني. ورغم ان السياسة الدفاعية اليابانيةالجديدة مقارنة بالسياسة السابقة التي وضعت في عام2004 لم تغير موقفها من كوريا الشمالية بإعتبارها' العدو الأول' إلا ان هذه هي المرة الأولي التي تشير فيها إلي الصين بهذه اللهجة القوية حيث وصفتها بأنها' مصدر قلق لشرق آسيا والمجتمع الدولي بأسره'. الأمر الذي دفع عدد من المراقبين إلي توقع زيادة التوتر بين طوكيو وبكين في الفترة المقبلة برغم المحاولات الجارية للتهدئة بين الجانبين عقب الصدام الدبلوماسي العنيف بينهما علي الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي منذ ثلاثة أشهر. ورغم ان السياسة اليابانيةالجديدة اشارت إلي وجود تراجع في القوة العسكرية الأمريكية إلا أنها أكدت أن التحالف الاستراتيجي بين طوكيو وواشنطن القائم منذ خمسين عاما لا يزال حيويا بالنسبة لامن اليابان. وتشير تعليقات الخبراء الذين التقت بهم الاهرام في طوكيو وفضلوا عدم ذكر اسمائهم إلي أن السياسة الدفاعية الجديدة التي تعد الاولي في ظل حكومة الحزب الديمقراطي الياباني لها دلالات بالغة الأهمية لعل من أبرزها ما يلي: أولا: أن الحكومة اليابانية الحالية بزعامة ناوتؤ كان يبدو أنها قد حسمت توجهها نحو التعاون العسكري الوثيق مع الولاياتالمتحدة بعد أن ساد التوتر بين طوكيو وواشنطن لفترة عقب تولي الحزب الديمقراطي الياباني السلطة في العام الماضي بسبب الخلاف حول نقل قاعدة فوتينما العسكرية التابعة لقوات المارينز الأمريكية في جزيرة أوكيناوا. ويبدو أن هذا الموقف الذي لم يكن متوقعا علي الإطلاق قبل عام نتيجة تعهدات الحزب الحاكم الانتخابية بإتباع مواقف خارجية اكثر استقلالية عن الولاياتالمتحدة وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الآسيوية المجاورة جاء نتيجة اتفاق البلدين علي ضرورة التعاون الوثيق بينهما في مواجهة التحركات العسكرية والدبلوماسية الصينية المتشددة لتوسيع نفوذها في منطقة شرق آسيا وهو ما ظهر في مواقفها الأخيرة تجاه المنازعات الحدودية مع الدول المجاورة( اليابان فيتنام الفلبين) فضلا عن موقفها المتردد في التعامل الفعال مع الاستفزازات العسكرية الأخيرة لكوريا الشمالية الأمر الذي يهدد الأمن والاستقرار في منطقة شرق آسيا ويضعها علي حافة الحرب. ومن جهة أخري يبدو التعاون العسكري الوثيق بين اليابانوالولاياتالمتحدة أيضا محوريا من اجل مواجهة التهديدات الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية. ثانيا: يبدو أن الحكومة اليابانية تعتزم في الفترة المقبلة التركيز علي القوات البحرية للتعامل الفعال مع تنامي القوة البحرية الصينية التي قد تهدد خطوط مواصلات اليابان مع الشرق الأوسط أو تخترق المياة الإقليمية لليابان لحسم أزمة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي المعروفة باسم سينكوكو في اليابان وباسم دياويو في الصين. وسيتم ترجمة هذا التحول علي أرض الواقع في صورة خفض قوات المدفعية الثقيلة والمدرعات الموجودة في الشمال لمواجهة غزو لروسي محتمل من600 إلي390 وحدة لصالح زيادة عدد الغواصات من16 إلي22 وشراء طائرات مقاتلة جديدة من طراز اف35 علي الأرجح مع زيادة سفن النقل عالية السرعة وطائرات النقل العملاقة لنقل قوات الدفاع الذاتي من شمال البلاد إلي إي مكان خاصة قرب حدودها مع الصين في اقصي الجنوب والمتمثلة في سلسلة جزر' نانسيه' في محافظة أوكيناوا الجنوبية. ثالثا: من المدهش في القواعد الإرشادية للسياسة الدفاعية الجديدة رغم تأكيدها علي التعاون الوثيق مع واشنطن أنها لم تتطرق إلي مسألة رفع الحظر الياباني المفروض علي تصدير الأسلحة والتكنولوجيا المرتبطة بها رغم إلحاح المسئولين الأمريكيين علي ذلك من أجل فتح المجال لتصدير أنظمة الدفاع الصاروخي المتطورة التي تشترك في تطويرها اليابان مع الولاياتالمتحدة إلي عدد من حلفاء واشنطن في حلف الناتو وآسيا. ويفسر المراقبون التجاهل الياباني لمطالب القادة العسكريين الأمريكيين بأنه جاء استجابة من جانب الحكومة اليابانية لمواقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الياباني السلمية والتي من بينها معارضة رفع الحظر علي صادرات الاسلحة والتكنولوجيا المرتبطة بها خاصة وأن الحكومة اليابانية أصبحت في حاجة شديدة لأصوات هذا الحزب في مجلس النواب الياباني لتمرير مشروعات القوانين المهمة في البرلمان. رابعا: تؤكد السياسة الدفاعية الجديدة ايضا علي ضرورة إظهار قوة الردع اليابانية عن طريق استعراض القدرات العالية لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في المناورات التدريبية المشتركة مع تلك الدول التي تشترك معها في' القيم الديمقراطية' مثل كوريا الجنوبية واستراليا والهند بالاضافة إلي حليفها الرئيسي الولاياتالمتحدة. ورغم ان عددا من الدوائر السياسية اليابانية يعارض بشدة إجراء المناورات المشتركة مع الدول الأخري لتناقضه مع الدستور السلمي الياباني الذي يمنع ممارسة حق الدفاع الجماعي إلا أن رئيس الوزراء الياباني ناوتؤ كان قد أعلن في الأيام الأخيرة تأييده إجراء مثل هذه المناورات بل وإمكانية إصدار قانون جديد يسمح بإرسال القوات اليابانية إلي شبه الجزيرة الكورية في حالة وقوع حرب من أجل إنقاذ المواطنين اليابانيين المقيمين هناك. وفي ضوء كل ذلك يمكن القول أن السياسة الدفاعية اليابانيةالجديدة من شأنها زيادة حدة التوتر في علاقات اليابان مع كل من الصين وكوريا الشمالية. كما انها قد تثير هواجس ومخاوف الدول الآسيوية الأخري التي عانت من ويلات العسكرية اليابانية قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.