لم يعد صعبا أن نري فشل الإدارة الأمريكية, وعدم قدرتها علي تحقيق شيء ملموس بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فلقد انهارت أخيرا العملية السياسية.. وظهر عجز أوباما وتكرر فشل نيتانياهو, وأصيبت القضية العتيدة والمزمنة والقديمة للشرق العربي وللعالم الإسلامي بنكسة متجددة.. تداعيات فشل السلام لن تظهر اليوم.. ولكنها ستتوالي في الأيام المقبلة. اليمين الإسرائيلي مازال مصمما علي أن يأخذ الشرق الأوسط إلي عالم الصراع الأبدي الذي لا يتوقف. واليمين الأمريكي فشل في حروب بمنطقتنا, بل وبعد حروبه في العراق وأفغانستان فتح أمامنا صراعات إقليمية لن تنتهي, ستفرض علي الغرب تقديم تنازلات جديدة أو الاندفاع إلي حروب أخري, وكلا الحلين لا يرضيان صناع السلام وطالبي الاستقرار. ومحطة الانتظار الأمريكي.. أي الإدارة الراهنة.. بين يمين ويمين آخر قادم لا محالة قد يكون أشد ضراوة أصبحت لا تريح أحدا.. فهي تندفع بالمنطقة التي نعيش فيها إلي الفراغ أو الفوضي,.. وبالرغم من كل هذه الانتكاسات والصعوبات التي تواجه قضية العرب الأولي والمستمرة, فإن الفلسطينيين أصبحوا مطالبين بتفكير جديد يتسم برؤية مختلفة. تحفظ بقاء قضيتهم علي أجندة العالم.. وفي مقدمة أولويات المنطقة وشعوبها. الفلسطينيون تعرضوا لمظالم عديدة.. منذ أن طردوا من أراضيهم.. ولكنهم أدهشوا العالم بقدرتهم علي الاستمرارية.. بل وأذهلوا الدنيا بوقوفهم ضد أعتي الفاشيست في عالمنا الراهن.. الإسرائيليون أو الاستعمار الاستيطاني العنصري الوحيد في عالمنا الباقي من ديكتاتوريات ومظالم عالم ما قبل الحربين العالميتين الأولي والثانية. وبعد سقوط جبروت عنصرية الأبارتيد في جنوب إفريقيا.. لم يبق في العصر الراهن.. إلا عنصرية إسرائيل.. ورغبتها المجنونة في استمرار احتلال شعب وأرض, فبعد أن استولت علي أراضي الفلسطينيين يبدو الآن أن المتطرفين بينهم استمرأوا عملية الاحتلال.. فقرروا ضمنيا أن يشمل احتلالهم الأرض والشعب معا. وإلا بماذا تبررون أو تحللون أن كل العروض التي تقدم بها الفلسطينيون والعرب للسلام لم تعد تعجب الإسرائيليين.. ويختلقون الأعذار والتبريرات للهروب من دفع التزامات السلام بينهم وبين الشعب الفلسطيني؟ الأمريكيون بل والمجتمع الدولي والرباعية الدولية.. هم الآخرون مستسلمون للمتطرفين في إسرائيل.. والجميع أصبحوا عاجزين عن الحركة, ويكتفون بالشعارات وتأييد حل الدولتين.. ويغسلون أيديهم يوميا بالتصريحات المعسولة للفلسطينيين عن الحل القادم.. حتي جاء الفشل الأمريكي الجديد. فكشف للجميع الوجه القبيح للاستعمار الإسرائيلي للشعب الفلسطيني والعجز الأمريكي المريع. الذي يسلم منطقتنا إما إلي الفراغ أو الإرهاب والتطرف بكل أشكاله. .................................................................. يجب ألا يسلم العرب والفلسطينيون بتلك التداعيات الجسيمة, ويجب أن نحمي المنطقة من الفوضي والانقسام والتشرذم.. بكل الطرق والوسائل. لم تعد أمريكا وأوروبا هم المنقذين, بل إنهم يندفعون إلي الضعف والترهل, والتسليم للإرهاب. والتطرف لن يخدم أحدا. الحفاظ علي تماسك الدولة القطرية العربية أصبح ضرورة وحتمية حتي ولو أدي إلي الضرب بيد من حديد علي من يزعزعون الاستقرار في دولنا العربية. يجب أن نحافظ علي الوحدة في السودان حتي ولو رفضت أمريكا. يجب أن يضرب الفلسطينيون المثل والقدوة, وأن تكون وحدتهم هي طريقهم لهزيمة المشروع الإسرائيلي لاحتلال الأرض والشعب. وحدة الفلسطينيين مازالت قادرة علي هزيمة إسرائيل, وكشف عنصريتها ومساعدتها للإرهاب, والتطرف في كل مكان خاصة في منطقتنا. مازال أمام العرب الكثير ليعلنوه أمام العالم والمجتمع الدولي.. لكي يكشفوا الحقوق الفلسطينية, والخيارات العربية التي قدمها العرب والفلسطينيون, خاصة الإدارة الحالية للفلسطينيين التي خطت باعتراف الكثيرين من الإسرائيليين أنفسهم خطوات كبيرة للتعايش مع الإسرائيليين وتقديم الحلول والمقترحات.. ولم تدخر جهدا في كل الأوقات للسير في طريق السلام والمفاوضات الذي كلفها الكثير أمام شعبها.. حتي إنها لم تعد تملك خيارات كثيرة في هذا الشأن أمام شعبها أو أمام المنطقة.. حتي قال الكثيرون إن سقوط السلطة الفلسطينية الراهنة يعني ضياع أي فرصة أخري.. لأننا سنحتاج إلي عقود جديدة, حتي تظهر مجموعة جديدة أو سلطة جديدة تكون قادرة علي إدارة عملية تفاوض أو سلام أخري مع الإسرائيليين. ***** الحل ليس بحل السلطة الفلسطينية.. الحل ليس باللجوء إلي الأممالمتحدة, فقد سبق أن حصلنا علي كل القرارات من الأممالمتحدة ولم نستطع أن ننفذها. الحل ليس بالحصول علي مزيد من الاعترافات الجديدة بالدولة الفلسطينية من أمريكا اللاتينية أو آسيا أو حتي من الدول الأوروبية أو من البرازيل والأرجنتين أو غيرها من الصين والهند أو بحدود1967 أو بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين أو بالقدس الموحدة. الحل يكمن في وحدة الفلسطينيين.. الحل يكمن في وحدة العرب, وعدم المتاجرة بالقضية الفلسطينية. ***** الحل يكمن في هجوم شامل للسلام علي الأمريكيين والإسرائيليين معا في عقر دارهم وبين شعوبهم, لكي نكشف المتطرفين الحقيقيين. الحل يكمن في كشف المتطرفين أمام الرأي العام في الدولتين, الدولة المحتلة والقوي الكبري التي تساعد المحتل.. وتقمع شعبا مضطهدا وبريئا حصل علي اعتراف كل العالم بحقوقه, وعجز العالم ومنظماته ودولته الكبري علي إلزام إسرائيل باحترام العالم وشعوبه. وحدة الفلسطينيين ضرورة وحتمية بين كل الفصائل لكي يظهروا أمام العالم بوحدة حقيقية وليست مصطنعة أو وهمية, والانقسام بين الفصائل.. ومعايرة الفلسطيني للفلسطيني الآخر ستعطي الفرصة لنيتانياهو واليمين الإسرائيلي لكي يتصور أنه حقق نصرا أمام الفلسطينيين. في حين أنه نصر وهمي.. وغير حقيقي.. نصر قد يحافظ علي ائتلافه الحاكم لبعض الوقت, ولكنه سيفجر إسرائيل من الداخل ويكشفها.. بل وسوف يعريها أمام شعوب العالم, ويفضح ديمقراطيتها المزيفة. ويظهر ضعفها وخوفها الداخلي المزمن من السلام والتعايش من أن تكون جزءا حقيقيا من الشرق الأوسط. تجارة العار! نحو43 مليار دولار هي حصاد أسوأ أشكال التجارة في العالم المعاصر. تجارة أحالت الإنسان إلي بضاعة في زمن يتحدث فيه العالم عن حقوق الإنسان واحترام النفس البشرية. تجارة تتجاوز في مداها حدود175 دولة من دول العالم. تجارة تعيد إنتاج زمن العبودية بأشكال جديدة. ملايين البشر يجبرون علي أداء أسوأ الأعمال ويجبرون علي الخدمة في المنازل في ظل اسوأ الظروف. ويتم تسخيرهم وفاء لديون مستحقة عليهم. ملايين الأطفال يستخدمون في تجارة الجنس ويجبرون علي أعمال تغتال براءة أعمارهم, ويدفع بهم وقودا لحروب عبثية. عصابات تجوب العالم بحثا عن المناطق المنكوبة بالفيضانات والكوارث الطبيعية, ليس لتقديم العون أو المساعدة وإنما لاقتناص الشباب والفتيات والأطفال ليكونوا وقودا للعبودية الجديدة. جريمة سكتت عنها الدول والمنظمات طويلا, وحين انتبهت لاتزال أعجز من أن تواجه ذلك العار الذي يكلل جبين البشرية المعاصرة. لسنا في مصر بعيدين عن حصاد العار فقد اتخذت تلك العصابات من مصر معبرا لحركة العبيد الجدد تنطلق منها إلي أسواق مستعدة لاستقبال عشرات الألوف من العبيد العصريين. ونصيبنا من العبودية الجديدة لايقف فقط عند استخدام أراضينا معبرا لضحايا تلك التجارة المشينة ولكننا أيضا نعاني بعضا من أشكال تلك العبودية خاصة في مجال عمالة الأطفال. لاتزال الظاهرة في بلادنا أقل من غيرنا ولكنها بالصمت والإهمال يمكن أن تتزايد. هي تجارة عالمية أصبحنا جزءا منها, ولانستطيع وحدنا مكافحة تلك الجرائم التي تتولاها عصابات متعددة الجنسيات خاصة أن الجهود الدولية باتت حتي الآن عاجزة عن ملاحقة تلك الظاهرة حيث الضحايا بالملايين يزدادون عاما بعد آخر. وخلال الأعوام القليلة الماضية ظهرت حركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام لتكون أحد الأصوات الرئيسية في عالم اليوم الداعية لمزيد من الاهتمام وحشد المزيد من الطاقات في مواجهة تلك التجارة العالمية المشينة. في عام2004 بدأت حملة السيدة سوزان مبارك لمناهضة الاتجار في البشر بالتعاون مع وزارة الخارجية السويسرية. وفي عام2006 ناقشت الحركة في مؤتمر لها بالعاصمة اليونانية آليات المكافحة, ودعت إلي تبني كل المنظمات والدول مبادرات فاعلة تستعيد كرامة الإنسان وتغسل العار الذي لحق بالإنسانية جراء تلك التجارة. وقد بحثت أيضا تشجيع الاقتصاديين والشركات ورجال الأعمال علي الإنضمام لحملة أوقفوا الاتجار في البشر الآن وتمكنت من حشد نحو1500 شركة ومؤسسة للتوقيع علي مبادئ أثينا السبعة التي تتعلق جميعها بمحاصرة تجارة البشر. وفي العاصمة النمساوية فيينا وقفت السيدة سوزان مبارك تدعو العالم إلي تحطيم جدران الصمت والكشف عن حجم تلك التجارة وآثارها المدمرة, تعزيزا للوعي بها وتجميعا للجهود من أجل مكافحتها. وفي عام2009 كان الموعد في البحرين حيث انعقد تحت رعايتها مؤتمر اهتم بتفعيل آليات المواجهة. واستكمالا لجهود إنسانية نبيلة تحمي كرامة الإنسان أينما كان, دعت السيدة سوزان مبارك المجتمع الدولي إلي ملتقي في مدينة الأقصر من خلال شباب39 دولة, إدراكا منها لما يمكن أن يقوم به الشباب حول العالم في مواجهة آفة الحياة الإنسانية المعاصرة. وفي الأقصر أعلنت أول خطة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر من2011 وحتي2013 لقد تابعت كلمتها الافتتاحية في أعمال منتدي الأقصر فهي خروج علي الصمت الدولي وتناولت كارثة الرق الحديث وأكثر أشكال التجارة المحظورة مدعاة للأسي كما وصفتها. في هدوء عاصف خاطبت السيدة سوزان مبارك جموع الحاضرين انظروا إلي الساعات في أيديكم. بعد مرور ثانية واحدة من الآن سيتم الاتجار بإحدي الفتيات والزج بها إلي عالم تجارة الجنس لتدخل بعدها إلي ظلمات عالم المجهول. ومنذ خمس دقائق فقط تلقت أسرة فقيرة أموالا للسماح لإحدي بناتها بالرحيل إلي المدينة الكبيرة علي وعد بالحصول علي عمل محترم. ولكنها في الحقيقة ستصبح فتاة ليل في سن الثانية عشرة كلمات تعبر عن تنام مفزع لفاجعة عالمية في عالم الإنسان. إن هذه الجهود المستمرة التي لم تتوقف لحركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام قد وضعت مصر في المقدمة من جبهة عالمية تتشكل لوضع حد لتلك التجارة, وتجعل مصر محور الجهود الإقليمية في مكافحة هذه الجريمة البغيضة, حيث تتبني الحركة التكامل بين المجتمع المدني والحكومي بما يوفر كل أسباب النجاح في نهاية الأمر. [email protected]