مرة أخري يطل عمر أفندي علينا بأزمة جديدة بعد أن وصل الحال بالعمال فيه إلي عدم صرف رواتبهم, ولجوء الإدارة إلي صرف كوبونات لهم لصرفها من خزينة كل فرع بعد الحجز علي أرصدة الشركة بالبنوك لمصلحة الموردين. غير أن خزائن الفروع لم يعد بها من النقود ما يكفي لصرف الرواتب, والأخطر في الأمر كله هي الصور التي نشرتها الأهرام صباح الاثنين الماضي لفروع عمر أفندي وهي خاوية من البضاعة. محنة حقيقية يعيشها عمال عمر أفندي بسبب وضع الشركة المتردي, وبعد أن لاحت في الأفق بوادر حل الأزمة وظهور عرض جديد من المستثمرين المصريين لشراء الشركة وسط ترحيب من الإدارة والعمال, غير أن العرض بدأ يتبخر في الهواء, وبعد أن كان محمد متولي رئيس مجلس إدارة الشركة المتقدمة بعرض الشراء ضيفا دائما علي وسائل الإعلام( صحافة وتليفزيون), إلا أنه اختفي فجأة وسط أنباء عن تعثر عملية البيع وفشلها نتيجة وجود مشكلات ضخمة تمنع إتمام الصفقة, خاصة تلك المتعلقة بالديون والالتزامات المتراكمة للمستثمر السعودي جميل القنبيط, التي يرفض تحملها المشتري الجديد. لقد صاحبت صفقة بيع عمر أفندي الأولي حالة من الصخب والضجيج, وخرجت أصوات متعددة تطالب بالتروي في عملية البيع وتحذر منها, غير أن الحكومة ركبت رأسها وأصرت علي الاستمرار في الصفقة, وكأنها تريد التخلص من كرة نار في يديها, وللأسف الشديد أثبتت الأيام صدق توقعات الرافضين للبيع بعد أن انتهي الأمر بالمأساة الحالية التي تعيشها الشركة ويعيشها العمال فيها, خاصة بعد أن وصل بهم الحال إلي عدم صرف رواتبهم الشهرية, مما يهدد بحدوث قلاقل واضطرابات إذا لم يجدوا مخرجا سريعا لأزمتهم الحالية. أعتقد أن شركة عمر أفندي تستحق الاهتمام بها من المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والاستثمار, لإيجاد مخرج لأزمتها سواء بالبيع أو تسوية مشكلاتها الحالية, أو حتي لو اقتضي الأمر أن تتدخل الحكومة مرة أخري للشراء كما حدث في شركة( قها) وبعض الشركات الأخري حينما تدخلت الحكومة واشترت تلك الشركات مرة أخري حفاظا عليها وعلي حقوق العاملين بها. فرق ضخم بين خصخصة الشركات وتصفيتها, فالخصخصة تعني الحفاظ علي مقومات الشركة الأساسية ونشاطها, أما التصفية فهي تعني التخلص من هذه الشركة أو تلك, وبيعها تحت أي مسمي, وهو ما حدث في حالات عديدة في برنامج الخصخصة دون التدقيق الكافي, وكانت النتيجة حدوث مشكلات بالجملة في عدد كبير من الشركات, وتصفية شركات أخري أو تغيير نشاطها, والنتيجة في مجملها ليست إيجابية فيما يخص برنامج الخصخصة, حيث يركز المشترون من رجال الأعمال علي تصفية هذه الشركات وبيع أراضيها في الاستثمار العقاري, وتسريح عمالها, وبيع المعدات والآلات خردة.. المهم هو الأرض وبيعها تحت أي مسمي.. ولا عزاء للإنتاج أو العمالة. ألف باء نجاح الخصخصة يكمن في العقود وضبطها, وضرورة تدقيقها جيدا, بحيث لا يتم التلاعب بها من المشترين أو اللجوء إلي التحكيم وصرف تعويضات ضخمة, كما حدث في بعض الحالات. هذه العقود لابد أن تضمن استمرار الشركة في مجالها الإنتاجي أو التجاري بوضوح, والنص علي شروط جزائية صارمة علي المخالفين, وكذلك ضمان تطوير أعمال الشركات وضخ استثمارات حقيقية للتطوير, والحفاظ علي حقوق العمالة بشكل واضح وصريح, وإذا استطاعت الحكومة كتابة عقود صحيحة وواضحة وخالية من الثقوب والثغرات, فسوف يسهل التعامل مع المشترين دون ابتزاز أو مماحكات منهم كما يحدث في عمر أفندي, أو كما حدث في صفقات أخري عديدة مماثلة, وكانت النتيجة تصفية هذه الشركات وخروجها من دائرة الإنتاج وبيع الأراضي وتقسيمها وتحويل العمالة إلي المعاش المبكر والجلوس علي المقاهي ومعظمهم في سن العمل والإنتاج. مطلوب مراجعة برنامج الخصخصة مراجعة هادئة من أجل الوصول إلي رؤية واضحة تهدف إلي الحفاظ علي الأصول الإنتاجية والحفاظ علي حقوق العمالة, ووقتها سوف تكون الخصخصة إضافة حقيقية للاقتصاد الوطني, خاصة في المشروعات التجارية والخدمية, أو تلك التي لا تشكل صناعات استراتيجية, فالخصخصة ليست شرا مطلقا, لكن التصفية هي الكارثة, والعقود هي سر الأزمة وعلاجها ضرورة, وإلا نكون كمن يحرث في الماء, لا نستفيد من أخطائنا. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة