في اثناء متابعة احداث المعركة الانتخابية البرلمانية لعام2010 اعلاميا اتصور ان الكثيرين قد لاحظوا, كما لاحظت في اثناء متابعتي لها, كثرة تردد كلمات تتعلق بالانفاق المادي مثل كلمات المال او الفلوس او الاستثمار او الثمن في الحوارات التي تضمنتها التغطية الاعلامية. والمدهش أن هذه الكلمات كانت ترد في الأحاديث التي تجري مع المواطنين العاديين في اثناء ايقافهم في الطريق العام, عشوائيا وبدون انتقاء مقصود, لمناقشة آرائهم فيما يحدث حولهم من تطورات واحداث سياسية متعلقة بالمعركة. علي احدي شاشات فضائية عربية يقول المواطن المصري متوسط العمر المنتمي الي شريحة ابناء البلد من قاطني احد الاحياء الشعبية الواضحة في خلفية الصورة االفلوس.. بالفلوس كله بالفلوسب وكانت هذه اللقطة التليفزيونية تأتي دائما عند التنويهات المهمة المشيرة إلي مواعيد متابعات الانتخابات البرلمانية المصرية لعام2010 علي شاشات تلك الفضائية. وربما يقول البعض منا إن هذه الفضائية بالتحديد تناقش القضايا المصرية بغير موضوعية لذلك تركز باستمرار علي السلبي منها. ولكن اذا ما جئنا الي شاشات التليفزيون المصري, الذي بالقطع لا يركز علي السلبيات في الحياة السياسية المصرية, سنجد ذات الملمح العام ولكن بأسلوب آخر يحمل آلام وطموحات المواطن المصري البسيط. ويحملها معا, يرد مواطن في احد اللقاءات التليفزيونية المصرية عن اسئلة محاوره الاعلامي, ليه كل المصاريف دي علي الدعاية الزائدة عن الحد, مادام معاهم كل الفلوس دي ما يعملوا بيها مشروعات تشغل الشباب وتقلل من البطالة وتساعد اولاد الفقراء. واللا الفلوس ما تظهرش إلا في الانتخابات مش استثمار الفلوس دي احسن للبلد . وقد تكررت هذه المعاني بذات العبارات او بعبارات مشابهة, عدة مرات علي شاشات التليفزيون المصري مما يشير الي وجودها في عقولنا وفي قناعات العديد من مواطنينا كأحد الملامح السلبية في المعركة الانتخابية لعام2010, بعد ان بدأت تظهر بشدة بدءا من انتخابات عام1995, ثم تعاظمت فيما تلاها من جولات انتخابية عام2000 ثم عام.2005 في هذا الشأن, كان الاكثر اثارة للدهشة هو ذلك التعليق علي الانتخابات المصرية لعام2010 الذي ذكر في حوار ممتد لإحدي الفضائيات غير العربية عندما قال أحد المحللين السياسيين ان الانفاق في الانتخابات المصرية لهذا العام لا يعبر بشكل او بأخر عن واقع اقتصادي محلي كما انه لا يعكس قدرات ومشاكل دولة نامية تمر بازمة اقتصادية عامة, كما تعاني من معدل تضخم مرتفع بجانب معدلات بطالة مرتفعة في صفوف شبابها. وفي واقع الامر لا يمكن الدفاع عن هذا الملمح الانتخابي المصري العام خاصة ونحن نعلم ان الدولة ومعها اللجنة العليا للانتخابات كانتا تعلمان علم اليقين أن قانونا ما قد حدد الحد الاقصي لانفاق كل مرشح ب200 الف جنيه مصري. وهو مبلغ وان كان في امكانية اي مرشح من اصحاب الاعمال, وهذا حقهم بالقطع, الا انه يفوق قدرات اي فلاح او عامل او حتي مهني يتكسب من مجرد ممارسة عمله او مهنته وفقط.. خاصة مع عدم وجود آلية لمراقبة تنفيذ القانون ومتابعته قانونيا. وبنظرة عامة علي مجرد الدعاية, دون غيرها من الانفاق غير المشروع سياسيا واجتماعيا, يصعب, في احيان كثيرة, التفرقة بين مرشحي الفئات وبين مرشحي غير الفئات, مما يدعو الكثيرين الي القول بما ان فلاحي وعمال مصر بهذا الثراء فلماذا نعتبر دولة نامية؟ ولماذا تسعي الدولة الي استدعاء الاستثمارات والمشروعات العالمية, وهي افتراضية تفتح شهية اي محلل سياسي للكلام والتعليق بشكل موضوعي او غير موضوعي. وعلي سبيل المثال, بعقد المقارنة, بين كم الانفاق المالي علي الانتخابات النيابية الفيدرالية او المحلية الامريكية وبين كم المال الذي ينفق علي الانتخابات المصرية ثم توضيح وسائل جميع هذا الانفاق هنا وهناك واساليب مراقبته ثم مقارنة الاثنين بالناتج الاجمالي القومي لكل من البلدين, وكذلك متوسط دخل الفرد فيهما يمكن الوصول الي حالة المبالغة الشديدة في الحالة المصرية, كما يمكن تقديرها. وهو ما يزيد من شهية التعليقات السياسية التي يمكن ان تصدر من هنا ومن هناك سواء كانت بشكل استفزازي او غير استفزازي. ولماذا نذهب بعيدا, ففي جوارنا الافريقي جنوب الصحراء توجد بلدان حديثة في عملية استكمال التصور الديمقراطي مثلنا, تجري الانتخابات البرلمانية فيها بانتظام مثل دولة جنوب افريقيا التي جرت فيها اول انتخابات ديمقراطية برلمانية شارك فيها المواطنون الملونون بكامل المساواة مع الافارقة البيض عام.1994 وتشهد انتخاباتها صراعا سياسيا حادا. لا تزال البلاد تعاني من الفقر والبطالة وتراجع الخدمات في الكثير من نواحيها الجغرافية, الا ان سلاح المال لم يدخل في المعارك السياسية بالرغم من تشابه ظروفها الاقتصادية والاجتماعية مع ظروفنا في مصر. فالشعب المصري ليس الوحيد بين صفوف الشعوب المنتمية لمجموعة البلدان النامية التي تسعي لاستكمال بنيتها السياسية الديمقراطية, فالشعب المصري محاط بعدد هائل من الشعوب التي تتماثل معه. وتملك هذه البلدان النامية تجاربها الجيدة التي تقدم لنا خبراتها. المال السياسي الذي يستخدم في المعارك الانتخابية حقيقة طالما ناقشنا اخطارها الآجلة والعاجلة, كما ناقشنا بشكل دائم خطورتها علي حاضر ومستقبل الحياة المصرية لأنها لاتستمر وحدها كملمح سلبي كارثي وانما يوجد بجانبها عدد من الحقائق الاخري التي تنشر الفساد والافساد في المجتمع المصري مثل شراء اصوات الفقراء وارهابهم بالبلطجة والبلطجية وتحولهم الي مجرد ادوات تصويتية.. لا اكثر ولا اقل.. بعد انتهاء المعركة الانتخابية لعام2010 أري اننا نملك وقتا كافيا لدراسة سبل واسس تنظيم المعارك الانتخابية المصرية القادمة من جميع جوانبها فأمامنا عدة سنوات لنجري انتخابات اخري لمجلس الشوري, ثم خمس سنوات كاملة علي إجراء انتخابات مجلس الشعب التالي. خلال هذه الفترة القادمة تعالوا نناقش الخطوط السليمة لمستقبل بلادنا الحبيبة ننسي الماضي القريب لبعض الوقت لأن مظهرنا أصبح وحش.. وحش.. وحش, والمسامح كريم . المهم أن نكون جادين هذه المرة. المزيد من مقالات أمينة شفيق