35 برنامجًا دراسيًا.. تعرف على مصروفات جامعة الجلالة الأهلية للعام الجديد    الشعب سيد قراره.. رئيس الوطنية للانتخابات يدعو المصريين للمشاركة فى انتخابات الشيوخ    أشرف منصور: المتحف الكبير والعاصمة الإدارية والهوية البصرية رسائل للعالم    الأنبا إيلاريون يزور كنيسة الأنبا بولا ببشارة ويرسم 15 شماسًا في رتبة إبصالتس.. صور    لطلاب الثانوية والدبلومات| 13 و14 أغسطس معرض «أخبار اليوم» يطلعك على أفضل التخصصات المناسبة لك بالكليات    لمدة عام.. حازم النشار مديرًا لمعهد الرمد التذكاري    "عتاقة للصلب" تحصل على موافقة مزايدة فنية لإنتاج 1.5 مليون طن من البليت سنويًا.    دونج فينج إيولوس ميج الرياضية تنطلق رسميًا في مصر.. أسعار ومواصفات    وزير قطاع الأعمال ومحافظ الإسكندرية في جولة تفقدية لتطوير المعمورة «السياحية»    هيئة الأوقاف: تطوير الأصول وتعزيز استثمار أملاك الوقف    محافظ المنيا يصدر قرارًا هامًا بشأن صرف المعاشات لكبار السن    المساعدات تتدفق.. الفوج الخامس يعبر كرم أبو سالم    وزير الخارجية الألماني: حل الدولتين السبيل الوحيد للعيش في سلام وكرامة    هيئة بث الاحتلال الإسرائيلي: سحب لواءي الاحتياط 646 و179 من قطاع غزة    الأمم المتحدة: سكان غزة على شفا المجاعة ويضطرون لالتقاط العدس المتناثر من الأرض    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    عمرو ناصر: رفضت عروضا أكبر من الزمالك.. وأحلم بالانضمام للمنتخب    سمير عبدالمعز يتوج بذهبية بطولة إفريقيا للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم    تبادل نار عنيف كتب نهايته.. ليلة سقوط "خُط أسيوط" بفيصل    خروج جرار قطار عن القضبان في المنيا    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    ضبط المتهم بقتل شاب وإلقاء جثته وسط الزراعات في قنا    امتحانات الدور الثاني 2025.. جولة تفقدية لإدارة الساحل التعليمية بعدة مدارس    سقوط سيارة ربع نقل في ترعة الرغامة بمدينة كوم أمبو بأسوان    عيد العرش.. وزير الثقافة يُشارك في احتفالية سفارة المملكة المغربية    مشهد مهيب في وداع الفنان الكبير لطفي لبيب    محسن جابر يشارك فى فعاليات مهرجان جرش ال 39    آخرهم «ساموزين والعسيلي».. المنضمون الجدد لألبومات نجوم الصيف    من بينها شراب للسعال- هيئة الدواء تصدر منشورات سحب أدوية من السوق    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    «كفتة البطاطس بالدجاج».. لمسة خفيفة على مائدة الصيف    كيف أتخلص من دهون البطن بدون رياضة؟    تعليقا على دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية.. رئيس حزب العدل: ليس غريبا على الإخوان التحالف مع الشيطان من أجل مصالحها    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    أسعار الأسماك بأسواق مطروح اليوم الخميس 31-7- 2025.. البورى ب 150 جنيه    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    صفقة تبادلية محتملة بين الزمالك والمصري.. شوبير يكشف التفاصيل    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    انتخابات الشيوخ.. 100 ألف جنيه غرامة للمخالفين للصمت الانتخابي    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات البنية الأساسية والتطوير بمدن بالصعيد    مسلسل «220 يوم» يتصدر التريند بعد عرض أولى حلقاته    خروج عربات قطار في محطة السنطة بالغربية    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    وزير الخارجية يلتقي السيناتور "تيد كروز" عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    تويوتا توسع تعليق أعمالها ليشمل 11 مصنعا بعد التحذيرات بوقوع تسونامي    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    الزمالك يتلقى ضربة قوية قبل بداية الدوري (تفاصيل)    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الجيل وشعراء الستينيات‏(2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 12 - 2010

يكون خلود كل شاعر عظيما مقارنة بما ناضل في الكتابة من أجله هذا ما أقصده بوعي الكتابة‏,‏ ذلك لأن عظمة شاعر ما هي صفة سيخلعها عليه الزمان‏,‏ وهي علي نحو أكيد تجاوز ما أنجزه من قصائد جميلة‏,‏ أو مجموعة شعرية لافتة‏,‏ إلي الاهتمام بمبدأ الكتابة ذاته‏,‏ الكتابة التي يمثلها الشاعر‏,‏ وهذا ينطبق دون منازع علي رواد المنجزين الشعريين الخمسيني والسبعيني‏.‏
ولنتفق بداية علي أن النقد ليس حقلا بريئا‏,‏ ذلك لأن العمل الأدبي يشكل نظاما معقدا يتمفصل مع النظام الاجتماعي والسياسي في الحقبة التي عاش فيها كاتبه‏,‏ أكثر من كونه يعكس هذا النظام‏,‏ من أجل هذا يرتبط العمل الأدبي بالأيديولوجيا‏,‏ علي حد تعبير الناقد الانجليزي تيري إجلتون‏(3491),‏ ولهذا الاقتباس أهمية في سباق وعينا بجيل ما من خلال إبداعه‏,‏ فلا تقتصر مشكلة النقد علي معرفة الوسائل الفنية التي طورها الكاتب‏,‏ لكنها تهتم بالسؤال‏:‏ لماذا استعمل هذا الكاتب هذه الوسائل‏,‏ ولم يستعمل غيرها للتعبير عن رؤيته إلي العالم‏!‏ وفي هذا ما يربطه بموقف جمالي‏,‏ وبتطلعات جيل ما علي المستوي الاجتماعي‏,‏ فتأثر المبدع برؤية ما‏,‏ لا يملك في حد ذاته أي قيمة تفسيرية‏,‏ بل إن هذا التأثر يشكل في حد ذاته موضوعا يلزم تفسيره‏,‏ وهذا فهم ينطبق علي علاقات التأثير بين الأجيال الشعرية أيضا‏.‏
وإذا اتفقنا علي وجود أمية ثقافية عارمة أمكننا أن نفهم لماذا تحظي نصوص شعرية ساذجة بكل هذا الاهتمام الشعبي والنقدي‏,‏ في الوقت الذي يهمل فيه المتلقي‏,‏ والحركة النقدية السائدة‏,‏ في أغلب الأحيان‏,‏ نصوصا أكثر أهمية وشعرية بما لا يقارن بما هو أكثر حضورا وشهرة في السوق الأدبية‏,‏ ذلك بعد أن أضحت سطحية العمل الشعري‏,‏ واحدة من المعايير الكفيلة بإنجاح النص علي المستوي الشعبي‏.‏
وقد أشرنا من قبل إلي أن تعبير الجيل الشعري يصح إطلاقه بمعناه الأدبي المحدود علي شعراء الخمسينيات المصريين‏,‏ وعلي شعراء السبعينيات المصريين‏,‏ وكنا قد استنتجنا أربع سمات أساسية في تيار شعراء الفصحي الستينيين بعامة‏,‏ ولهذا التعميم اسثناءاته‏,‏ الأولي هي ارتباط معجمهم الشعري‏,‏ وآليات خلق الصورة الشعرية في نصوصهم باللغة الشعرية المتوارثة في أرسخ صورها التعبيرية التي تتسم بالوضوح والمباشرة‏,‏ فابتعدت هذه النصوص عن آفاق التجريب‏,‏ تلك الآفاق التي حلقت فيها إبان الحقبة ذاتها مشاريع ستينية شعرية عربية وعالمية عديدة‏,‏ والسمة الثانية هي التزام معظم شعراء الفصحي الستينيين في مصر بالمدونة الإيقاعية العربية التقليدية‏,‏ وهذا ما يفسر السبب من وراء محاربة الأساليب الشعرية الجديدة‏,‏ وعلي رأسها قصيدة النثر‏,‏ وتأتي السمة الثالثة ارتباطا بالموضوع الشعري‏,‏ وولعهم بالحس الرومانسي القوي من جهة‏,‏ وبالبحث عن بطل غائب من خلال توظيف الشخصيات التاريخية التراثية من جهة أخري‏,‏ وكان لهذا ما يبرره خصوصا بعد نكسة‏7691‏ م‏,‏ وما تركته من أثر هائل علي وعي شعراء الستينيات الذي اتجه إلي التعبير عن أدب الهزيمة علي مستويات مضمونية عديدة‏,‏ وبطرائق مختلفة‏,‏ أما السمة الرابعة‏,‏ فهي التأثر الهائل لشعراء الستينيات بالمنجز الشعري الخمسيني بخاصة‏,‏ فضلا عن الوقوف عند حدوده‏,‏ دون محاولة حقيقية لمجاوزة هذه الحدود إلي بدائل شعرية أو اقتراحات إيقاعية جديدة‏,‏ وهذا ما قد يفسر شعبية هذه الكتابات علي مستوي التلقي‏,‏ من أشهر أمثلة ذلك في الشعر الستيني‏,‏ بعض ما كتبه أمل دنقل من أعمال‏,‏ ومنها قصائد كثيرة عاشت بسبب احتياج الناس إلي محمولها السياسي‏,‏ باستثناء ديوانه الأخير‏..‏
علي خلاف هذه السمات الأربع لمعظم شعراء الستينيات‏,‏ جاء حراك طليعة جيل السبعينيات العربي بعامة‏,‏ وهي طليعة حاول شعراؤها مجاوزة الأصولية التعبيرية والإيقاعية إلي فضاءات لغوية وجمالية جديدة‏,‏ سواء عبر التواصل الجمالي مع الشعر العالمي وتطوراته الجمالية والإيقاعية‏,‏ أو علي مستوي التجريب‏,‏ الذي سبقه ذوق عربي مشبع بتراثه من جهة‏,‏ ولا يخاصم الحداثة‏,‏ وما بعدها‏,‏ أو يقف أمام تيارات التجريب الشعري الجديد من جهة أخري‏,‏ وهما الأساسان اللازمان لأي نهضة شعرية حقيقية‏,‏ ذلك لأنه لا يمكن الانقطاع من أجل إيجاد ممكنات جمالية وشعرية عربية جديدة دون ارتباط قوي سابق بتراثنا الشعري العربي في أفضل تجلياته‏,‏ ودون اطلاع دؤوب علي منجزات الحراك الشعري العالمي بشكوله المختلفة أيضا‏.‏
ومع ذلك لم تخل أعمال جيل الفصحي السبعيني في بداياتها من الغموض حينا‏,‏ ومن الصعوبة والاضطراب في أحيان أخر‏,‏ ربما يرجع بعض ذلك عند عدد من كبار شعرائه إلي ثراء المرتكزات الفكرية والمعرفية التي حاولوا استيعابها من فضاءات الشعر العالمي‏,‏ وتياراته الإبداعية والجمالية المختلفة‏,‏ بنجاح تارة‏,‏ وبفشل تارات‏,‏ خصوصا بعد أن قويت حركة الترجمة من الآداب العالمية إلي العربية إبان حقبتي السبعينيات والثمانينيات‏.‏
علي مستوي آخر‏,‏ كان احتفاء طليعة السبعينيات العربية بالتجريب قويا‏,‏ فساند السبعينيون قصيدة النثر‏,‏ تلك القصيدة الجديدة التي بدأت متصلة بأصول غير عربية‏,‏ بسبب ظروف نشأتها التاريخية‏,‏ وبأصول غير شعرية بسبب سيطرة الثنائية التقليدية الشعر والنثر علي الوعي النقدي السائد بصفتهما ضدين‏,‏ ولكن بمرور الوقت استقام عود قصيدة النثر المصرية‏,‏ وبات معبرا عن خصوصية جمالية قوية تفرض حضورها يوما بعد آخر علي المشهدين العربي والعالمي‏.‏
إن ما يسمي بأزمة التلقي للنصوص الشعرية الحديثة في واقعنا الثقافي كان من أسبابه مناهج التعليم في مدارسنا وجامعاتنا‏,‏ وما راكمته هذه المناهج في المخيلة الجمعية من أعمال إبداعية قليلة الأهمية‏,‏ ومتهافتة‏,‏ دون أدني تمييز بين أهمية العمل الإبداعي التاريخية‏,‏ وأهميته الجمالية‏,‏ وهذا ما أضعف الارتباط بين المقررات التعليمية‏,‏ وما تمور به الحياة الثقافية من أعمال إبداعية حديثة‏,‏ واجتهادات نقدية مجددة‏,‏ ذلك بعد أن ظل النظام التعليمي المدرسي والأكاديمي محتميا بالاتباع‏,‏ فخاف التجديد‏,‏ وابتعد عن المراجعة‏,‏ الوضع الذي أسهم في إيجاد ذوق جمالي جمعي متين لكنه عاجز في الوقت ذاته عن التعامل مع واقعنا الأدبي الجديد بمستوييه النقدي والإبداعي‏.‏
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلي مسئولية دور النشر الحكومية‏,‏ والصحافة الأدبية‏,‏ عن شيوع أدب ونقد متهافتين‏,‏ فرضا علي الجمهور‏,‏ في سوق النشر‏,‏ وعبر الصحافة الأدبية‏,‏ علي نحو أدي إلي هبوط ذوق المتلقي الأدبي‏,‏ وأذكر هنا مقولة فادحة ذكرها ميشيل بوتور في كتابه الشهير عن الرواية الجديدة حين أنشأ يقول إن أجمل النصوص الأدبية تبقي إلي الأبد ملتبسة‏,‏ وغير متممة‏,‏ لا يقدرها القراء حق قدرها‏.‏
لا يتحرك الشاعر القوي نحو الاندماج بالآخرين‏,‏ بل يتحرك باتجاه المكوث مع الذات‏,‏ وهذا لا ينفي عن كل شاعر تورطه علي نحو ما مع آخرين‏,‏ ذلك لأن التأثر والتأثير في الكتابة الأدبية بخاصة‏,‏ أمران طبيعيان‏,‏ الذي لم يتأثر هو الذي لم يقرأ‏,‏ وبالنسبة إلي الشعر‏,‏ لا يستطيع الشاعر الذي لا يقرأ أن يكتب‏,‏ لكن المهم أن تكون المحصلة كتابة شعرية لها وعيها الجمالي الخاص‏,‏ والمختلف‏,‏ لأن الشعر لا ينهض خفاقا إلا بالاختلاف‏,‏ هذا ما تعلمناه من تراثيه العربي والعالمي‏,‏ هل كان أفلاطون محقا حين عرف الشعر بأنه ذاك الذي لا يعرف إلا بنفسه‏!‏

المزيد من مقالات د. علاء عبدالهادى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.