لقد مثلت الأحداث الأخيرة التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية مجتذبا للعديد من الأقلام التي انبرت في محاولة لسبر أغوار طبيعية وأسباب التوتر الحاد الذي أضحي يخيم علي الكوريتين, بحيث ثار العديد من علامات الاستفهام حول ماقد تطويه تلك الأحداث بين ثناياها من احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية شاملة جديدة في شبه الجزيرة الكورية. والواقع أنه منذ الحرب الكورية والعلاقات بين الكوريتين تتراوح مابين القطيعة والعداء إلي الحوار والاتصال وإن كانت السمة الغالبة في تلك العلاقات هي الترواح بين شد وجذب والاتهامات المتبادلة ولعل آخرها اتهام كوريا الجنوبية للشمالية بتفجير سفينتها الحربية شيونان بالبحر الأصفر ومقتل64 من جنودها مطلع هذا العام. وبصفة عامة يبدو من قراءة المشهد التاريخي للأحداث أن شبه الجزيرة الكورية سيظل بؤرة متجددة للصراع بالرغم من أن الكوريين قد ظلوا في تعايش سلمي لفترة طويلة قدرت بنحو0031 عام كأمة واحدة متجانسة تتسم بالتشابه في اللغة والعادات والتقاليد إلي أن تم إنشاء دولتين منفصلتين في جنوبي وشمالي كوريا عام8491 يفصلهما خط عرض.83 فعلي الرغم من توقف المواجهات الأيديولوجية مابين الشرق والغرب علي نحو ماكان سائدا إبان الحرب الباردة فقد ظهرت المانيا الموحدة واليمن الموحد, إلا أن الوضع بين الكوريتين لا يزال بالغ التعقيد, بحيث أضحي من الصعب التكهن بإمكانية تصفية الأجواء في شبه الجزيزة الكورية علي الأقل في العقود القادمة. ولعل مما يدعم تلك النظرة التشاؤمية لمستقبل العلاقات بين الكوريتين وجود عدد من العراقيل والمعوقات التي قد تحول دون حدوث أي تصالح حقيقي بين الدولتين. ويمكن القول إن من أبرز تلك المعوقات الشك المتبادل فيما بين الدولتين, حيث يعد الشك مكونا أصيلا في الثقافة السياسية الكورية, فقد تأصلت هذه السمة في التاريخ والثقافة الكورية بل كان الشك أساس هذه العلاقة ومن ثم فيمكن القول أن الحرب الكورية كانت نتاجا لهذا الشك. فقد بات من الصعب أن يستطيع أي من الطرفين الشمالي والجنوبي التغلب علي عدم الثقة في مدركات كل طرف تجاه الآخر, خاصة بالنظر إلي الخبرة التاريخية في تراث كل من الدولتين, فقد انخرط كل طرف في انتقاد عنيف لسياسة نظام الطرف الآخر خلال فترة تاريخية طويلة مما عمق من عنصر عدم الثقة والشك بين الطرفين, سواء علي صعيد علاقات الحكومتين التي حفلت بالمواقف المعادية والمتناقضة أو علي صعيد الشعبين نظرا للتشويه المتعمد والفادح لحقائق الماضي بالإضافة إلي التعليم الذي فرض قيما واتجاهات تتفق مع اتجاهات النظام السياسي لكل منهما إزاء الآخر. وبالتالي يمكن القول أنه في ظل سيادة سوء الفهم وسوء الادرك وعدم الثقة بين الشعبين وبين الحكومتين فإن احتمالات التعاون والحوار بين الشمال والجنوب تتراجع وقد تنعدم في المستقبل القريب. من ناحية أخري يمكن القول أن مصالح البيئة الإقليمية والدولية لاتشجع إجراء التئام لجسد كوري موحد. فعلي الرغم من عدم مصلحة أي طرف إقليمي أو دولي السماح ينشوب حرب بين الكوريتين قد تتوسع لاحقا لتشمل أطرافا إقليمية ودولية شتي بحكم تشابك التحالفات الجيو أستراتيجية بين كل من شطري كوريا من جهة وأطراف إقليمية ودولية أخري من جهة ثانية, إلا أن البيئة الإقليمية والدولية أثرت تأثيرا بارزا في اتجاه تزايد حدة الخلافات وتعميق الانقسام بين الكوريتين. فاليابان علي سبيل المثال التي تعد أقرب دولة لكوريا الجنوبية من الناحية الجغرافية وأبعد دولة من الناحية السيكولوجية نجد أن مصلحتها المباشرة تقتضي عدم وجود كيان كوري موحد في شبه الجزيرة الكورية خوفا من أن يحدث تحول في ميزان القوي بالمنطقة, باعتبار أن كوريا الجنوبية هي مفتاح منطقة شمال شرق آسيا من الناحية الجيوسياسية. كما أن كوريا علي حد وصف بعض المحللين السياسيين تمثل خنجرا يهدد سلام واستقرار اليابان استنادا إلي الاجتياح المنغولي في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الذي تدفق من شبه الجزيرة الكورية نتيجة لاعتبارات التجاور الجغرافي. وهو الأمر الذي ظل عاملا حاسما في تحديد السياسة الخارجية اليابانية في المنطقة إلي اليوم. علاوة علي ذلك فإن كوريا الجنوبية تتحكم في مضيق توشيما الذي يعد الممر المائي الحيوي للأسطول الروسي في منطقة الباسيفيك الأمر الي يجعل وجود نظام حكم مستقر في كوريا الجنوبية ومتعاون مع اليابان متطلبا أساسيا للأمن الياباني. وبخصوص الصين يمكن القول إن السياسة الصينية الحالية تعمل من أجل أن تكون منطقة شبه الجزيرة الكورية بحالتها الانقسامية الحالية, باعتبار أن كوريا المقسمة تقدم أرضية ملائمة تمكن الصين من التعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تمثل القوة الخارجية الأولي المؤثرة علي أمن الصين ومصالحها الاقتصادية. أما من جهة الولاياتالمتحدةالأمريكية فيمكن القول إن المصالح الأمريكية في تلك المنطقة تقتضي الحفاظ علي استقرار وأمن الدول الموالية لها في هذه المنطقة أضف إلي ذلك ضرورة إزالة مصادر التوتر الممكن واحتوء أي تسلل لأي قوي معادية إلي المنطقة واحتواء الأعداء المحتملين, وإذا كانت الشيوعية والنفوذ السوفيتي قد مثلا الأعداء المحتملين في مرحلة الحرب الباردة بحلفائها في المنطقة( الصين وكوريا الشمالية) فإن مرحلة مابعد الحرب الباردة قد تركت المنطقة في حالة من الفراغ الاستراتيجي الذي تسعي الولاياتالمتحدة للتعامل معه بشكل أو بآخر. وإجمالا يمكن القول أن كلا من البيئة الداخلية والإقليمية والدولية ليست في صالح قيام كيان كوري موحد, وإنما يبقي الانقسام وتباين وجهات النظر بين الكوريتين, خاصة إذا كانت المناوشات العسكرية بين الجانبين يمكن السيطرة عليها واحتوائها قبل أن يتسع نطاقها. وفي هذا الإطار سارعت القوي الإقليمية والدولية باستنكار التوتر العسكري الأخيري بين الكوريتين مطالبة بممارسة أقصي درجات ضبط النفس, والامتناع عن أي خطوات تصعيدية. كما أعلنت الولاياتالمتحدة دعمها لحليفتها التقليدية كوريا الجنوبية وعزمها إجراء مناورات بحرية مشتركة في الفترة القادمة. صفوة القول أن الضربة العسكرية الأخيرة التي وجهتها كوريا الشمالية لجزيرة منعزلة تابعة لكوريا الجنوبية قد تكون ناتجه عن رغبة النظام الحاكم في كوريا الشمالية صرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها البلاد في وقت تجري فيه الاستعدادات لنقل السلطة من الأب كيم جونغ ايل إلي الابن كيم جونغ اون وقد تكون مدفوعة برغبة كوريا الشمالية في تعزيز موقفها التفاوضي عند استئناف المحادثات السداسية الخاصة ببرنامجها النووي.