كان آخر شيء تريده مصر في هذه الأيام, هو هذا الاشتباك الذي نشب في أول شارع الهرم أمام مبني محافظة الجيزة, وتحت سمع وبصر كل الفضائيات العالمية. بصراحة, كان المشهد يبعث علي الأسف والخجل, وتساءل الجميع هل يمكن أن يحدث كل هذا من أجل بناء كنيسة. ا1ب إذا افترضنا جدلا أن المسيحيين في مصر سوف يستخدمون المارد الموجود في مصباح علاء الدين لكي يشيدوا في غمضة عين, ألف كنيسة, تري هل سيترتب علي هذا ان تنتقل الغالبية العظمي من المصريين من الإسلام إلي المسيحية؟ فإذا كانت الإجابة هي الاب وبالفم المليان.. فما الضرر في أن يقرر الاقباط بناء كنيسة واحدة في حي العمرانية بالجيزة؟ الإجابة أيضا, وبالفم المليان يجب أن تكون هي لا ضرر علي الإطلاق. أما كل ما يقال, عن التصاريح ومخالفات البناء, فأغلب الظن, أن هذا كلام غير جاد, لماذا؟ لأن عدد مخالفات المباني في محافظة الجيزة يفوق الحصر, أي أن هذه المخالفة ليست هي الجريمة التي ستشوه وجه مصر الجميل, وتؤذي مبادئ التنسيق العمراني والتناسق الجمالي, كما أن هذه الكنيسة لن تكون هي التي ستؤدي إلي إصابة شارع الهرم بحالة انسداد مروري, بحيث إن حالة السيولة الموجودة ستضيع وتتبدد بسبب تكدس السيارات. ثم من الذي يصدق ان أجهزة البيروقراطية المصرية فوجئت ذات صباح بأن مبني خدمات مطرانية الجيزة قد صار له اقبةب وأن هذه القبة, هي المقدمة لكي يتحول الي كنيسة؟ ألم ترتفع هذه القبة, يوما بعد يوم, ومعها المبني, بحيث صار إلي ما هو عليه الآن؟ ا2ب لماذا لم تلجأ سلطات المحليات مثلا إلي الاتصال بأسقف الجيزة, أو حتي بالبطريرك البابا شنودة الثالث نفسه؟ مجرد محاورة تليفونية وتفاهم أو زيارة لمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية. كانت تستطيع أن يكون لها مفعول السحر, كان يمكن للمسئول في هذه الزيارة, أو تلك المكالمة أن يطلب تأجيل إكمال البناء إلي ما بعد الانتخابات وكان يستطيع أن يتقدم بكل ما عنده من أسباب تبرر عدم الاستمرار في البناء, أو حتي الرفض الكامل. ولكن هناك فرق, بين أن يتم هذا في حوار وجها لوجه, تتوافر له شروط الندية والاحترام المتبادل علي مستوي عال, وبين أن يتم هذا الاتصال علي مستوي أقل. تصور فقط, أن مثل هذا الاتصال, أو بمعني أصح, هذا الجهد, كان كفيلا بأن يجنب الناس ذلك المشهد المحزن والمؤسف. الذي تزاحم فيه الناس من كل حدب وصوب حول مبني محافظة الجيزة وقوات الأمن التي هرعت الي حمايتها, وبدا الأمر كما لو كانت هناك حرب. وآلاف السيارات والاتوبيسات التي تكدست في شارع الهرم, ولم تستطع الحركة لساعات طوال, كم ألف ساعة عمل أهدرت؟ كم مصلحة تبددت؟ كم طالبا وتلميذا لم يذهبوا الي جامعاتهم ومدارسهم؟ كم مريضا توفي بعربة الأسعاف التي لم تستطع أن تتحرك؟ ثم هؤلاء الأخوة والاشقاء الذين أصيبوا في هذه الاشتباكات سواء المتظاهرين أو الشرطة, فضلا عن اللذين توفاهما الله, ومن تم حبسهم..; كم يساوي كل هذا؟ فضلا عن نفقات قوات الأمن.. وتلفيات المباني, ناهيك عن أثر نقل الصور البائسة لهذه الأحداث التعيسة إلي شتي بقاع العالم عبر الفضائيات والانترنت. ا3ب أيهما أرخص, وأوفر, وأعقل للبشر والمجتمع والدنيا والناس؟ الاتصال والحوار والتفاهم,.. أم صم الأذن والصدام؟ أيهما أليق بمقام بلادنا وبنا؟ وكل هذا من أجل ماذا؟ ثم لماذا لا يكون هذا الحادث المأساوي سببا يجعلنا نبادر فور عقد مجلس الشعب الجديد الي اصدار القانون الموحد لدور العبادة؟ لماذا لم نصدر القانون برغم أن مشروعه موجود لدينا بكل مواده في الأ دراج؟ ثم ما هي المشكلة في أن نفرض علي كل من يريد أن يبني جامعا أو كنيسة أن يبني الي جواره أو جوارها مدرسة أو مستشفي؟ ألا يوجد عقلاء في هذا البلد ينظرون فيما ينفع الناس ويفيدهم ويقررون فيه قرارهم؟ باختصار علينا أن نعترف بأنه مادام مبدأ المواطنة ينطبق علي المسيحي كما ينطبق علي المسلم, فإنه يصبح للاثنين ذات الحقوق والواجبات ولذلك فإذا أراد المسيحي أن يبني كنيسه فله كل الحرية في هذا كالمسلم الذي يريد أن يبني مسجدا. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن