استنكرت قيادات الكنيسة المصرية اليوم الأربعاء المواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مسيحيين في حي الهرم بمدينة الجيزة المتاخمة للعاصمة المصرية القاهرة والتي أسفرت عن سقوط قتيل وإصابة 41 شخص واعتقال نحو مائة متظاهر. وقال مصدر بالكنيسة لوكالة الأنباء الألمانية إن البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مصر أعلن رفضه التام لتلك الأحداث، وطالب قيادات الكنيسة بالتحرك وتهدئة الأوضاع ومنع تفاقمها.
وكانت مصادر أمنية مصرية قالت إن اشتباكات وقعت اليوم بين قوات الأمن المصرية ومتظاهرين مسيحيين يحتجون على وقف البناء في كنيسة بمحافظة الجيزة، كما اندلعت مصادمات بين مسلمين ومسيحيين في حي العمرانية بالجيزة، حيث تراشق الجانبان بالحجارة.
وتوفى متظاهر مسيحي متأثرا بجراح أصيب بها في الاشتباكات التي جرت أمام مبنى محافظة الجيزة، وشهدت أيضا إصابة نائب مدير أمن الجيزة ومساعد مدير قوات الأمن المركزي بالمنطقة إضافة إلى خمسة ضباط وعشرين جنديا.
وحاول بعض المتظاهرين الذين بلغ عددهم نحو 3000 شخص اقتحام مبنى محافظة الجيزة احتجاجا على منع السلطات المحلية استكمال بناء مبنى تابع لكنيسة العذراء في حي الهرم، وألقوا بالحجارة وحطموا سور مبنى المحافظة كما أحرقوا عددا من السيارات.
وعزت مصادر أمنية اشتعال الأحداث إلى قيام مسئول كنسي في المنطقة بتحريض مئات المسيحيين على منع تنفيذ قرار إداري أصدره المحافظ بوقف بناء كنيسة تشيد من دون ترخيص في حي الطالبية مع تشكيل لجنة لدراسة القضية.
لكن المسئولين عن الكنيسة واصلوا عمليات البناء متجاهلين قرار المحافظ، وعندما ذهبت قوات الأمن لتنفيذ القرار تصدى لها مئات المسيحيين ورشقوهم بالطوب والصلبان الخشبية التي يحملونها إضافة إلى زجاجات حارقة، في حين استخدمت الشرطة العصي والقنابل المدمعة.
وقال مصدر أمني إن الشرطة حاولت تفريق المتظاهرين بعد أن أغلقوا لنحو ساعتين شارع الأهرام الحيوي الذي يؤدي إلى المنطقة الأثرية غربي القاهرة.
تراكمات سياسية وفي تعليقه على الأحداث، استغرب نجيب جبرائيل رواية السلطات المصرية وقال إن الأحداث التي وقعت اليوم كانت نتيجة تراكمات السياسة المتبعة خاصة عدم إيفاء الحكومة والحزب "الوطني" الحاكم بوعودهما الداخلية والدولية فيما يخص طرح قانون بناء دور العبادة الموحد على مجلس الشعب.
وأكد أن الحزب "الوطني" الحاكم فقد قيمته ومصداقيته لدى الشارع المسيحي وأن هناك دعوات كبيرة لعدم التصويت لصالحه في الانتخابات القادمة.
وانتقد المحامي المصري السياسة التي اتبعها مسئولو الحزب الحاكم في التعامل مع هذه التطورات، وتساءل "كيف أثق في مرشح اعتدى علي في هذه الأحداث".
ضبط النفس في المقابل، دافع مساعد وزير الداخلية السابق اللواء محمد نور الدين عن تدخل الأجهزة الأمنية التي سقط في صفوفها عدد من المصابين، وقال إنها تدخلت بأقصى درجة من ضبط النفس طبقا للتعليمات الواردة في التعامل مع المواجهات التي تكتسي صبغة طائفية.
وأكد نور الدين في حديث مع الجزيرة أن سقوط جرحى في صفوف قوات الأمن أمر لا يحدث حين مواجهتها للخارجين عن القانون.
وفي رؤيته لحل هذه المشكلة، دعا اللواء السابق كل أجهزة الدولة للتدخل لحل الخلاف المطروح وشدد على ضرورة ألا يتحول الصراع إلى مواجهة بين الشرطة وأبناء الكنيسة وكلاهما ينتمي إلى نفس البلد، حسب تعبيره.
الكنيسة والسياسة من جهة أخرى يرى الباحث السياسي عمار علي حسن في الأحداث بعدا إيجابيا يتمثل في تظاهر المسيحيين أمام مبنى محافظة الجيزة وليس داخل الكنيسة كما اعتادوا من قبل.
وذكر أن المشاكل القانونية المرتبطة ببناء الكنائس "هي مشاكل ممتدة في التاريخ المصري الحديث وليست وليدة اللحظة".
وفيما يتعلق بدوافع هذه المواجهات، قال الباحث السياسي إن المسيحيين رأوا أن "الظروف المرتبطة بالانتخابات عامل يشكل ضغطا على السلطة، ومن ثم قاموا بالاحتجاج في هذا التوقيت".
وأضاف أن خروج هؤلاء المسيحيين يأتي ضمن السياق الحالي الذي تعيشه مصر، وهو سياق يعرف تضييقا على الأحزاب السياسية مما حول الكنيسة إلى منبر سياسي يعبر عبره المسيحيين عن آرائهم السياسية في ظل تراجع الأحزاب والنقابات والمجتمع الأهلي.
مع ذلك، قال إن تحول الكنيسة الى هذا الدور هو "خطأ متبادل بين السلطة التي كبلت الحياة السياسية وبين المسيحيين الذين يعتقدون أنه بإمكان منبر ديني أن يمارس السياسة".
كما حمل أطرافا أخرى دخلت على الخط مسئولية ما يقع، مشيرا إلى التقرير الأمريكي الأخير حول حرية الأديان، الذي انتقدت فيه واشنطن حرية التدين في مصر.