انتهى أكبر موسم إسلامى بانتهاء مناسك الحج والعمرة، وعاد الحجاج بسلامة الله إلى أوطانهم بحج مبرور وسعى مشكور بإذنه تعالى، وبقى فى ثرى الأرض المقدسة من عادوا إلى ربهم، وقد رضى عنهم واختارهم لدار الخلود والنعيم المقيم. ولا يماري أحد في أن الأجر علي قدر العمل, وما فيه جهد وإخلاص ورحلة الحج رحلة مضنية بدنيا وماليا.. ولكن يقلل من عنائها النية الصادقة للحجاج بأنهم في هجرة إلي الله ورسوله, حيث بيت الله الحرام, أول مسجد في الإسلام نشد إليه الرحال والصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره وحيث الكعبة المشرفة التي ارتضاها الله قبلة لرسوله وللمسلمين: فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره, وحيث جبل عرفات والوقوف في نفس الأمكنة التي شرفها نبي الأمة صلي الله عليه وسلم وأصحابه الأبرار وحيث المسجد النبوي والروضة الشريفة والجسد الطاهر.. حتي إذا أتم الحجاج هذه المناسك وعاشوا هذه المشاهد الإيمانية ذهب الاجهاد وهان الغالي وامتلكوا في أيديهم وقلوبهم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة, ورجعوا إلي بلادهم وأسرهم وكأنهم ولدوا من جديد بل هم كذلك بالفعل تصديقا لقول نبيهم صلي الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. وحتي يحتفظ كل حاج بحجته علي قدر ما يستطيع فإن عليه أن يحيي دائما هذه المشاعر في روحه وقلبه وسلوكه وعمله وعلاقته بالله, وبالناس في مجتمعه مطبقا في ذلك قول نبيه محمد. صلي الله عليه وسلم: البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ماحاك في الصدر وخشيت أن يطلع عليه الناس, فكل عمل طيب تستريح له النفس وتطمئن, ولو ظهر للناس يحمدونه ولا يجدون فيه غضاضة, أما الإثم حين يقع فيه صاحبه فإن صدره يضيق به ويخاف أن يطلع عليه الناس. وهكذا.. فإن علي حجاج المسلمين أن يضعوا هذا الحديث نصب أعينهم حتي يحتفظوا بطهارة ونقاء نفوسهم وقلوبهم وعقولهم, والاحتفاظ معها برضا الله ورسوله ورضا الناس أيضا.. وعلي كل حاج كذلك أن يضع في قلبه وعقله وفي كل تصرفاته قول النبي صلي الله عليه وسلم: اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.