في المنيا عروس الصعيد حركة أدبية وثقافية ناهضة, ارتبطت لسنوات طويلة بالجامعة, التي كان لها فضل رعايتها في مهدها, حتي نمت وترعرعت, وبثت اشعاعاتها علي مختلف مدن المحافظة ونجوعها. ولأسباب لا نعلمها, تواري دور الجامعة أو تقلص, واختفت نشاطات رائدة كان لها فضل اكتشاف المواهب ورعايتها, وأبرزها مهرجان د. طه حسين السنوي. وفي ذكري العميد, ومن منطلق اهتمامها بمتابعة الحركة الثقافية والأدبية في محافظات مصر, تنشر أدب لقاء أجرته مع مجموعة من مثقفي المنيا وأدبائها ومثقفيها من مختلف الأطياف والأجيال لاستطلاع آرائهم فيما هو كائن, وما ينبغي أن يكون للنهوض بالثقافة والأدب في المنيا, مسقط رأس عميد الأدب العربي د. طه حسين, بخاصة والصعيد بعامة. في البداية تحدث الأديب د. جمال التلاوي, أمين عام مؤتمر أدباء مصر, مرحبا بالأهرام ومشيدا بمبادرتها للالتقاء بأدباء الصعيد, ومؤكدا أن مثل هذه اللقاءات تفوق نتائجها الإيجابية ما يمكن أن يخرج به مؤتمر للمثقفين, لأن اللقاء يلقي ضوءا علي محافظة مصرية لا تجد اهتماما في خضم انشغال القائمين علي الشأن الثقافي بالقاهرة والإسكندرية واختزالهم مصر في هاتين المحافظتين دون غيرهما, وتناول د. التلاوي جهود فرع اتحاد الكتاب في المحافظة, الذي استطاع خلال6 سنوات من تأسيسه, وبرغم ضآلة موارده, أن يمد نشاطاته لنشر الوعي الثقافي بالتعاون مع نادي الأدب بالمحافظة إلي القري والنجوع عبر ندوتين أسبوعيتين, وأن يسهم في إصدار سلاسل كتب مثل نفرتيتي التي صدر منها120 إصدارا والجنوبي, لكن الامكانات الهزيلة حالت دون استمرار صدورهما مما سبب إحباطا كبيرا للأدباء الشباب الذين كانت نفرتيتي والجنوبي بمثابة المتنفس لابداعاتهم. ويلتقط مختار عبد الفتاح رئيس نادي الأدب في المنيا خيط الحديث منوها بوفرة المواهب التي اكتشفها النادي في سعيه لمد جسور عطائه إلي القري والنجوع ومراكز الشباب, وهي مواهب تمتلك الذائقة الأدبية وأدواتها الفنية, وبرغم ذلك لا تجد التشجيع بإيصال إبداعها إلي أكبر عدد من الجمهور. ويرجع مختار عدم فاعلية الجهود المبذولة للارتقاء بالواقع الثقافي في المحافظة إلي تراجع دور الجامعة, وعدم تعاون بعض المحافظين, ووضعهم الثقافة والإبداع في آخر قائمة اهتماماتهم, وبرغم ذلك فإن النادي يسعي في حدود امكاناته يستدرك مختار عبد الفتاح إلي تبني مجموعة إصدارات جديدة تعوض غياب نفرتيتي والجنوبي, حيث يجري الإعداد لإصدار معجم لأدباء المنيا منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين وإلي اليوم, وكتاب مختارات لأدباء المنيا الذي ضم أبرز ما كتبه أدباء المحافظة خلال الأعوام الثلاثين الماضية. ويتفق د. شعبان عبد الحكيم أستاذ النقد الأدبي رئيس نادي الأدب في سمالوط, وعضو اتحاد كتاب مصر مع ما قيل عن تراجع دور الجامعة وأثره علي الحركة الثقافية, ويتساءل: لماذا لا يكون هناك تكامل بين الجامعات والحركة الأدبية علي مستوي محافظات مصر؟ ويطالب بحل لمشكلة نشر الإبداعات بإيجاد لجنة مركزية للنشر علي مستوي المحافظة, مع زيادة الدعم المادي للاصدارات. وتشير القاصة ريهام حسني المعيدة بكلية آداب المنيا إلي حاجة الأدباء الشباب إلي من يحتضنهم ويوجههم ويهتم بهم, حتي لا يموت الانتماء في داخلهم وتتساءل في تعجب: كيف يمكن أن نجذب الشباب إلي الإسهام والمشاركة في الحياة الثقافية, بينما قصور الثقافة وبيوتها في المنيا تعاني نقصا شديدا في الامكانات ومعظمها عبارة عن حجرتين تخصص أولاها للمدير, والأخري مكتبة!! والأدهي أن بعضها مغلق منذ عشر سنوات!! ويتساءل صادق أبو العيون برسوم من كتاب أدب الطفل عن معني المواطنة, وكيف نرسخه في أذهان الصغار, حين يرون أن أبناء القاهرة والإسكندرية يعاملون كمواطنين درجة أولي, وباقي المحافظات درجة ثانية. ويطالب أحمد أبو بكر عضو نادي أدب المنيا بأن يتوافر بالمحافظة معرض دائم للكتاب, ومنفذ لبيع إصدارات هيئتي الكتاب وقصور الثقافة. ويطالب عصام السنوسي سكرتير نادي الأدب د. أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة بالتدخل عبر وضع ضوابط تحول دون تدخل رؤساء الأقاليم الثقافية في أعمال الأدباء علي أساس أن تدخل غير المتخصص فيه ضرر للمبدع والإبداع. وتطرق السنوسي إلي نقطة مهمة, وهي سوء توزيع بنود الميزانيات, التي تساوي في العطاء بين ناد يضم خمسين أديبا أو أكثر, وآخر لا يضم سوي عشرة أعضاء, ومع ذلك يصرف لكل منهما3 آلاف جنيه, ويضرب مثلا لتخبط السياسات بعدم اكتمال إنشاء مسرح ثقافة المنيا, الذي لايزال قيد الإنشاء منذ قرابة ربع قرن!! أما القاص سعيد عوض فيعاتب الصحف المصرية علي تقليص الصفحات الأدبية فيها, وعدم اهتمامها بالشأن الثقافي, ويتساءل: من سيقرأ إبداعات الأدباء ما لم تنشرها الصحف والمجلات أو تهتم بها وسائل الإعلام الأخري من إذاعة وتليفزيون؟ ويعضد الشاعر عثمان أحمد الرأي السابق مؤكدا أن القناة السابعة في التليفزيون والخاصة بالصعيد غائبة تماما عن أدباء المحافظة, ويضيف القاص محسن خيري أن هذا يبرر أسباب انصراف الناس عن الأدب, وبخاصة مع انشغال الفضائيات بأمور لا قيمة لها, ويرد الشاعر أحمد ناجي ضاحكا: لعل هذا أيضا ما دفع الأدباء إلي منتديات الأدب علي الشبكة العنكبوتية, برغم كثرة المحاذير وأبسطها السرقة الالكترونية.