الإنسان موضوعي المفضل من أول أحلام صباه مرورا بسقف طموحاته وبعض انكساراته حتي امتثاله امام صندوق المصير في الانتخابات. هذا الكائن الحي القوي, الضعيف, الثائر, الخانع, الناعم, الشرس, المقتحم, الجبان, الجسور, الخائف, الطماع, القنوع, الذكي, الغبي, الفقير, الغني, العالي, الواطي, الراقي, المتخلف. هذا المخلوق( جامع المتناقضات) يستهوي قلمي للابحار في بحاره وبحياته وجزره النائية وشواطئه المزروعة بالورد أو بالصبار! لا أحد مثالي ولا بشبه مثالي لأننا بشر ولسنا انبياء. لا أحد معصوم من الخطأ ومن لا يخطئ ليس بشرا. نحن نعمر هذا الكون ونملأ كوكب الأرض ضجيجا. أوجدنا القانون لننهي افعال الغابة. اوجدنا العدل لنحمي الضعفاء من الظلم. اوجدنا الحكام لنكون الرعية. اوحدنا السياسة لننظم الموت بالسكين أو بالسكتة! الكل يستوي, العظيم مثل الصعلوك, لكل منهما نوعية من المسرات او الاحزان. والفلاح البسيط المهمش لا يخاف علي شيء, لا تاريخ ولا سمعة ولا مال او سلطة, وربما كان اكثر سعادة. وقد تنقلت سعادته الي منتهي التعاسة إذا جرفت سيول الشتاء مآواه.. ولا تملك أدق اجهزة الاشعة حتي المقطعية منها ان تقدم للأطباء صورة لمسراتي او احزاني. ولكن الثابت ان هذه المسرات والاحزان تحكمني مثلما تحكمك وتلون تصرفاتي ورؤيتي للأشياء وتمنح دستورا غير مدون مع الآخرين. وفي الحياة نقابل من يوافق علي دساتيرنا او يرفضها وهذا هو سر الشقاء الانساني, وسر شقاء بعض الانظمة السياسية حين ترفض ان تتلاقي مع دساتير شعوبها ان كل انسان في الوجود يبحث عن شيء ما. ولو كف الانسان عن البحث.. دخل في الخريف الموت, إن من يملك المالك يشتاق للسلطة ويبحث عنها. ومن يملك السلطة يحن للمال وقد تتوحش رغبته للحصول عليه. ان الحاكم تراوده الرغبة ان يكون فيلسوفا,والفيلسوف يود لو كان حاكما. النفس كالارانب المذعورة يسيطر عليها الخوف أن تفقد المحصول التي جنته وتحملت الأذي والاشواك. الكل( يخافون) من الفقدان. لا احد فوق الخوف. ومن يدري ؟ ربما كان الخوف ان تفقد, هو محرك الحياة وباعثها وسر فلسفتها. ان وراء العيون أجندات النفوس وتطلعاتها واشتباكاتها. اننا نريد الحنان لأنه واعتذر عن التشبيه زيت تشحيم الموتور. فالجفاف الانساني يحول البني آدام الي ثور في ساقية أو طاحونة زيت السمسم التي رأيتها في اسنا بصعيد مصر. اري الانسان الذي يفتقد الحنان ثورا معصوب العينين يلف ويدور دون توقف او ملل! قد تكتمل عناصر المتعة في حياتك وينقصها لمسة حنان. وعند اقلاع اول نسمة حنان تهب وسط هجير الصحراء, تتهاوي القلاع! انا اعتبر الحنان من مسرات الحياة, وليس بالضرورة ان يكون الحنان صادرا من امراة. صحيح انه نبع مهم ولكن التقدير الادني الذي يحصل عليه من الناس هو لون من الوان الحنان الذي يبقي في الروح. ان عقولنا تجلس علي دفة مراكبنا تقودنا في بحار الحياة دون صدام. عقولنا تتوقع الاخطار والسيناريوهات السيئة, فلا تهز الصدمات الجوهر والكيان. كم من بشر صنعت الصدمات صلابتهم وحولت كوارثهم الي طاقة بناء, لانهم يمارسون رياضة مصارعة الزمن.. اننا نريد الأمان لنبدع في الحياة ونعزف علي أوتارالسعادة مهما كانت قيمة نسبية وطعمها عندي غير مذاقها عندك. ولكن أمان الفرد في دولته وأمانه في عمله وأمانه في عائلته وستره المادي والصحي من مسرات العمر. ان نصف الستر قناعة داخلية ورضا. ويبقي في ثلاثية الحياة: النسيان! حين ننسي جحود الآخرين واساءاتهم تخضر الارض بعد جفاف وينبت الياسمين محل الشوك ولكن النسيان قدرة وتركيبة انسانية. ففي بعض الاحيان تظل الاساءات داخل الحلق خضراء وتنغص عملية الهضم! ان استدعاء مسرات الانسان تساعد علي(Delate) محو الرسائل السيئة من علي شاشة النفس. الامر يحتاج الي ارادة وسعة صدر وفهم عميق ناضج للحياة, ذلك ان الاشتباك وارد في التعاملات البشرية. حقا ان وقود موتور سيارة الحياة هو الفهم وبدونه تتعثر علي الطريق. تذكر(!) ان النسيان هو كالسيوم عظام الذاكرة التي تقاوم الهشاشة للذكريات السيئة, وقد تتآمر عليك اشياء توقظ ذاكرتك من اغفاءة النسيان. كم يشقي الانسان بذاته وكم يتذوق قطرات سعادة عمرها قصير. وكم يقضي العمر باحثا عن خيمة حنان او غيمة آمان او امطار نسيان!