المأساة التي عيشها في سيناء, لم تحرك ساكنا لدي مقدمي البرامج الاخبارية أو التوك شو.. أما عندما يتظاهر عشرات الأفراد في القاهرة أو في إحدي القري المجهولة بإحدي المحافظات فإن الفضائيات تركز عليها. وذلك لايجاد رأي عام قد لا يكون صحيحا حول مشكلة ربما تتعلق بتظلم بسيط من قرار إداري خاطئ. هكذا بدأ الحاج مجمود أبوعيطة كلامه متعجبا.. هل المأساة والنكبة التي نعانيها في سيناء التي لم تحرك ساكنا لا تستحق أن تنقلها الفضائيات لبقية المصريين, لحثهم علي مد يد العون لإخوانهم في سيناء, ويواصل الشيخ محمود الذي تخطي عمره السبعين عاما الذين قتلوا بسبب السيول أو من تهدمت بيوتهم البسيطة أو من تلفت زراعاتهم هم مواطنون مصريون لهم نفس الحقوق في التعبير عن مأساتهم.. ورغم أن السيول لم تسبب له أي خسائر إلا أنه يشارك في دعم المنكوبين علي طريقته الخاصة, إذ أنه فتح ديوان عائلته أمام من فقدوا منازلهم بمدينة العريش.. الأستاذ أحمد عودة أمين عام المجلس المحلي لمحافظة شمال سيناء أغرقت السيول منزله, رغم أنه ليس من سكان مجري السيول, ولكن الاشغالات التي امتلأ بها وادي والعريش من مبان وعشش وأسواق تسبت في خروج السيل عن مجراه, فغرقت منطقة عاطف السادات عن بكاملها التي تضم مئات المنازل, ويواصل السيل جاء كالقدر.. مياه هادرة ملأت منازلنا خلال أقل من ساعة.. كان الوقت ليلا, وانقطع التيار الكهربائي.. في الظلمة الحالكة خرج الرجال والنساء والأطفال لا يعرفون أين يتجهون, فكل ما حولهم يغرق, حتي منازل كبار الموظفين في المحافظة والجهات السيادية, ويضيف في بداية الأمر أخذتنا الحماسة والشهامة وحاولنا انقاذ ما يمكن انقاذه, ولكن مع نهاية الليلة الأولي خارت قوانا, وطبعا انتظرنا تدخل المسئولين وطال انتظارنا, ولكن لا حياة لمن تنادي المياه والوحل أحاطا بنا من كل جانب وفقدنا حتي القدرة عن الشكوي, كل ما ادخرناه ضاع أو تحطم, والعوض علي الله.. ويحكي أحمد عبدالمجيد عن مأساة التكدس في إحدي المدارس كبديل عن المنازل المنهارة, فيقول والدموع تملأ عينيه: لم يتوقف الأمر علي المبيت لعدة أيام خارج منازلنا, لم تشعرنا المساعدات الغذائية التي قدمت إلينا بالشبع, فلا طعم للأكل مع الذل.. بالأمس فقط كان لدينا منازل مفروشة ومجهزة أمام اليوم.. فإننا ننتظر من يطعمنا في البرد القارس, لا أتصور كيف مرت علينا الليالي ونحن نري أطفالنا تتألم من البرد, وسألني: ماهي مشاعرك عندما يتكدس فقراء المدينة حول المدرسة للحصول علي أغذية وأغطية رغم أنهم لم يضاروا من السيول؟! وماهي مشاعرك عندما تعيش عدة ليالي لا تملك فيها قرشا وأحدا؟! أما آية فهمي فتاة في إحدي المدارس الثانوية, فقالت: بصراحة أنا مكنتش بروح المدرسة لا أنا ولا زميلاتي قبل السيول, ولكن بعد السيول معدناش عارفين نروح الدرس, والمدرسين الخصوصيين معرفوش بيجوا لنا.. أما المأساة فهي أننا لم نجد حتي الخبز, فقد توقفت أفران المنطقة لعدم كفاية الدقيق ربما, أو لعدم حضور عمال المخبز.. ومع ذلك فقد قامت مديرية الأمن ببذل جهود كبيرة لتشغيل فرن الريسة رغم المصاعب الكبيرة. السيدة هدية لا تفعل مثل غيرها وتحذر من السيول التي ربما تأتي خلال أيام, ولكنها تحذر من توابع السيل الذي مضي عليه9 أيام وتقول: لقد تشربت جدران المنازل بالمياه, والأرض هنا رملية مما يعني أنه خلال أيام أو أسابيع ستنهار منازل جديدة, وتحذر من الاعتماد علي تقارير لجان الحصر التي باشرت عملها الآن, لأن خسائر كبيرة تالية ستحدث فيما بعد, الحاج محمود أبوملحوس شيخ مشايخ فلاحين وادي العريش يبكي ولا ينقطع بكاؤه فقد رأي بعينيه أشجار الزيتون بالمئات تقتلع وتذهب مع المياه إلي حقب البحر المالح, كما يقول عم محمود لم يكن يتصور أبدا أن تموت الجمال والخراف صرعي أمام المياه العذبة التي أتي بها السيل, عم محمود يقسم بالله أن ناقته أطلقت صيحات التحذير التي لم يدركها أحد إلا عمه الذي يزيد عمره عن تسعين عاما, قبل وقوع السيل بعدة ساعات المآسي كثيرة لم ينجح منها أحد حتي غير المضارين والقصص بالآلاف بعدد من كان يسكن مدينة العريش في هذه الليلة بحيث لا يمكن سردها علي مرة واحدة, ولكن كل من تحدثت معهم وآخرهم المهندس الكاشف محمد الكاشف عضو مجلس الشعب السابق, يبدون استياء كبيرا من القنوات الفضائية وبرامج التوك شو التي لا تنقل من سيناء إلا ماهو سلبي سواء علي الحدود أو داخل الجبال البعيدة. عبدالله الصعيدي, تاجر ملابس مستعملة وصاحب عريشة في مجري السيل, أبدي دهشته ممن يحملون المواطنين الغلابة مسئولية البناء في مجري السيل, وقال: محافظ شمال سيناء السابق هو الذي اتخذ هذا القرار لقد بعت الأرض في سوهاج, وذهب زوجتي وبدأت في التجارة في الملابس المستعملة, ويقسم أنه كان يدفع أرضية لموظفي مجلس المدينة, ليس ذلك فقط ولكن كان يراضي علي حسب تعبيره البعض حتي يتركوه في حاله لكسب لقمة العيش. ولكن الدمار طال كل شيء وربنا يعوضنا, ويطالب بصرف تعويضات عن تجارته أسوة بأصحاب المنازل المنهارة, وبين مشاعرالألم التي يعانيها يبتسم ويقول ناقص يحملوا المواطنين الغلابة مسئولية ضياع90 مليون جنيه هي تكلفة إنشاء القرية الرياضية في مجري السيل, وناقص يحملوا الغلابة مسئولية إنشاء طرق مرصوفة بالملايين علي جانبي مجري وادي العريش, ويصرخ بأعلي صوته ياناس مين يعوضنا والأيام صعبة علي الجميع.. ربنا يبارك في فاعلي الخير الذين جاءونا من المحافظات المصرية الأخري. في النهاية جميع سكان سيناء يناشدون المذيعين والمذيعات الذين يعيشون داخل الاستوديوهات المكيفة, بأن يأتوا إليها ويقابلوا المنكوبين وينقلوا معاناتهم إلي إخواتهم في كل المحافظات المصرية.