مرة أخري يقرر البنك المركزي المصري الابقاء علي سعر الفائدة علي ماهو عليه بالنسبة لودائع البنوك لديه ومن ثم بالنسبة لودائع الافراد لدي البنوك.. وقد استندت لجنة السياسة النقدية في قرارها الي الرقم الاساسي للاسعار خلال الاشهر الماضية والتي اتخذت اتجاها تنازليا علي الصعيد الشهري ولكنها تصاعدت علي المستوي السنوي, ولا شك ان استمرار هذه الاوضاع فيه إجحاف بالمواطن المدخر والمستهلك علي حد سواء وبحيث اصبح هذا الرقم الاساسي اقرب الي الانفصام عن الواقع مما أدي الي تعاظم حركة التمرد في الاسعار من جانب العديد من السلع الغذائية, وفي مقدمتها اللحوم والخضراوات واذا اضفنا الي ذلك عيد الضحية وما يمثله من اعباء مالية نتيجة المغالاة في الاسعار لبدت لنا ابعاد الانفصام. فمن المسلم به ان حركة الشد والجذب بين الاسعار ومعدلات التضخم, سمة اساسية من سمات الأداء الاقتصادي بصفة عامة, وان هذه الحركة تزداد وتلبي في اطار نظم الرقابة الموضوعة من جانب السلطات المعنية في هذه الدولة او تلك. وقضية انفلات اسعار اللحوم جنبا الي جنب مع اسعار الخضر والفاكهة في الآونة الاخيرة كانت بمثابة حركة تمرد قد تتحول الي انقلاب طبقا للمصطلحات السياسية اذا اتسع نطاقها وامتدت عدواها وآثارها التراكمية الي طائفة اخري من المنتجات والسلع او الي القطاعات المختلفة للاقتصاد القومي. ومن هنا يكون امرا مثيرا للعجب ان يخرج البنك المركزي ليعلن ان معدل التضخم الاساسي الذي وضعه وتبناه البنك قد تراجع في شهر سبتمبر0102 مقابل شهر اغسطس من ذات العام حيث كان61.8% واصبح95.7% بينما تشير الارقام القياسية لاسعار المستهلكين التضخم طبقا لمعايير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الي زيادة الرقم القياسي بنسبة8.1% خلال شهر سبتمبر0102 مقارنة بشهر اغسطس من ذات العام, وبنسبة تغير سنوية بلغت7.11% مقارنة بشهر سبتمبر.9002 فهل تكفي الأرقام المعلنة من جانب البنك المركزي لفحص ارقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء؟ وهل تكفي تلك الارقام المعلنة لإعضاء البصر وتجاهل المعاناة اليومية والارتفاعات الفعلية في الاسعار سواء بالنسبة للسع المحتسبة داخل الرقم الاساسي للاسعار او خارجها؟ من العبث انكار المعاناة التي يكابدها المواطن نتيجة الزيادة المتتالية في الاسعار والتي شملت مجموعات السلع المستبعدة من المعدل الاساسي للتضخم جنبا الي جنب مع تلك الداخلة في اطار هذا المعدل ونقصد الخضراوات والفاكهة بالنسبة للمجموعة الاولي واللحوم والدواجن بالنسبة للمجموعة الثانية. لقد أصبح المواطن بمثابة المستجير من الرمضاء بالنار او بين شقي الرحي فلا اللحم والدجاج اشبعه ولا الخضراوات والفاكهة اطعمته. كيف يكون الرقم الاساسي الذي يعد بمثابة تجميل كاذب للرقم القياسي للاسعار معبرا اسياسا عن الواقع الفعلي لاتجاهات الاسعار اذا كان قد استبعد الخضراوات والفاكهة تحت مسمي تقلباتها الحادة الموسمية وضآلة نسبتها المئوية التي تبلغ8.8% من اجمالي مؤشر الاسعار بالاضافة الي نسبة4.91% مستبعدة هي الاخري تحت مسمي العناصر المحددة اداريا. اذا كان أصحاب الاصوات العالية يتبارون في التدليل بارتفاع الاسعار, بالاشارة الي اسعار الخدمة والمشروبات في الكافيهات ومحلات العلامات التجارية العالمية والمصرية, أليس من حق المواطن ان يتساءل كيف يمكن اسقاط اسعار البطاطس والباذنجان من المؤشر الاساسي للاسعار واذا كان للطاطم جنونها الموسمي منذ امد طويل, كيف يكون للمواطن ان يتدبر وجباته اليومية من هذه الخضراوات الاساسية البسيطة والتي تضافر معها العديد من انواع الفاكهة ابتداء من البلح الامهات الي الجوافة والعنب والخيار!! لقد اعلنت هذه المجموعة من العناصر الغذائية تمردها علي تجاهل الرقم الاساسي لها واصبح الجزر والبصل والثوم في قائمة التمرد طالما انها اسقطت من الاعتبار ولم يعد لها كبير يحكمها او مراقب يتتبع مسيرتها اليومية والشهرية وتلك نقطة. اما النقطة الثانية فهي اسعار اللحوم والدواجن والتي تنطوي تحت راية الرقم الاساسي للاسعار المتبني من جانب البنك المركزي بعيدا عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء, كيف يمكن القول بانخفاض هذا الرقم الاساسي اذا كانت تلك العناصر الغذائية قد اطلقت لاسعارها العنان وشعرت بمكانتها و اتجاه الانظار اليها نتيجة فجوة العرض والطلب عليها فكان تمردها هي الأخري من واقع الشعور بالاهمية وليس من واقع الاحساس بالاهمال مثال الخضر والفاكهة. ويضاف الي هذا وذاك نقطة ثالثة تدق ناقوس الخطر بعيدا عن القراءة العامة لارقام التضخم الاساسي التي تجلت بصورة واضحة في الرقم القياسي لاسعار المستهكلين خلال شهر سبتمبر.0102 الا وهي ارتفاع نسبة التضخم في ريف الجمهورية سواء في المعدلات الشهرية أو السنوية حيث بلغ9.1% مقابل7.1% في حضر الجمهورية وبنسبة سنوية تقدر5.21% مقابل11%. لقد تحول الريف من مصدر لامداد بالخضر والفاكهة والمنتجات الحيوانية والداجنة إلي مستهلك اصابته حمي الاسعار قبل ان تمتد الي الحضر وهنا نقطة البداية في تناول تلك السلاسل الزمنية من الازمات الغذائية التي تؤخذ اتجاها تصاعديا علي مر السنوات ثم يعاد الحديث ويتكرر مرارا حول فجوة الانتاج والطلب ودور الوسطاء في اشتعال الاسعار! أما النقطة الرابعة التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار فهي الاثار التراكمية المترتبة علي تمرد اللحم والخضر علي الرقم الاساسي للاسعار, حيث تنتقل تبعاتها الي سلع وخدمات اخري وقطاعات متنوعة من مكونات اسعار المستهلكين ويكفي ان يقال شوف كيلو الطماطم بكام.. واسعار اللحم ارتفعت الي العنان وبالتالي تنتقل الزيادة في الاسعار من تلك الدائرة الاساسية الي دوائر آخذة في الاتساع تشمل العديد من السلع والخدمات بينما يظل سعر الفائدة علي الودائع والمدخرات محلك سر واصحاب ادخول الثابتة سجناء محاولات التجميل للتضخم.