علي الرغم من القرار الذي اتخذته لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي في اجتماعها الأخير يوم الاربعاء الماضي بعدم زيادة أسعار الفائدة علي ودائع ليلة واحدة لديه الا ان البنك المركزي المح إلي أن زيادة اسعار الفائدة تبدو هي الارجح في هذه المرحلة. البعض اعتبر ان هناك تناقضا بين ما تم الاعلان عنه وما تم التلميح به، فالبيان الصادر عن البنك المركزي يوم الجمعة الماضي يؤكد في بدايته ان اعضاء لجنة السياسة النقدية قرروا في مشاوراتهم اثناء اجتماع اللجنة يوم الاربعاء عدم زيادة اسعار الفائدة الاساسية للبنك المركزي والابقاء عليها عند 8% للايداع و10% علي الاقراض مع التوجه نحو مراجعة هذا القرار في الاجتماع القادم للجنة. وفي نهاية البيان الصادر عن البنك المركزي تؤكد لجنة السياسة النقدية انها تقوم بمتابعة التطورات الجارية في السوق ودراسة الآثار المحتملة لها علي التضخم في المستقبل القريب بل ويزيد البيان بقوله بان اللجنة تعتبر ان زيادة اسعار الفائدة تبدو هي الارجح في هذه المرحلة. وكانت لجنة السياسة النقدية قد استعرضت في اجتماعها الاخير الاتجاهات التي تمثل ضغوطا علي مؤشرات الاسعار والتي عززت بالتصاعد المستمر في النمو الاقتصادي وبصفة خاصة في قطاعي الصناعة والعقارات بالاضافة الي الآثار الثانوية للزيادة التي تمت في اسعار الوقود نهاية شهر يوليو الماضي. إذن البنك المركزي له عينان الاولي علي دعم استقرار سعر الفائدة والثانية تري ان زيادة اسعار الفائدة تبدو هي الأرجح في هذه المرحلة. مؤيدو الرفع وفي رأي المحللين فان هذا الموقف المتأرجح يعبر بدقة عن وجود اتجاهين داخل البنك المركزي تجاه التعامل مع قضية سعر الفائدة. الاتجاه الأول: يدعم رفع سعر الفائدة لتحقيق عدد من الأهداف في مقدمتها دعم استقرار سوق الصرف والحد من اية بوادر لعودة ظاهرة الدولرة واتجاه بعض المودعين نحو تفصيل اكتناز أموالهم بالعملات الاجنبية علي حساب الجنيه كما ان اصحاب هذا الاتجاه يأخذون في الاعتبار عددا من العوامل الخارجية والداخلية. فعلي المستوي الخارجي فان مجلس الاحتياط الفيدرالي "المركزي الأمريكي" برئاسة بن برنانكي رفع سعر الفائدة علي الدولار نحو 11 مرة في عامين وهناك توقعات قوية بالاستمرار في هذا الاتجاه خلال المرحلة المقبلة ويتكرر نفس الموقف مع البنك المركزي الأوروبي برئاسة جون كلود تريشيه ومع كبريات البنوك المركزية العالمية بما فيها بنك أوف انجلاند "المركزي البريطاني" وغيرها. كما ان ارتفاع معدلات التضخم داخل الاقتصاديات العالمية الكبري يدفع تجاه رفع سعر الفائدة علي العملات الرئيسية وعلي رأسها الدولار واليورو والجنيه الاسترليني. وعلي المستوي الداخلي فان الارتفاع المفاجئ في معدلات التضخم قلب الموازين واربك العديد من الحسابات سواء علي مستوي السلطة المالية أو النقدية أو الاقتصادية فبعد ان كنا نتحدث عن معدل للتضخم يدور حول 3.4% بتنا نتحدث عن معدلات تقارب ال9% والسلطة النقدية ممثلة في البنك المركزي مطالبة بالتعامل مع ملف التضخم بسرعة وحساسية خاصة أنه يحول اسعار الفائدة علي الودائع الي اسعار سلبية اذا ما كانت هذه الاسعار تقل عن معدل التضخم وهو ما يحدث حاليا بالفعل الامر الذي دفع د.فاروق العقدة محافظ البنك المركزي الي التأكيد عدة مرات علي انه لن يسمح بعودة اسعار الفائدة السلبية مرة أخري للسوق لخطورة ذلك علي معدلات الادخار التي تسعي الدولة لتنميتها بشكل ملحوظ. وهناك نقطتان في غاية الأهمية ينظر إليهما أصحاب اتجاه رفع الفائدة داخل البنك المركزي بدرجة عالية من الاهتمام وهما: الأول هو ان هناك ملايينا من أصحاب المدخرات الصغيرة يعيشون علي الفائدة التي يحصلون عليها من البنوك، وان أي خفض لأسعار الفائدة علي ودائع هؤلاء يجب التعامل معها بحساسية شديدة ومن منظور اجتماعي في ظل ضعف فرص العمل والتشغيل وانتشار البطالة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالتشوهات الحالية في اسعار الفائدة لدي بعض البنوك، وبالتالي فإن رفع الفائدة قد يهدد الودائع لدي البنوك التي تمنح اسعار فائدة ضعيفة، وهو ما قد يدفعها إلي رفع الفائدة حفاظا علي عملائها وعدم التعرض لمشكلات نقص السيولة قد تؤثر سلبا علي انشطتها المختلفة. وهذا الفريق يدعم رفع سعر الفائدة، بل ويقلل من الآثار السلبية الناجمة عن هذا الاتجا، وعلي سبيل المثال يؤكدون ان الرفع لن يؤثر سلبا علي مناخ الاستثمار، باعتبار ان سعر الفائدة أو تكلفة الأموال تعد واحدة من عشرات العوامل المؤثرة في هذا المناخ، فهناك التشريعات والبيئة الاستثمارية الجاذبة للاستثمار والبيروقراطية والضرائب والجمارك وسعر الصرف وغيرها.