اندلعت المناقشات بل والمزايدات علي ملف الحد الادني للأجور في مصر وجاء هذا الملف علي صينية من الفضة خلال فترة حساسة يعج فيها الشارع السياسي بموضوع انتخابات مجلس الشعب. وزير التنمية الاقتصادية أعلن أن الحد الأدني للأجور هو004 جنيه شهريا ولم يعجب هذا الكلام أحدا فهي حلقة جديدة في قضية قديمة حين أصدرت محكمة القضاء الاداري منذ سبعة أشهر حكما بأن الحد الادني للأجور هو0021 جنيه. والقضية هي أكبر من مجرد الحديث عن الحد الأدني للأجور فهي قضية سيرك أو فوضي في هيكل الأجور بشكل عام وهي قضية فقر وفقراء ودعم وأشياء أخري مثل ما هي حقيقة الاستثمار خاصة الاستثمار الأجنبي القادم من الخارج ومدي حجمه وهو أيضا قضية الانتاجية وفاعلية القوة العاملة المصرية سواء في الخدمات أو الجهاز الاداري للدولة أو الصناعة وهو أيضا قضية الزيادة السكانية الرهيبة التي تأكل الأخضر واليابس والتي لم تعد لها الأساليب الملائمة لاستغلالها كمورد. والسؤال الذي نطرحه لماذا قفزت المسألة الآن بهذا الشكل هل هو مجرد تصريح الوزير المسئول أم أن هناك عوامل كانت كامنة وانطلقت من عقالها عقب هذا التصريج؟ دعونا نتحدث عن انخفاض الانتاجية وعن اختلال الدخول بين القطاعات المختلفة بل داخل الوزارة الواحدة والهيئة الواحدة يضاف الي هذا دخول العمالة الأجنبية إلي سوق العمل المصرية وارتفاع الاسعار بشكل مستمر تعجز الاجور والدخول عن ملاحقته, فضلا عما طرأ علي حياة الناس من أنماط استهلاكية جديدة لم تكن في الحسبان مثلا التليفون المحمول وما جاء به من رنات ومسدات ومسجات ودروس خصوصية وتطلعات استهلاكية طامحة إلي استهلاك سلع غريبة علي النمط الاستهلاكي المصري وسيادة الطعام السريع أو مأكولات الشارع والمحال علي الأكل في المنزل في اطار الاسرة مما يتطلب انفاقا أعلي والتطلع إلي ملابس عصرية مستوردة, وقد حدث هذا التأجيج الاستهلاكي من خلال التليفزيون المصري وإعلاناته و زنه علي ودان الناس ودفعهم إلي المزيد من الاستهلاك. لقد تغيرت حياة الناس ومعيشتهم وفقرهم واستهلاكهم ولهذا طالبوا بالمزيد من الأجور. إننا نتساءل ما هو الجديد الذي دعا الناس إلي المطالبة بزيادة الأجور ووضع حد أدني مناسب للأجر؟ هل هو الفوارق الاجتماعية الرهيبة التي ظهرت في السنوات الأخيرة؟ هل لأن ثمار النمو لم تحقق العدالة الاجتماعية ولم تنزل إلي أفراد هذا الوطن وبقيت حبيسة عند البعض في أعلي الاقتصاد؟ هل لأن هناك دخولا سهلة يحصل عليها البعض في الاقتصاد الجديد الذي يقوم علي السمسرة والوساطة والاتجار بأموال الناس دون إضافة أي جديد أو إنتاج لهذا الوطن؟. كما أننا لا نعرف الاساس العلمي الذي تم عليه حساب الحد الأدني للأجور. ان من الخطأ النظر إلي قضية الأجور بشكل مستقل بعيدا عن غيرها من المتغيرات, وفي تصورنا أنها تثير قضية أخطر وأهم, وهي إذا جاز لنا التعبير تربيط صواميل الاقتصاد المصري, فهناك تفكك, وانفلات وعشوائية في كثير من القطاعات, ومن شأن هذا التربيط, وفق استراتيجية متكاملة اعادة الاتزان والتوازن إلي اقتصاد لم يعد له هوية, فهو حالة حائرة بين الحكومة والقطاع العام وبين السوق الحرة. وما دام هذا لن يتم بين يوم وليلة, فإذا أردنا بالفعل أن يكون هناك حد أدني للأجور معقول ومقبول, وبإننا نطرح ما جاء في دراسة مهمة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية أعدتها الدكتورة أمنية حلمي جاء فيها: أولا: ان وضع حد أدني للأجور ليس بدعة, فهو معمول به في الدول المتقدمة والنامية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ودول شرق ووسط أوروبا وآسيا. ثانيا: أن وضع سياسة سليمة للحد الأدني للأجور يستلزم معايير واضحة وبسيطة لتحديده وآليات للمحافظة علي قيمته الحقيقية بالنظر فيه بين فترة, وأخري, وكذلك اطار مؤسسي لوضع هذه السياسات والالتزام بتطبيقها. ثالثا: تتلخص معايير تحديد الحد الأدني للأجور في ألا يقل الحد الأدني للأجر عن حد الفقر القومي لضمان حصول العامل وأسرته علي الاحتياجات الأساسية, وأيضا الا يتجاوز هذا الحد05% من المتوسط العام للأجور الشهرية في الاقتصاد القومي, وكذلك تشجيع عمالة الشباب, ورفع الانتاجية وتخفيف حدة الفقر, وتقليل التفاوت في الأجور تلك إذن هي الثلاثية التي نحتاجها عند تحديد حد أدني للأجور يجب أن يلتزم به القطاع الخاص الذي يستوعب حاليا07% من العمالة, بينما نصيبه من إجمالي الاجور45% مما يعني انخفاض متوسط الأجر به ويفسر عزوف الشباب عن الالتحاق بفرص العمل المتاحة لديه ويفسر أيضا لجوء أصحاب بعض المشروعات إلي العمالة الأجنبية التي يستقدمونها من الخارج, ويدفعون لها أجورا ضعفي أجر ما يعرض علي العامل المصري. وأخيرا هناك حاجة ملحة إلي تطوير السياسة الحالية للأجور والحد الادني للأجور, وقبل ذلك وبعده تبرز أهمية الحاجة إلي تدبير موارد جديدة للدولة, وفي هذا الشأن يمكن الأخذ بالضريبة التصاعدية علي الدخل, بإضافة شريحة جديدة(52%) مثلا لتلاحق الأرباح الهائلة التي تتحقق أخيرا بفضل ما قامت به الدولة من تهيئة المناخ, وإصلاح اقتصادي كذلك مراجعة موقف المتأخرات لدي كبار الممولين, وفرض ضريبة جديدة علي التصرفات العقارية تختص بعمليات نقل الملكية للفيلات والأراضي والشقق, كما يمكن فرض ضريبة علي أرباح الأسهم, كما تفعل دول كثيرة لحماية الاقتصاد من مضاربات وهمية وأرباح ناشئة عن أنشطة غير انتاجية لا تضيف شيئا للاقتصاد لاسيما, أن الارقام المعلنة عن الاستثمار الاجنبي في مصر تتضمن مشتريات الأجانب للأراضي والمباني العقارية, والأوراق المتداولة في البورصة, وهو ما يضخم الرقم دون أن تكون هناك عائدات مباشرة علي الاقتصاد. وعلينا أن نتذكر دائما أن تشجيع الاستثمار المباشر المنتج يعد أحد شروط خفض معدلات النمو, وزيادة الدخول, وتحقيق واستدامة النمو الاقتصادي, ولكن مع ارتباطه بعدالة في توزيع الدخول, وتحسين لتوزيع المكاسب يتحقق انخفاض معدلات الفقر بمعدل أسرع. وفي الختام اذا كان هناك تخوف من أن زيادة الاجور ستؤدي إلي زيادة الاسعار فكيف نفسر الزيادة في الاسعار التي حدثت مؤخرا دون أي زيادة في الأجور؟.