*مطلوب قانون لحماية الوثائق كان عنوان الحملة التي تبنتها دنيا الثقافة قبل ثلاث سنوات,و تحديدا في عام2007. بعد أن رأينا بأعيننا و أمسكت أيدينا أوراقا و سجلات كاملة للمواليد والوفيات وعقود الزواج بل وبعض تقارير الداخلية بالترخيص لصدور الدوريات يرجع تاريخها لأوائل القرن الماضي و ملاحظة ضياع صفحات كاملة من الوثائق في الدفاتر الرسمية أثناء عمليات الترميم لبعض المباني, وظهور البعض منها فيما بعد لدي بعض تجار الكتب القديمة أو بعض المواطنين الذين يدركون أهميتها وقيمتها, وإن اختقت دوافع كلا الفريقين لاقتنائها. حينذاك قدمنا صورة ضوئية لعقد زواج سلطانة الطرب منيرة المهدية بحسين بك نديم بصداق قدره مائة وخمسون جنيها في20 رمضان عام1342 ه وهو العقد الذي احتل الصفحة الأخيرة من دفتر زواج رقم8664 في دفتر خانة محكمة مصر الابتدائية الشرعية والذي ضم عقود الزواج في الفترة من فبراير1924 إلي يوليو من نفس العام. ويبدو أن الصورة الضوئية التي نشرناها لدفتر الشيخ عبدالواحد ووثيقة زواج سلطانة الطرب منيرة المهدية و غيرها من العقود,التي يمكن من خلالها التأريخ للحركة الاقتصادية لمصر في أوائل القرن وتقديم خريطة اجتماعية وعمرانية,والتوزيع الجغرافي للمهن في مصر عبر دراسة أشكال المصاهرة وعلاقات الأنساب أو قيمة المهور التي تراوحت مابين ثلاثة جنيهات و450 جنيها ذهبيا طبقا للوضعية الاجتماعية للزوجين,أزعم أن كل ماسبق أثار شجون القراء بدرجة لم نتوقعها, فعلي مدي أسابيع الحملة وجدت نفسي إزاء ما يشبه المباراة, حيث تنافس القراء والمتخصصون في تقديم معلومات وصور لوثائق مهمة, ضاع ماضاع منها بفعل الإهمال وتم انقاذ القليل جدا منها من محلات التسالي قبل أن تتحول لقراطيس لبيع اللب والسوداني!! وفي نفس يوم النشر اتصلت بي باحثة أكدت أنها في بحثها عن بعض وثائق المحكمة الشرعية في طنطا اكتشفت ضياع جزء لابأس به منها بعد أن تم التخلص منها بزعم أنها مخلفات لاقيمة لها!! باحث آخر متخصص في التاريخ أكد أنه أنقذ خريطة نادرة لجنوب مصر في أوائل القرن التاسع عشر عثر عليها ملقاة في أحد دهاليز دار المحفوظات قبل15 عاما أثناء القيام بأعمال ترميم المكان وطلائه, وأشار إلي أن الأوراق والدفاتر كانت آنذاك ملقاة علي الأرض دون أدني اهتمام وانه شاهد بعينيه عمال الطلاء يستخدمونها بدلا من المناديل وقطع القماش للتنظيف!! ولن أنسي يوم أخذت أحملق مشدوهة في المنشورالذي حمله إلي د. بهاء حسب الله أستاذ الأدب بجامعة حلوان و لا محاولتي أن أكذب سمعي وهو يؤكد لي أن الورقة التي بين يدي و التي يرجع تاريخها للحملة الفرنسية و تحديدا اليوم الثلاثين من شهر فرو كيتدور الموافق4 ربيع الآخر سنة1314 ه و المطبوع بمطبعة الفرنساوية العربية بمصر المحروسة,, تحت عنوان من أمر صاري العسكر الكبير كلهبر أمير الجيوش الفرنسية, قد عثر عليها في مقلة!! و أن المنشور النادر ليس الوحيد من نوعه الذي تم التفريط فيه, حيث إنه شاهد أيضا رسائل نابليون بونابرت للشعب المصري لدي بعض التجار في شارع النبي دانيال بالاسكندرية وأن الأمر لم يعد يقتصر علي الوثائق بل امتد ليصل للكتب النادرة التي بات من الممكن العثور علي أوراق متناثرة منها في الشوارع في ذلك الحين بدا الأمر وكأن الأرض تنبت من حولنا وثائق وصفحات وأننا كلما أمعنا في السير فسنتعثر في وثيقة ما و بالتالي و مع آخر سطور الحملة كانت الدعوة لاصدار قانون جديد للوثائق بعد أن تسببت ثغرات قانون الوثائق الصادر عام1954و تعديلاته غير المواكبة للمتغيرات التي شهدها علم الأرشيف في العالم كله في ضياع الكثير من وثائقنا سواء بالاعدام أو البيع. أوراق أعادتني إليها مقالة أ. د. محمد صبري الدالي أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر بآداب حلوان والمشرف العام علي إدارة المخطوطات بدار الكتب والوثائق القومية, التي ننشرها اليوم تحت عنوان ثقافة حيازة المخطوطات في مصر, و حواري معه و مع الأستاذة شيرين الطرابلسي منسق عام مشروع المكتبة الرقمية للعطاء الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية الذي تتبناه الجامعة الأمريكية ممثلة في مركز جون جرهارت للعطاء الاجتماعي والمشاركة المدنية ومركز التميز حول الثقافات العربية والشرق أوسطية, مكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومركز العطاء الاجتماعي, بجامعة إنديانا, الولاياتالمتحدةالأمريكية و المركز الدولي للبحوث التنموية بكندا الذي قدم التمويل اللازم للبدء في إنشاء المكتبة بالقاهرة, والذي يسعي علي حد تعبير شيرين الطرابلسي إلي توثيق و اتاحة المخزون المعرفي العالمي المتعلق بالعطاء الاجتماعي بكافة أشكاله, ويشمل ذلك الوثائق الأصلية والتقارير ورسوم الجرافيك والتسجيلات الوقفية والتحليلات العلمية في الدول ذات الأغلبية المسلمة والمجتمعات الإسلامية حول العالم. و الحقيقة أن حالة التناقض الواضحة بين و الاهتمام العالمي بالتراث الثقافي و أنشطة المنظمات الدولية المعنية بحماية هذا التراث و توثيقه, و احتفاء المراكز البحثية في الخارج والدول العربية بالوثائق و المخطوطات و الكتب النادرة لدرجة تصل لحد تخاطفها و إقامة المزادات للفوزباقتناء نسخها المحدودة بإعتبارها واحدة من أهم أدوات التأريخ في العصر الحديث, وظهور اعلانات في الصحف فحواها طلب شراء كتب تراثية و مكتبات قديمة وتبني بعض المكتبات والجامعات والمراكز البحثية لمشاريع لنشر و تبادل المعلومات والوثائق واتاحة روابط إلي المواقع الإلكترونية وبين ممارساتنا اليومية, جماعية كانت أم فردية,التي تخرق القرارات وتتحدي القوانين الثابتة, حتي تلك التي لم يجف مدادها بعد, يفرض علينا عددا من الأسئلة من بينها سبب تأخير صدور قانون الوثائق و إذا ما كانت القوانين وحدها تكفي لتغيير رؤانا و أساليب تعاملنا اليومي مع مفردات ثقافتنا أم أن الأمر يتطلب تبني و تعزيز ثقافة تحترم التراث وتفرق ما بين أشكال و أنواع الملكية الفردية و الملكية العامة. ومما لاشك فيه أن حدود الملكية الفردية و الملكية العامة معروفة لمعظمنا ولكن الأمر يبدو غامضا و يشوبه الكثير من اللبس لدي الكثيرين عندما يتعلق الأمر بالعناصر المكونة للتراث الثقافي من قبيل الآثار والتراث العمراني والمخطوطات والتراث الفني و الفكري والمورث الشفاهي. وفي ظني أن هذا اللبث كان و لايزال سببا في اثارة عدد من القضايا, التي لاتزال تداعياتها ماثلة في الأذهان, بدءا من قضية استعادة آثار مصر و تراثها المنهوب و عمليات التنقيب غير المشروعة عن الأثارو تجارتها السرية وما واكبها من فتاوي تقنن استباحتها أو تدميرها أو من مشروعات لقوانين حاولت أن تسبغ نوعا من الشرعية علي هذه التجارة, مرورا بالسجال حول قانوني الآثار والمخطوطات في2009 و قانون الوثائق الذي لا يزال سجينا داخل الأدراج واستمرار تطبيق قانون الوثائق لعام1954 وتعديلاته, وانتهاء باستباحة التراث العمراني المتمثل في الحدائق والمباني والقصور ذات الطابع المعماري الخاص, و تحدي مجموعة القرارات والقوانين التي تجرم هدم الفيلات والقصور والمباني ذات القيمه التاريخية والاثرية( قرار محافظ القاهره رقم238 لسنه96, وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم463 لسنه98 وقرار رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري رقم2 لسنه98, برغم وجود قوائم تحصر المباني التاريخيه في معظم محافظات مصر, وأخيرا و ليس آخرا محاولة مصادرة تراث فيروز الغنائي ويحدث هذا تحت مسمي حق الملكية.!! و لعلي لا أبالغ إذا ما قلت أن كل الأمثلة السابقة إن دلت علي شيء قإنما تدل علي مدي غياب الوعي بمعني ما تمثله هذه المفردات الثقافية في تاريخ الوطن و تغليب العائد المادي السريع و الإنصياع لسطوة المال و المنفعة الفردية, لينتهي بنا الأمر لحالة عبثية تستلب التاريخ والهوية و تقنن بيع الوثائق في محلات العاديات و مقالي اللب وهدم العقارات و تغيير معالم الشوارع التي تمثل سجلا لحياة أمة و الإتجار بالآثارتحت شعار الملكية الخاصة.. الأمر الذي بات يفرض علينا أن نبحث عن كيفية الوصول لحل ليس فقط لتفعيل الفوانين الحالية والإسراع بالانتهاء من المعطل منها, بل أيضا تبني و نشر ثقافة علي مستوي الافراد لمنع هذا الاستنزاف المستمر لصفحات تشكل تاريخ وذاكرة أمة.. [email protected]