وصلتني دعوة من الكونجرس الأمريكي للاشتراك بكلمة في المؤتمر الذي يعقده الأعضاء من أصل إفريقي ويطلق عليهمBlackCaucus لم أتردد فقد كنت أتابع التطورات الأمريكية ومواقف الكونجرس والإعلام بالنسبة لمصر. وأردت أن أفهمها عن قرب خاصة وقد كنت قاطعت زيارة الولاياتالمتحدة خلال الثماني سنوات العجاف التي سبقت ولاية أوباما. لم أعتبر المؤتمر مجرد اجتماع ينعقد ثم ينفض لكن فرصة مواتية لبث رسائل معينة توضح صورة مصر إلي جانب التعرف علي الاتجاهات الأمريكية المختلفة وأفضل الوسائل للتعامل معها. كان الأمر يبدو وكأن هناك تناقضا بين اتجاهات الكونجرس والادارة والاعلام والمجمتمع المدني مما يقتضي نظرة متكاملة. نبدأ بالمؤتمر لنوضح أنه لم يقتصر علي النواب السود, شارك فيه عدد كبير من الأعضاء من كافة الفئات والتوجهات والانتماءات العرقية والحزبية والدينية. شارك أوباما بكلمة قوية واقعية في اجتماع حضره قيادات الكونجرس والإدارة وعدد محدود من الشخصيات العامة من بينها السفير المصري. عالج المؤتمر عشرات القضايا في جلسات عامة وحلقات نقاشية وكان الغذاء دائما غذاء عمل. قضايا داخلية ودولية منها مشاكل التعليم, التأمين الصحي, المواصلات, الشباب, فرص المشاركة السياسية, الأوضاع الدولية وتحديات السلام وغير ذلك كثير. إلي جانب حلقة نقاشية بعنوان: رجل أسود في البيت الأبيض. بالإضافة إلي ذلك عقدت جلسات توقيع كتب مختارة واحتفالات منها تكريم النائبات اللاتي لن يعدن ترشيح أنفسهن وأخر لتكريم نساء لهن رسالة( كان لي حظ أن أكون واحدة منهن) وأشير هنا إلي بعض ما شاركت فيه من الاجتماعات بهدف توضيح قليل من كثير لا يعرفه ساسة أمريكا عن مصر ولمعرفة ردود الفعل لما نقول ومغزاه. *عكس اجتماع العلاقات مع أفريقيا والاستثمار بها اعتزاز متصاعد يشعر به الأمريكيون السود تجاه أصولهم الأفريقية. وهو اعتزاز تضافرت في ظهوره ونموه عوامل منها الحالة الاقتصادية واكتشاف الأسواق الجديدة والثروات النائمة التي تبحث عمن يوقظها ويستثمرها. وكان طبيعيا أن تتجه الأنظار إلي أفريقيا التي لا تستثمر سوي خمس مواردها, ولديها طاقة بشرية هائلة. وبالطبع ساهم صعود أوباما إلي البيت الأبيض في توهج هذه الظاهرة. كان ذلك اللقاء فرصة لشرح اعتزاز مصر بانتمائها الأفريقي وجهودها في تنمية أفريقيا, ومشاركة المصريين من الخبراء والأساتذة والقانونيين والمهنيين والعمال في برامج تنمية الدول الأفريقية إيمانا منا بأن الاستثمار في أفريقيا هو استثمار في السلام والتقدم. وكانت الوزيرة فايزة أبو النجا قد أمدتني ببيانات وافية تبين مدي جدية مصر في مسيرة التنمية الأفريقية كشريك مسئول, وعن برنامج صندوق التنمية الإفريقية الذي طرحت معالمه وأكدت لهم أنه نموذج يمكن الاستفادة منه والتعاون من خلاله في مشاريع مشتركة... كان الحديث يقود إلي أن مصر هي البوابة الصحيحة لدخول أفريقيا. وفي سؤال عن نصيحتي في هذا المجال قدمت رسالتين: أولاهما أكدت أن العمل في إفريقيا يتطلب عدم التعالي أو اتخاذ موقف المانح الكريم الذي يقدم المعونة ويستخدمها للضغط علي الحكومات والشعوب, وإننا في إفريقيا وإن كنا دول فقيرة ماديا إلا أننا نعتز بكرامتنا وتاريخنا وتجاربنا, نحترم الآخرين ونتوقع احترامهم لسيادتنا وثقافاتنا( وهو ما أكده مستشار أول رئيس الجابون الذي صرح أن مصر دائما حكومة وشعبا نصير إفريقيا حتي في الساحة الدولية). كانت الثانية تتعلق بضرورة تنمية التبادل التجاري في كل المجالات مع ملاحظة أن هناك تجارة لابد من التعاون في القضاء عليها وهي الاتجار بالبشر, وكانت مناسبة لشرح الجهود الدولية لمؤسسة سوزان مبارك في هذا المجال, وصرح عدد من الحاضرين بأنهم لم يكونوا علي دراية كاملة بدور مصر الأفريقي, وعن تأييدهم لحملة وقف الاتجار بالبشر وطلب البعض الانضمام إليها. * في اجتماع بعد سنة من خطاب أوباما بالقاهرة أشرت إلي مقال بالأهرام يصفه بأنه خطاب التحرير تحرير الولاياتالمتحدة من صورة سيئة في عيون العالم مما عرض مصالحها وأمن شعبها لأخطار متعددة, وتحرير العقل الأمريكي من مخاوف سيطرت عليه, وأفكار عدائية عن العرب والإسلام, وتحرير مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان من نموذج واحد أمريكي هو الأفضل المطلوب فرضه دون تطوير وقبول تعدد وسائل التطبيق نحو نفس الأهداف. كما حرر السياسة الأمريكية من نفوذ جماعات الضغط فأشار إلي أمن فلسطين بعد أن كان التركيز دائما علي أمن إسرائيل فقط, ومد يده بالسلام. والسلام مسيرة تتطلب المشاركة ومصر جادة في جهود تحقيق السلام وتبذل الجهد الأكبر لتوفير اللبنة الأولي والأساسية لأي اتفاق سلام وهي المصالحة الفلسطينية الفلسطينية. * كان اللقاء حول أهمية رعاية الطفولة فرصة لشرح دور مصر في صدور ميثاق حقوق الطفل, وانجازات مصر في هذا المجال ومنها قانون الطفل وإنشاء محاكم الأسرة, ووقف ختان الإناث, ومدارس الفصل الواحد,ومكتبات الأطفال, وتوفير العلاج الذي يرمز إليه الصرح الكبير مستشفي سرطان الأطفال...الخ انجازات كانوا وكأنهم يستمعون إليها لأول مرة. * في اجتماع رسائل من إفريقيا تحدثت أميرة سوازيلاند عن ضرورة الاهتمام بالمرأة من أجل التنمية وتحدث المستشار الأول لرئيس الجابون عن التعاون الإفريقي الأمريكي وتحدثت عن السلام وتعايش الأديان في إطار كتاب التراث المسيحي الإسلامي. أكدت رئيسة الجلسة ديان واتسون نائبة لوس أنجلوس أن الحاجة ماسة إلي هذه الدعوة وأن مصر مهد الأديان وهي التراث والمستقبل ورائدة السلام والتقدم. وقد تم اختيار كتاب التراث المسيحي الإسلامي للإشادة, والتوقيع, والإيداع في مكتبة الكونجرس. كان اجتماع المسئولية المجتمعية للمشاهير بمثابة مهرجان شارك فيه نجوم الفن والسينما والإعلام والرياضة وأغلبهم له رصيد في العمل العام لمساندة قضية إنسانية استحقت اهتمامهم. دعوتهم للاهتمام بقضية الاتجار بالبشر التي تتبناها مصر وأشرت إلي ندوة الأقصر التي سوف تعقد في شهر ديسمبر ويشمل برنامجها حلقة يشترك فيها نجوم من عدة دول. أكدت لهم مساهمة نجوم مصر في المشروعات الاجتماعية والإنسانية. يصل بنا الحديث إلي اجتماع تعايش الأديان الذي تناقلته وكالات الأنباء ويهمني الإشارة إليه بشيء من التفصيل في الحديث القادم. المزيد من مقالات د. ليلي تكلا