أما الأستاذ أحمد الجيوشي, فيراني مبالغا فيما أذهب إليه, مؤكدا أن المسيحيين لا يعترضون علي تلك المادة في دستور71, وأنهم أول من تمسك بها, وذلك بسبب أنها تعني, ضمنا, تطبيق الآية(47) من سورة المائدة , وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه, ومن لم يحكم بما أنزل الله, فأولئك هم الفاسقون, ولكن يا سيد أحمد, هناك تعليقات مسيحية تري أن المادة الثانية هذه تدفع الكنيسة إلي المبالغة في تدخلها في الشؤون الدنيوية للأقباط, وأن هذه المادة الثانية تؤذيهم أكثر مما تفيدهم وشيء قريب من ذلك يذهب إليه الأستاذ نبيل رشدي الذي يقول إن ما جنيناه حتي الآن بسبب هذه المادة فعليا هو الآتي: 1 مزيد من التعصب وحشر الدين بلا مناسبة في كل مناحي الحياة, وتصريف أمور الدولة, وإصدار الأحكام تبعا لإفتاءات ترجع لأزمة البداوة, منكرة لأي تطور حضاري وصل إليه العلم2- تغير في الشكل الظاهر للملبس ولغة الحديث بين الناس3- تدهور عام في الأخلاق وتغلب الأحكام الساذجة العشوائية التي تبدو ظاهريا متفقة مع الدين بين الناس في المجتمع4- تزايد معدل جرائم العنف والاغتصاب والرشوة واستحلال المال العام, ناهيك عن الجرائم الشاذة التي لم نسمع بها من قبل... وأخيرا, قضية الوحدة الوطنية التي ضربت وتعقيبي علي الأستاذ نبيل هو مغالاته, فأكثر ما ذكره هو نتيجة عوامل متضافرة سياسية واقتصادية وثقافية, كان لها, ولا يزال, تأثيرها المدمر وأختم هذه الباقة من التعليقات بتعقيب الدكتور جورجي شفيق ساري أستاذ القانون الدستوري عن حقيقة هوية مصر الذي يقول فيه: من الصعب تحديد هوية الدولة في مصر بشكل دقيق, ففي حين أن المسئولين يعلنون في مناسبات عدة أن الدولة مدنية, نجد أن المادة الثانية من الدستور- والدستور هو الذي يحدد نظام الدولة والمقومات التي تقوم عليها وسلطاتها ومركز الأفراد فيها وعلاقتهم بالسلطة تنص صراحة علي أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, بل وحتي إن الدولة ذاتها استخدمت هذا التعبير عندما كان يخدم توجهها, فلا ننسي خطاب السادات الذي قال فيه حرفيا إنما أحكم مصر كرئيس مسلم لدولة مسلمة, وكان يستند في ذلك إلي المادة الثانية من الدستور, فكيف نستطيع إذن القول بأن الدولة مدنية, حيث إن الدولة ذاتها تارة تستخدم مصطلح الدولة المدنية وتارة أخري تستخدم مصطلح الدولة الدينية, فتستخدم الدين إذا كان يخدم أغراضها, وتدعي أنها دولة مدنية إذا أرادت أن تصد التيارات الدينية يعني باختصار شديد دولتنا لا هوية لها, فهي لا دولة مدنية ولا دولة دينية, فهي تجمع بين الاثنين ولا بديل عن وضع دستور جديد لمصر تتناسق أحكامه ونصوصه بعضها مع البعض وتتفق مع أسس العصرية المدنية الديمقراطية, بدلا من أسلوب الترقيع الذي اتبع في إدخال تعديلات علي الدستور القائم في أعوام1980 و2005 و2007, دون مراعاة لفلسفة الدستور ذاتها أو الخط المحدد لمساره, فكل دستور له فلسفة يتبعها أما عمليات الترقيع التي تمت في دستورنا الموقر وطريقة القص واللزق فقد كان من نتيجتها تناقض أحكام الدستور مع بعضها البعض وتصادم نصوصه وتعارض مواده مثال ذلك الأخذ بأسس الدولة المدنية في المواد(1) المواطنة و(5) حظر أي نشاط سياسي علي أساس ديني و(8) تكافؤ الفرص, و(40) المساواة, و(46) حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية, والنص في ذات الوقت علي الدولة الدينية في المادة(2) منه, كما جمع بين نظامي الرقابة الدستورية اللاحقة, وهو المتبع دائما وفقا للمادة176 من الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا, والرقابة السابقة وفقا للمادة76 منه, فكيف يتسق هذا مع المتبع دائما وفقا للمادة176 من الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا, والرقابة السابقة وفقا للمادة76 منه, فكيف يتسق هذا مع ذاك وأعتقد أن دستور1923 كان أفضل دستور ديمقراطي تم وضعه في مصر, وبعد إلغائه بعد قيام الثورة, وعند تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد أبقت هذه اللجنة علي نصوص دستور23 مع تعديل النصوص التي كانت تنص علي النظام الملكي وإلغاء النصوص المرتبطة بهذا النظام, ووضع دستور تتفق نصوصه وأحكامه مع النظام الجمهوري الجديد فيا ليت نعود إلي الدستور الليبرالي الديمقراطي دستور1923 ولا مانع من التكرار مادام- حتي الآن- لم يتعلم الشطار. هذه الآراء التي حرصت علي تقديمها, كما هي, احتراما لأصحابها, تؤكد الحراك الفكري بين الجماهير القارئة هناك كثير من التعليقات لم أشر لها بالطبع, وأعتذر لأصحابها. وأنتهز هذه المناسبة للرد علي مقال نشره موقع الجماعة الإسلامية علي شبكة الانترنت, وهو مقال يري أن دعوتي إلي الدولة المدنية هي تشنيع ضد الإسلام, دأبت عليه في كتاباتي, وأني أري الإسلام هو الخطر الداهم الذي يهدد وجود الدولة المدنية وأن الدعوة العصفورية دعوة لتضييق الخناق علي الإسلام في المجال العام وحصره في دائرة ضيقة للغاية وقد فات الكاتب فيما يقول المقال أن العلمانية لم تستطع أن تقيم نظاما يحترم الإنسان ويعلي من آدميته ولا ينسي كذلك التلويح بأنني انتميت إلي الماركسية في فترة من حياتي, مؤكدا أن المشروع العلماني الذي أنتسب إليه هو سطو علي هوية الأمة وعقيدتها, ويسير بها من فشل إلي فشل وللأسف, فإن المقال يكرر الاتهامات التي تعودت عليها, والتي لا تصيب إلا أصحابها, فمن كفر مسلما فقد باء بها ولا أعرف من الذي أعطي صاحب هذا المقال الحق في نسبتي إلي الفرق الضالة, لكي يكون هو ومن معه وحدهم الفرقة الناجية؟ ألم يمل هؤلاء من التكرار الذي لم يعد يخيف أحدا, وهو المسارعة إلي اتهام المختلف في عقيدته بدل الحوار معه وإذا كنت معجبا بالماركسية في فترة من حياتي, فما الذي يجعل هذا الاعتقاد ضد إسلامي لله الذي يعرف ما في أعماقي ومقصدي؟ ولماذ لا يكون إسلامي العقلاني أقرب إلي الله من إسلام الذين يخافون الاجتهاد المفتوح لصالح وطن, لا ينكر أحد أغلبيته الإسلامية؟ لا أحد ينكر, يا سادة, أن الإسلام دين الأغلبية, وأن الأديان كلها مصدر قوة للأمة, وأن عدم التمييز بين معتقديها هو الحق المقدس الذي تؤكده المواطنة التي تعطف المسلم علي المسيحي والمسيحي علي المسلم, في رحاب وطن يستمد دستوره من المبادئ الكلية لشريعة كلا الدينين لقد اختلط الدم المسلم بالدم المسيحي دفاعا عن هذا الوطن هل سمع أعضاء الجماعة الإسلامية عن القمص مرقص سرجيوس الذي كان, مع الشيخين مصطفي القاياتي ومحمود أبو العيون, أكثر الناس حضا علي جهاد الاحتلال البريطاني, وعملا علي توثيق عري الترابط بين المصريين ولذلك وقف علي منبر الأزهر في ثورة1919 قائلا إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية القبط, فأقول ليمت القبط وليحيا المسلمون أحرارا وكان الرجل يكرر أنه إذا كان استقلال المصريين يحتاج إلي التضحية بمليون قبطي, فلا بأس بهذه التضحية وكان هذا هو السبب في شيوع شعار الوطنية ديننا بين الأقباط والمسلمين في هذا الزمان الجميل, فلماذا لا نعود إلي شعار ثورة1919 الدين لله والوطن للجميع.