شتان بين بابا وبابا. البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية، والبابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان.. في تصريحين لم يفرق بينهما أكثر من 84 ساعة، استند البابا شنودة الي الشريعة الاسلامية فيما قررته بشأن القوانين التي يجب أن تحكم الأقباط، وتظهر صراحة في الآية 74 من سورة المائدة »وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون«. في حين هاجم بابا الفاتيكان دول الشرق الأوسط التي تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للتشريع، لأنه أي البابا يري أن تطبيق ما جاء فيها علي الحياة الفردية والعامة حتي بالنسبة لغير المسلمين يحرم المسيحيين من حقوقهم الأساسية. ولأن البابا شنودة يقدر الشريعة الإسلامية حق قدرها ويستوعب مقاصدها العليا بشكل متسامح لعشرته السمحة مع المسلمين علي أرض الكنانة، خرجت منه هذه التصريحات المستنيرة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل يومين، بعد حكم المحكمة الإدارية العليا بالسماح بالزواج الثاني للمسيحيين وهو ما رفضه المجمع المقدس بتأييد 89 أسقفاً ومطراناً لمخالفته تعاليم الإنجيل. أما البابا بنديكت فلم يعرف عن الإسلام إلا ما قاله فيه المستشرقون وكله يمقت حقداً وتعصباً ولم يعش وسط المسلمين ولم يقرأ الشريعة عن فقهائها الأصليين ولذلك هاجم بعنف في وثيقة عمل طرحها في ختام زيارته هذاالاسبوع لقبرص الاسلام والمسلمين الذين لا يفرقون في رأيه بين الدين والسياسة الامر الذي يدفعهم الي عدم النظر الي المسيحيين علي انهم من المواطنين المتمتعين بحقوق كاملة. ويرد علي هذا الطرح المتحامل والمتعصب، القرآن والسنة وممارسات المسلمين علي مر العصور. فالمقرر في الفقه الاسلامي بمذاهبه جميعاً ان الكثرة الدينية، وحدها لا توجب حقاً، والقلة الدينية وحدها لا تمنع من اقتضاء حق. والآيات والأحاديث متضافرة في تحريم ظلم غير المسلمين كقوله صلي الله عليه وسلم: »من ظلم معاهداً، او انتقصه حقاً، او كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة«.. وعنه أيضاً: »من آذي ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله«. ولم يكتف الإسلام بإقرار هذه الحقوق، بل وضع ضمانات للوفاء بها، من أهمها ضمان العقيدة، فتلك الحقوق مسطرة في كتاب الله، وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم كما أشرنا وهي محفوظة في عقيدة الإسلام، وتنفيذها والإلتزام بها جزء من تنفيذ العقيدة الصحيحة. أي أنها ضمانات إلهية مصونة، وليست بشرية تتغير بتغير الظروف والأهواء وبالتالي فقد ارتضي واقتنع بعض الأقباط ان أكبر ضمان لحقوقهم هو الشريعة الإسلامية. ويستدل المستشار طارق البشري علي ما وصلت اليه المرجعية الإسلامية في الشعور القبطي منذ القدم، بأن نابليون حين غزا مصر أراد أن يستقطب أقباطها من خلال بعض التشريعات الخاصة كالميراث مثلاً.. فكان الرد القبطي بالرفض قائلين: »المسلمون يقسمون لنا«، وقد نقل ذلك الجبرتي، ونقله عنه أيضاً لويس عوض. لذلك فإننا كمسلمين ومن منطلق ايماننا بالانجيل ككتاب منزل من عند الله نرفض كل ما يتعارض معه من قوانين وضعية ونقف مع إخواننا الأقباط ومع البابا شنودة في موقفهم بأن ندع القوانين المنظمة للأحوال الشخصية للأقباط لكي يضعوها بأنفسهم دون تدخل من أحد. هكذا علمنا قرآننا وربانا رسولنا، ولو كره بنديكت وأهله.