د. رسمى عبدالملك يتبنى موقف الأقباط الأرثوذكس أكدت مصر والرئيس حسنى مبارك مدى تأييدها للكنيسة القبطية المصرية فى تمسكها بعقيدتها.. إيماناً بأن الأقباط نسيج متداخل وجزء أصيل وأساسى من شعب مصر.. احتفظوا بعقيدتهم المسيحية، وتمسكوا بها منذ القرن الأول الميلادى، حيث كانت مصر من أوائل البلاد التى بشرت بالمسيحية، وبرزت فكرة الكنيسة المصرية أنها الكنيسة الأرثوذكسية (أى المستقيمة الرأى)، الرأى الثابت دون تغيير، حاملة الكتاب المقدس كقوة داعمة لمصالح شعبها، وقادرة على تحقيق التفاعل الصحيح بين تعاليم الكتاب المقدس وقوانين الكنيسة، وظلت حاملة اللقب «الأرثوذكسى» حتى الآن، وهو المذهب الذى ينتمى إليه بالفعل الغالبية العظمى من أقباط مصر. أما فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية، فلقد درج الأقباط منذ الفتح الإسلامى على أن تتولى السلطة الدينية النظر فى أحوالهم الشخصية.. لذلك أراد السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس الوزراء التأكيد على احترام الدولة الكامل للعقائد غير الإسلامية بمصر، من خلال إيفاد الدكتور مفيد شهاب لزيارة قداسة البابا شنودة الثالث لطمأنة قداسته على تأييد الدولة للكنيسة فى تمسكها بعقيدتها انطلاقاً من حرص ومسئولية الرئيس مبارك برعاية مصالح الوطن بجميع فئاته، وكل المواطنين أقباطاً ومسلمين وتأكيداً بأن الإسلام يشرع حق الأقباط فى الاحتكام لشريعتهم. (وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (سورة المائدة 47,46). وفعلاً تم تشكيل لجنة تابعة لوزارة العدل مكلفة بإعداد قانون الأحوال الشخصية للأسرة المسيحية.. وسيصدر القانون من قبل الدولة، وقد تم تمثيل الطوائف المسيحية الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية) من قبل الدولة وليس من قبل الكنيسة الأرثوذكسية.. وأتساءل: 1- ما المصادر التى ستحكم القانون الجديد الكنسى؟ ليس القانون الكنسى شريعة فكر بشرى، بل هو بمدلول تسميته شريعة كنيسة المسيح، ومصادره الأساسية (وهى مشتركة بين الكنائس التقليدية جمعاء) وتنبع من: الكتاب المقدس بالدرجة الأولى قوانين الرسل الأطهار قرارات المجامع المسكونية (وتعنى كل كنائس المسكونة) وهى مجامع «نيقية 325م - القسطنطينة 381م - أفسس 431م» - وقد سبق هذه المجامع أول مجمع مسكونى عقد فى أورشليم فى حياة الرسل عام 50م.. وسجله لنا سفر أعمال الرسل «15»، ويتحدث كثيرون عن هذا المجمع باعتبار ما حمل من وحدانية فى الفكر والقلب والروح. وقد كان للمجامع المسكونية عموماً دور مهم فى تدعيم وتقوية الوحدة المسيحية والكنسية.. وإقرار كل ما يتعلق بالإيمان والنظام فى الكنيسة. تعاليم مشاهير آباء الكنيسة الجامعة أما المصادر الثانوية: فتتمثل فى: ما استنبطه فقهاء القانون الكنسى قديما بعض تطبيقات لأحكام سابقة 2- ويأتى تساؤلى الثانى: إذا كان الإنجيل هو المصدر الأساسى فلماذا تظهر بعض الأصوات المعارضة؟ إننى أستعجب كيف يعتب البعض على قداسة البابا شنودة الثالث لأنه يلتزم بتطبيق ما ورد فى الإنجيل «دستور المسيحيين» الذى لا يجوز لأحد مخالفته مهما كانت مكانته الدينية أو الدنيوية.. هل يجوز للبشر مخالفة تعاليم الله؟! إن قضية الطلاق فى المسيحية ليست قضية تقديرية بل هى قضية ملزمة: «لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنى» والخروج عن ذلك خروج عن الإيمان المسيحى حسب نصوص الإنجيل الذى هو الشريعة والدستور والتاج على رءوس جميع المسيحيين فى جميع أنحاء العالم. فالزواج المسيحى من صميم الدين، وله قدسية باعتباره سراً من أسرار الكنيسة السبعة.. وذلك بقول السيد المسيح نفسه: «فأجاب يسوع وقال لهم، أما قرأتم أن الذى خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً، إذ ليس بعد اثنين بل جسد واحد، فالذى جمعه الله لا يفرقه إنسان». (مت 19:4-6). لذلك ترى الكنائس مجتمعة بجميع طوائفها أن لائحة (1938)، التى استندت إليها المحكمة الإدارية العليا بها بعض المخالفات الصارخة لتعاليم السيد المسيح.. مما دعا قداسة البابا شنودة الثالث فى 16/6/1978 أن مجمع ممثلى الكنائس والطوائف المسيحية جميعها وبلا استثناء، واتفقوا جميعا على مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد من خلال الإطار العام الذى قدمه قداسته للمبادئ الأساسية التى يقوم عليها هذا القانون استناداً إلى الكتاب المقدس الذى يحكم المسيحيين جميعاً ولا يجوز التشريع الوضعى ضد أحكامه أو الحكم بما يخالفه.. وفى مقدمة هذه المبادئ: - مراعاة مبدأ وحدة الزيجة. - عدم الطلاق بالإرادة المنفردة (بمعنى أن يعرض أمام المحكمة والقاضى يقرر التطليق). - الاحترام الدينى للزواج وأشكاله (والتأكيد على إتمام الزواج على يد كاهن بمراسم دينية). - الالتزام بشريعة العقد. وفعلاً تم تسليم المشروع المتفق عليه فى عام (1979) إلى الدكتور صوفى أبوطالب رئيس مجلس الشعب فى ذلك الوقت، وذكر المشروع أنه لا مانع من النص بالنسبة للكاثوليك على تحريم الطلاق وإجازة الانفصال الجسمانى، ولم يخرج المشروع إلى النور لسبب أو لآخر.. ورأت الطوائف جميعا تقديمه مرة أخرى عام (1990).. ثم مرة ثالثة عام (1998) للمستشار سيف النصر وزير العدل آنذاك موقعا من جميع الطوائف ولم نسمع أن هناك طائفة ما أثارت أزمة حول هذا المشروع الموحد.. مما يثير الدهشة من أصوات تعارض!! هل مجرد رغبة فى تمثيل شخص بعينه فى اللجنة التى شكلتها وزارة العدل أخيراً، وإلا يقوم هذا الشخص - رغم توقيع طائفته على المشروع - بإثارة المجتمع وخلق أزمة حول قضية شبه منتهية ومتفق عليها بل وملزمة وهى قضية الزواج والطلاق فى المسيحية.. أليس هناك اتفاق عام على أن الزواج المسيحى ليس فقط مجرد عقد بين طرفين بل إنه عهد أبدى لحياة مشتركة حتى الأمثلة فى ثقافتنا المصرية (زواج نصارى) أى زواج أبدى غير قابل للفك... لأنه يقوم على أساس أن (الله) هو الذى جمعه (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان)، فهو زواج دينى فى الأساس وليس مدنياً.. لا يجوز أن يتم إلا داخل الكنيسة وبيد (الكاهن) ولا يختلف الأمر بالنسبة للإسلام، فإنه يتم عن طريق (المأذون) أى الشخص الذى أذن له فى الشريعة الإسلامية بالقيام بهذا الأمر فى الإسلام... يعنى هذا أن مصر بوجه عام تؤكد على الزواج الدينى (مسلمين ومسيحيين). من هنا كان موقف قداسة البابا شنودة الثالث من حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن التصريح بالزواج الثانى.. وهو ليس صداماً بين الكنيسة والقضاء بل عكس ذلك فقداسته دائماً يفخر بعدالة القضاء المصرى ونزاهته، ولكن قد تكون الأزمة بين الكنيسة وما صدر من حكم القضاء يخالف الشريعة المسيحية وهذا بحكم موقعه كرئيس أعلى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، وبصفته الحارس للعقيدة وتعاليم السيد المسيح.. وجميعاً نعلم أن الأحكام القضائية بشكل عام قابلة للاستئناف.. وهذا لا يشكل أى أزمة أو أقوال خارجة عن سياقها.. ولا شك أن موقف الدولة فى سرعة إقرار هذا القانون الموحد سينهى على كثير من المشكلات وسيسكت الآراء التى تحاول خلق أزمة فى السنوات الأخيرة والتى جعلت الكنيسة تبدو وكأنها فى مواجهة الدولة والمؤسسات القضائية ومما يؤكد هذا أن قداسة البابا شنودة الثالث بحكمته وإيمانه بعدالة القضاء المصرى لم يشأ اللجوء للرئيس للتدخل.. بل لجأ لاستئناف الحكم وهو الطريق الذى سلكه إيمانا بأن الدستور والقانون هما السياج الآمن الذى يحمى الحقوق والواجبات. أما ما تم من تعبير من سيادة الرئيس لقداسة البابا، فيؤكد أن الكنيسة المصرية لها فى قلب مصر وشعبها ورئيسها كل تقدير واعتزاز، كما يؤكد على مكانة قداسة البابا، وما يتمتع به من حكمة واتزان وتواضع ورغبة أكيدة فى التماسك الوطنى وإبعاده عن الصراعات والسعى الجاد نحو الوحدة الوطنية ونشر مبادئ المحبة والأخوة.. كما تؤكد مشاعر السيد الرئيس من جهة أخرى بوصفه رئيساً للجمهورية كما أعطاه الدستور أنه صمام الأمان يسهر على تأكيد سيادة الشعب والقانون وحماية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية.. وأن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة أى أخطار تؤثر على توازن المجتمع وأمنه واستقراره.. هذا فيما أعتقد ما أراد السيد رئيس الجمهورية بحكمة أن يطمئن به قداسة البابا، مما أضاف مشاعر الارتياح والطمأنينة لدى الشعب القبطى المصرى.. ومما أكد أن الكنيسة وقداسة البابا شنودة الرمز الدينى الوطنى النادر، والشعب القبطى أحد عنصرى مصرنا الغالية فى عيون المصريين جميعا (حماك الله يامصر).