ثلاثة أيام في عمر الزمن قليلة, ولكنها في عمر قضية كبري تمر بمنعطفات خطيرة ليست بالأمر الهين بل هي كثيرة ومؤثرة. أقصد رحلة الرئيس حسني مبارك الأخيرة أيام22 و23و24 سبتمبر إلي روماوبرلين.. وهما عاصمتان أوروبيتان مؤثرتان.. دورهما رئيسي وإستراتيجي في صياغة السياسة الأوروبية كلها, وبالتالي تأثيرها علينا وعلي قضيتنا الفلسطينية قضيه العرب الأولي. استقبلت العاصمة برلين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل, مساء الأربعاء الرئيس مبارك في دار المستشارية.. كل من تابع المفاوضات واللقاء لاحظ الحفاوة والحميمية التي استقبل بها الألمان مبارك. فلم تخف المستشارة ميركل حفاوتها بالرئيس وقولها بأننا كنا ننتظره.. ونعرف أن الرئيس يختار التوقيت المناسب والدقيق ليكون معنا في قلب أوروبا.. ليعيد تذكير الجميع.. خاصة شركائنا وجيراننا الأوروبيين بدورهما في تحقيق الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط والعالم.. بالسلام الإقليمي للفلسطينيين والعرب, وكذلك للإسرائيليين. وفي اليوم التالي الخميس كان مبارك مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني بقصر الحكومة الإيطالية كيجي لتعميق العلاقات المصرية الإيطالية الثنائية.. أو علاقات المشاركة الإستراتيجية التي أرساها الرئيس مبارك ورئيس الوزراء الإيطالي في مايو2008.. ثم يعكف القائدان علي متابعة أهم قضية للسلام العالمي الآن, وهي قضية فلسطين.. ودولتها المرتقبة. ................................. فالدور الأوروبي مع العرب والفلسطينيين مؤثر ومهم.. فالأوروبيون ليسوا فقط الممول والمانح الاقتصادي الأول للدولة الفلسطينية, بل دورهم السياسي محفز وحيوي لكل شركاء السلام خاصة الأمريكيين والإسرائيليين, والرئيس مبارك يعطي من وقته وجهده الكثير لمتابعة العلاقات العربية والمصرية الأوروبية. ................................. وصل مبارك إلي أوروبا في توقيت حساس ودقيق قبل أيام من انتهاء مهلة تجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس.. أيام بل ساعات والعالم يترقب ماذا سيفعل نيتانياهو في المباحثات المباشرة التي بدأت في الأول من سبتمبر بالعاصمة الأمريكيةواشنطن.. ثم انتقلت إلي شرم الشيخ بمصر.. قلب المفاوضات وحارسة السلام الإقليمي, والحامية والضامنة للحقوق الفلسطينية التاريخية والعادلة, والتي تتحرك دوما بلا تأخير في اتجاه تحقيق مصالح الفلسطينيين لتحويل رؤية العالم واعتراف المجتمع الدولي لحل الدولتين, إلي حقيقة ماثلة أمام العالم لتنتهي أعقد القضايا والمشكلات العالقة والباقية بين الشرق والغرب, وهي حقوق الفلسطينيين والعرب مع إسرائيل. ................................. زيارة مبارك وتوقيتها الدقيق لأوروبا.. تذكرنا برحلته إلي فرنسا ولقائه مع رئيسها ساركوزي في نهاية الشهر الماضي.. وقبل حضوره قمة واشنطن الافتتاحية للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأول من سبتمبر الحالي. في الزيارة الأولي كانت رسالته أن أوروبا حاضرة ومؤثرة في المفاوضات المباشرة التي تجري في أمريكا رغم عدم حضورها. أما الزيارة الحالية فتكشف وتؤكد رؤية مصر أن أوروبا مؤثرة وحضورها ضرورة لحماية المفاوضات واستمرارها لتخطي مشكلة أو عقبة26 سبتمبر الحالي الخاصة بإنهاء قرار تجميد الاستيطان في الضفة والقدس وما يعقبه من انسحاب الفلسطينيين من المفاوضات وتأجيل السلام مرة جديدة. ................................. رسالة مبارك في القمتين الألمانية والإيطالية, كما كانت في قمة باريس.. كلها تؤكد الدور السياسي لأوروبا لحل الصراع وإقامة الدولة مكملا.. بل يجب أن يكون مستجيبا لدورها الاقتصادي في دعم وقيام الدولة.. كما تدعم بناءها. كما يطالبها بعدم التخلي عن مسئوليتها السياسية بالمساعدات أو الدعم الاقتصادي.. فقيام الدولة الفلسطينية وإعلان حدود فلسطين أهم من الإعلان عن مشروع مارشال جديد للفلسطينيين علي الرغم من أهميته. أوروبا عليها أن تحمي مسار نيتانياهو التفاوضي ولا تترك الفرصة لإصرار وزير خارجيته ليبرمان لإفساده بالعودة للاستيطان من جديد. أوروبا عليها مواجهة إسرائيل بحقائق مسار المفاوضات وتسلسلها التاريخي وما سبق الاتفاق عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع أولمرت بل ومع باراك أيضا.. ومع رابين من قبلهما.. بل إن شارون قبل مرضه كان قد توصل إلي الحقيقة وكاد أن يعترف بكل الحقوق الفلسطينية في سنواته الأخيرة لولا مرضه. وأوروبا أكثر قربا من إسرائيل.. وزعماؤها قادرون علي التأثير.. الأوربيون قادرون علي تلجيم يمين حكومة نيتانياهو وإقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية أن مستقبل عمليه السلام والأتفاق مع الفلسطينين أهم من الاحتفاظ بحكومة ائتلافية هشة يدفعها المتطرفون عبر إستخدام الاستيطان لإشاعه الإرهاب ومناخات الحروب والتوتر الاقتصادي والاجتماعي وتأجيل السلام للأجيال المقبلة. بل إن الرأي العام الإسرائيلي قد يثق في الأوروبيين أكثر من الأمريكيين وتأثيرهم علي عمقه وقدرته المعروفة. مبارك القائد القوي الصريح صانع السلام الحقيقي.. لا يتأخر عن دوره بحيوية الموقف وسرعة التحرك وباختيار التوقيت الدقيق.. وبتكامل وحشد الأدوار.. بين الأمريكي والأوروبي.. وباستمرارية الرباعية الدولية.. وأطرافها المختلفة مجتمعة أو كلا علي حدة بل المجتمع الدولي برمته, كما جاء في كلمته الموجزة بعد المباحثات الإيطالية.. ويخاطب الدول الكبري وقادتها ومسئوليها والمنظمات الدولية.. ولا ينس الرأي العام.. وحديثه المعبر للشعب الإسرائيلي يوم الأحد19 سبتمبر قبل سفره مباشرة.. وما تضمنه من رسائل سياسية عن كيفية صنع السلام بين الفلسطينيين, بل بين العرب والإسرائيليين جاءت واضحة وقوية وكاشفة. .. نعم.. كما قال الرئيس: السلام لا يصنعه إلا القادة الكبار والأقوياء. ومصر حاضرة بسياستها الواعية ورؤيتها التاريخية الواضحة وتحركها القيادي السريع والحاسمة سعيا إلي توضيح ما قد يكون غائبا أو معتما أو تصحيح ما قد يكون في حاجة إلي مراجعة أو تدقيق.