ماذا لو حدثت مقاطعة للحوم؟.. رئيس شعبة القصابين يُجيب    عاجل.. إيقاف مؤقت ل خدمات البنوك مع عودة التوقيت الصيفي    سفير ألمانيا بالقاهرة: المدرسة الألمانية للراهبات أصبحت راسخة في نظام التعليم المصري    الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكية وسفينة إسرائيلية    استشهاد الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم الشاطئ    4 مراحل.. كيف تعرقل إسرائيل دخول شاحنات المساعدات؟    السجن 10 أيام عقوبة جندى إسرائيلى تخابر مع إيران    جوهر وكيندي تتأهلان لنصف نهائي بطولة الجونة للإسكواش    المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بحيازة مخدرات في الإسكندرية    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    الأمم المتحدة تدعو لإصلاح النظام المالي للإسهام في تحقيق أهداف التنمية    رئيس جي في للاستثمارات لأموال الغد: 30 مليون دولار استثمارات متوقعة لاستكمال خطوط الإنتاج المطلوبة لسيارات لادا    قائمة يتصدرها ميسي.. نجوم العالم في انتظار جيرو بالدوري الأمريكي    علي فرج: مواجهة الشوربجي صعبة.. ومستعد لنصف نهائي الجونة «فيديو»    تعرف على تردد قناة الحياه الحمراء 2024 لمتابعة أقوى وأجدد المسلسلات    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    البابا تواضروس يشيد بفيلم السرب: يسطر صفحة ناصعة من صفحات القوات المسلحة    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    حفل تأبين أشرف عبد الغفور بالمسرح القومي    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    صراع ماركيز ومحفوظ في الفضاء الأزرق    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    أزمة الضمير الرياضى    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    العاهل البحريني ورئيس الإمارات يدعوان إلى تهدئة الأوضاع بالشرق الأوسط    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهم يخترقون الوطن.."النموذج المصري" .. د. رفعت سيد أحمد
نشر في المصريون يوم 13 - 06 - 2005

تعيش المنطقة العربية، منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، تحولات سياسية وعسكرية كبري، تستهدف بالأساس تفكيك لحمة المنطقة وتماسكها بهدف إعادة تركيبها من جديد وفقاً للأهداف والمصالح الأمريكية والإسرائيلية والتى هى حتماً على نقيض المصالح العربية، الطامحة إلى الاستقلال والحرية، ولقد توسلت أمريكا وإسرائيل فى فرض أجندتهما الى وسائل عدة بدءاً من العمل المسلح العدوانى مروراً بالعمل السياسي، انتهاء بالاختراق المنظم للمجتمع فى كافة المجالات الثقافية والاقتصادية والعلمية.. - ولأن بعض شعوب هذه المنطقة ليسوا أمواتاً، كما تصور وخطط صانع القرار الأمريكى الصهيوني، فلقد قاوموا، وفى الوقت الذى كانت فيه بعض حكوماتهم تستسلم واحدة تلو الآخري، بل وتخترع كل واحدة طريقة جديدة فى الاستسلام مزينة إياها بمُسمى براق، وغطاء زائف من العقلانية الى التفاوض، والحوار وغيرها من المسميات التى فقدت معناها لأن جوهرها فاسد، ومناقض لهوية الأمة ومصالحها، بل ومستقبلها. - فى هذا السياق أتت عمليات المقاومة الشعبية المسلحة والسلمية، لمواجهة المشروع الأمريكى الصهيوني، وكانت بفاعليتها، بمثابة حائط صد لهذه الغزوة الامريكية التى تستهدف تفكيك وإعادة تركيب المنطقة، واستطاعت المقاومة العربية بشقيها: المسلح فى فلسطين إبان سنين الانتفاضة -2000 2005- وفى العراق -أبريل 2003 حتى اليوم 2005- واللبنانية بقيادة المقاومة اللبنانية-1982 2000 والتى لاتزال مستمرة لاستمرار الاحتلال وعوامل التهديد الأخري-، والمقاومة بشقها السلمى الشعبى المتمثل فى التحركات الشعبية الرافضة، وكذا فى جمعيات وأحزاب، ولجان مقاومة التطبيع والدفاع عن المقاومة العربية المسلحة ومساندتها إعلامياً وسياسياً بل ومادياً، لقد تمكنت هذه المقاومة بشقيها ورغم الصعوبات، أن تعرقل خطوات المشروع وأن توقف ولو مؤقتاً الخطوات المتسارعة التى كان ينتويها ولايزال يعمل عليها، ولقد سبق لنا أن أشرنا تفصيلاً فى أكثر من مقال ودراسة الى تجارب المقاومة العربية المسلحة فى -فلسطين العراق لبنان-، وفى هذه الدراسة نحاول أن نقترب من تجربة العمل الشعبى السلمى المقاوم فى البلاد العربية، وسنأخذ الحالة المصرية كنموذج، ما له وما عليه، مستهدفين تطويره، وانضاجه أكثر، عيوننا على الإيجابى منه أكثر من السلبي، نحاول أن نبحث عن نقاط الضوء وليس عن جوانب القصور فحسب رغم أهميتها، فماذا عن هذه التجربة واقعاً، وآفاقاً؟ الاختراق الثقافى / السياسي فى البداية دعونا نرصد جوانب الاختراق الثقافى / السياسى لجمعيات وهيئات ما يُسمى بالمجتمع المدنى المصري، والتى يصل عددها إلى -250 هيئة- أغلبها يتم تمويله بالمال من أمريكا وأغلبها يعمل وفقاً للأجندة الأمريكية والإسرائيلية فى الدفاع عن قضايا هامشية لا علاقة لها بالمقاومة هؤلاء يمثلون مصدر خطر يحتاج إلى مقاومة..ففى بلد مثل مصر أقامت أمريكا والاستراتيجية الغربية ركائز لها من خلال سياسة لتمويل واسع النطاق لمنظمات ما يسمى بالمجتمع المدنى والتى تم رصد حوالى 16 جمعية ومنظمات وبرنامج... - هذه المنظمات وغيرها التى يصل عددها الى 250منظمة وجمعية يقوم بتمويلها شبكة من المنظمات الأمريكية والغربية حوالى 36 منظمة مرتبطة بالسفارة الأمريكية وبمكتب المخابرات الأمريكية الموجود بها وهو مكتب يعد الآن أكبر مكتب للمخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط بل هو يدير أغلب عمليات هذه المخابرات فى المنطقة، وأيضاً تدار شبكة التمويل من خلال مكتب ال -اف. بي. آي- المباحث الفيدرالية الأمريكية رغم أن هذا الأخير المفروض أنه يختص بالداخل الأمريكى -وليس الخارج مثل ال سي. آي. إيه- ولكن ابتذال السيادة الوطنية من قبل أمريكا فى مصر وصل الى حد مخيف وخطير، وتستند واشنطن فى إدارة هذه الشبكة من الاختراق المنظم باسم حقوق الانسان والمجمتع المدنى إلى حوالى 35 ألف أمريكى يمثلون أكبر جالية لأمريكا فى العالم، وهؤلاء يخترقون كافة مناحى الحياة العسكرية والسياسية والقانونية والاقتصادية فى مصر تحت لافتات وهمية باسم الشراكة والتعاون والاستشارات القانونية وغيرها!! 500 مليون دولار للاختراق - بالإضافة الى هذا جميعه، ولمزيد من كشف حجم الخطر، خطر الاختراق للجسد الثقافى والاجتماعى والسياسى المصرى تذكر الحقائق الجديدة أن حجم التمويل المرصود لهذه المنظمات والهيئات فى المنطقة العربية وحدها يصل الى قرابة 005 مليون دولار فى العام الواحد، وتذكر الحقائق الحديثة جداً أن أشهر المؤسسات الغربية التى تمول تلك المنظمات الأهلية المشبوهة فى مصر هى هيئة المعونة الأمريكية وأشهر مؤسسة تمويل أمريكية غير رسمية هى -مؤسسة فورد-، وهناك قطاع آخر نشأ بعد مبادرة كولن باول الخاصة بالشرق الأوسط الكبير التى صدرت فى ديسمبر عام 2003 وقطاع آخر مهم للتمويل يخرج من الحكومة الأمريكية مباشرة، يبلغ 420 مليون دولار مخصصة للمنطقة العربية لدعم أنشطة حقوقية وحسب المنشور الذى أصدرته الحكومة الأمريكية فإن نصيب مصر منها 70 مليون دولار تنفق بمعرفة السفارة الأمريكية. وهناك مؤسسات أخرى مثل منحة واشنطن التابعة للكونجرس تنفق مليون دولار سنوياً وهناك المعهد الديمقراطى الامريكى والذى ترأسه مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة التى زارت مصر منذ أسابيع قليلة واجتمعت ببعض رؤساء الأحزاب الليبرالية الجديدة وبعض رجال الأعمال المتأمركين!! وهناك أيضاً مؤسسة فورد والتى رصدت ميزانية قدرها 51 مليون دولار للمنطقة العربية منها 5 ملايين دولار لمصر، ومؤسسة فورد متهمة بأنها شاركت فى تمويل الانقلاب الذى حدث فى شيلى على سلفادور الليندى الرئيس المنتخب من شعبه، كما دخلت مؤسسة جورج سورس اليهودى الى تمويل الانقلابات فى منطقتى جورجيا وأوكرانيا، وله نشاطه فى مصر ومؤسسة ايزنهاور والتى تزعم قيامها بدور للتقريب بين الشعوب والولايات المتحدة ويرأسها جون ولف وهدفها خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية بالأساس تحت دعوى نشر ثقافة السلام فى المنطقة. دور دعاة الليبرالية ومن عجائب الاختراق الأمريكى / الإسرائيلى فى مصر هذه الأيام مسارعة بعض من دعاة الليبرالية -الغريب أنهم كانوا كلهم يساريين وقوميين ثوريين فى السبعينات والثمانينات- بإنشاء منظمات أهلية سواء عبر وزارة الشؤون أو فى صيغة الشركات المدنية التى تسجل فى الشهر العقارى وتحصل على دعم، كما ان هناك ست منظمات مصرية حصلت على مليون دولار من السفير الامريكى -وسبق ذكرها- وكان يقودها احد المراكز لصاحبه الذى يحمل جنسية أمريكية ومتزوج فى نفس الوقت من سيدة أمريكية كانت مسؤولة عن مجلس السكان العالمى ومنظمة مجلس السكان فى الشرق الأوسط التى كانت تنفق على الختان، ووصل الانفاق على بعض ندوات المركز الى خمسة ملايين دولار، ويعد صاحبه عراب التمويل الأجنبى فى مصر ويشاركه فى مهمة الوساطة للتمويل بعض الهيئات التى تدعى الدفاع عن حقوق الانسان مثل مركز القاهرة للدراسات الذى يشارك فى تلقى التمويل من الاتحاد الاوروبى وفورد ومؤسسات امريكية وهو مسؤول عن توزيع التمويل كوسيط يزكى راغبى التمويل عند الاتحاد الأوروبي، وتحت عنوان تنمية الديمقراطية تدفع المعونة الامريكية مليون دولار سنوياً لتدريب صحفيين ومهنيين مصريين والهدف ليس التدريب كما هو معلوم ان الهدف هو خلق قنوات ارتباط مع الادارة الأمريكية لتنفيذ مشروعها فى المنطقة. فضلاً عن هذه المؤسسات هناك مؤسسات أوروبية أخرى مثل مؤسسة فريدرش أيبرت وهانز زايدل الألمانية وثيقة الصلة بالسفارة الألمانية ومؤسسة نوفيب الهولندية ودانيدا الدانمراكية وعدد من الكنائس فى الشمال الاسكندنافى تدفع أيضاً تمويلات لمنظمات داخل مصر، وتوجد أيضاً منظمة سيدا الكندية وهى مثل هيئة المعونة الامريكية، ومن وجهة نظر كاتب وطنى معروف هو د.عبد الحليم قنديل رئيس تحرير صحيفة العربى الناصرية أن انقسام التمويل الخارجى الى رسمى وغير رسمى يستهدف بالأساس خلق حالة تكييف هيكلى للاقتصاد، وخلق طبقة جديدة من جماعة البيزنس وهى طبقة لديها مليارات ولا تعمل فى أنشطة تضيف للمجتمع وانما يعملون كوكلاء لشركات متعددة الجنسيات، الاتجاه الثانى للتمويل الأجنبى غير الرسمى هو عمل تكييف هيكلى للسياسة وخلق مثقفين التقوا مع رجال الأعمال لخدمة أمريكا لطرح فكرة الاصلاح السياسى وفكرة حرية التجارة والسلام مع اسرائيل ومطاردة التيار الاسلامى وتفكيك المنطقة. وليس من فراغ كما يقول د. عبد الحليم قنديل أن نجد كل من يتلقى تمويلا اجنبيا يرفع شعار الديمقراطية والسلام مع اسرائيل ولا يعارض الاحتلال الامريكى للعراق، وهذا يفك الحصانة ازاء القضايا القومية بحيث يصبح ما تريده أمريكا لنا هو أفضل شيء يناسبنا، طبعاً من وجهة نظر هذه الهيئات الممولة أمريكياً وغربياً. العمل الشعبى المصرى قديم رغم تنوع وثراء التجربة المصرية ورغم قدمها وتعدد مشاربها فإنه يمكننا أن نوجز حال تجربة العمل الشعبى المصرى الداعم للمقاومة العربية والمساند لقضايا الأمة فى جملة من المحاور: أولاً: تجربة العمل الشعبى السلمى فى مصر تجربة قديمة، قدم التاريخ، وهى ليست نبتاً شيطانياً، وهى لم تبدأ اليوم، أو بالأمس القريب، ولا حتى بحقبة الأربعينات -حركة العمال والطلبة وأحزاب الرفض الاجتماعى والسياسى المؤثرة- ولا نهاية الستينات -حركات الشباب الرافض للهزيمة- أو السبعينات -تحركات الطلاب والعمال والتى كان أعلاها أحداث 18 و 19 يناير 1977- أو الثمانينات بكل ما زخرت به من تطورات نقابية وظهور منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدنى وما تلاها من أحداث عنف مسلح بين النظام والجماعات الاسلامية التى سبق لها اغتيال السادات -1981-، ويقيناً فإن العمل الشعبى المصرى لم يولد فى التسعينات بكل ما عاشته من تحولات إقليمية بدأت بغزو العراق للكويت وانتهت مع مطلع العام 2000 بإنهاء النظام العراقى السابق وبالعدوان الامريكى الاجرامى على العراق ومن قبلها أفغانستان، وشهدت ميلاد الانتفاضة الفلسطينية الثانية 28/9/2000. - ان العمل الشعبى المصرى أقدم من كل هذه الحقب التاريخية وهو فى تقديرنا يعود إلى عصور ما قبل الميلاد حين قامت الثورات، ضد الظلم الفرعونى والتى بلورتها الآية الكريمة فى قرآننا العظيم على هيئة تكليف الهى من الله سبحانه وتعالى الى نبيه موسى عليه السلام وأخيه هارون حين قال غاذهبا الى فرعون انه طغيف، ومع وجود الطغيان السياسى كانت الثورات، وكانت دعوات الأنبياء وكانت تحركات الشعوب، وهذا الشعب المصري، ظل طيلة عمره، يقاوم الفرعونية السياسية وطغيانها، سواء كانت فى التاريخ القديم قبل الميلاد أو بعده، إلى أن جاء العصر الحديث الذى بدأ بالحملة الفرنسية والتى انتفض الشعب المصرى فى مواجهتها بثورتين مؤثرتين قادهما رجال الدين من العلماء، وتحرك الأزهر وقتها بثورته الشهيرة المؤثرة، ثم كانت المقاومات الشعبية التى يذكرها الجبرتى فى تاريخه، والتى استمرت مع الاحتلال الانجليزى الى ان جاءت ثورة يوليو 1952 بفضل هذا العمق الشعبى الفاعل والمؤثر والمتجذر. وكر الجواسيس فى مصر ثانياً: بإطلالة سريعة على حال الهيمنة الغربية المفترض أن تقاومها الحركة الشعبية المصرية اليوم: نجد الهيمنة الأمريكية -30 ألف أمريكى يعملون فى مصر وفى مواقع مؤثرة فى الاقتصاد والسياسة والاستشارات العسكرية.. الخ من خلال 36 هيئة تمويل وتنظيم أغلب هذه الهيئات على علاقة بالمخابرات الأمريكية- والهيمنة الأوروبية -عشرات الهيئات والجامعات والتمويل المشبوه لمنظمات وهمية تدعى الدفاع عن حقوق الانسان وهى ليست سوى دكاكين لمرتزقة صغار اختطفوا قيمة حقوق الانسان- وقيمة -المجتمع المدني- وصادروها لمصلحتهم ولأهدافهم الشخصية -المالية بالأساس-، والهيمنة الإسرائيلية: المتمثلة فى العلاقات الدبلوماسية -سفارة فى القاهرة توالى على ادارتها 9 سفراء من رجال الموساد وقنصليتين: الأولى فى القاهرة والثانية فى الاسكندرية- والعلاقات الثقافية -يمثلها المركز الأكاديمى الإسرائيلى المنشأ عام 1982 والذى يستهدف اختراق المجتمع والعقل والضمير الثقافى المصري-. غانظر تفاصيل دوره فى كتابنا: وكر الجواسيس فى مصر المحروسة: ملفات المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة مكتبة مدبولى 1999- ومن خلال العلاقات الاقتصادية
-اتفاقات الكويز + الغاز المصرى كأحدث أشكالها-. الضمير المصرى والهيمنة - هذه الهيمنة الغربية مترابطة، وتتداخل الأدوار والعلاقات وشبكات التمويل والتنظيم بين عناصرها ويتم ذلك بأشكال وتنويعات وسياسات متعددة وخبيثة فى الأداء والفعل. ثالثاً: بدأت المقاومة الشعبية المصرية ضد هذا الاختراق للضمير المصرى -ونقصد هنا بالضمير كل المنظمات والهيئات الثقافية والاجتماعية الشعبية- بالأساليب التقليدية: التظاهرات والاعتصامات، والكتابات السياسية والتحركات الطلابية والتى كانت دائماً تأتى فى الطليعة منذ السبعينات وحتى العام 2005، كانت سباقة ومؤثرة، وانتقلت المقاومة من الأساليب التقليدية إلى الأساليب غير التقليدية حين لجأت عناصر من المقاومة الشعبية إلى الفعل المسلح وجميعها كانت تستهدف عناصر العدو الصهيونى من أجهزة المخابرات الموجودة فى سفارته بالقاهرة، وبعض العناصر الأمنية الأمريكية، وتنوعت الأساليب غير التقليدية لتنشأ لجان عديدة لدعم المقاومة ومساندتها بالمال وعبر القوافل الطبية والغذائية، وبالزيارات بل والتطوع فى صفوفها كما حدث حين تطوع بل واستشهد شباب مصرى فى الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وكان للمثقفين والسياسيين الرافضين للتطبيع مع العدو دورهم المؤثر سواء بالعمل الشعبى الجماهيرى أو من خلال العمل النخبوي. رابعاً: من باب النقد الذاتى يهمنا أن نؤكد أنه وخلال الربع قرن الماضى من العمل الشعبى المصرى القادم شاب هذا العمل أخطاء من قبيل عدم التنسيق كثرة اللجان المتشابهة ظهور زعامات بلا جمهور أو ما أسميناها فى حينها وفى دراسة موسعة بأنهم تحولوا الى جنرالات من غير جنود تجدهم يستهدفون فحسب الظهور الاعلامى ولا يشغلهم بأى حال الفعل المؤثر المخلص ثم حدوث انشقاقات فى اللجان الداعمة للانتفاضة وتلاها انصراف بعض المؤسسين إلى أعمال شعبية تستهدف النظام الحاكم وتغييره مع نسيان أو تناسى العدو الأمريكى / الإسرائيلى مثلما حدث عندما أُسست حركة -كفاية- والتى رغم أهميتها ونبل فكرتها الا أنها سحبت أبرز العناصر الناشطة فى مجال دعم الانتفاضة ومساندة المقاومة العربية الى طريق واحد فقط وهو منع التمديد للحاكم -الرئيس مبارك- والتوريث لنجله -جمال- ونسيت فلسطين والعراق ولبنان ولم تذكرها إلا لماماً. سبيكة وطنية واحدة - ولكن رغم هذه السلبيات والأخطاء من وجهة نظرنا إلا ان الزخم الشعبى الذى خلفته هذه الحركة الشعبية الثرية فى أدائها وفى مكوناتها، حيث برز المكون الاسلامى والقومى واليسارى بل والليبرالى غير المرتبط بأمريكا فى سبيكة وطنية واحدة وقفت بقوة ضد المشروع الأمريكى / الصهيوني، وقاومته بكافة أشكال المقاومة بدءاً بالكلمة -المكتوبة أو المرئية- وانتهاء بالدعم المادى المباشر والذى وصل إلى حد المشاركة فى أعمال الانتفاضة المسلحة ومروراً بالمظاهرة مع استحضار الرموز الدينية والوطنية فيها كأن تنطلق المظاهرات من الأزهر الشريف والجامعات والميادين العامة وتنوعت وسائل الفعل الشعبى فى المؤتمرات والمسيرات الشعبية فى المحافظات وكذا فى المقاطعة الاقتصادية للسلع والبضائع الأمريكية والإسرائيلية. لقد خلقت كل هذه الفعاليات الشعبية عبر ربع قرن من حكم الرئيس المصرى الحالى تراكماً شعبياً كبيراً، صار بمثابة قوة ممانعة شعبية تقف كحجر عثرة أمام محاولات التهويد والأمركة والتطبيع، ورغم حدوث اختراقات، إلا أن الجسد فى مجمله لايزال بخير، بفضل هذه الممانعة التى هى بالأساس ممانعة طبيعية نتيجة الموروث المقاوم لدى هذا الشعب، ثم أضافت اليها قوى ولجان وفعاليات النخبة السياسية والثقافية، زخماً جديداً، أعطاها تأثيراً وديمومة وحضوراً. خطورة اللحظة التاريخية خامساً: والسؤال الآن بعد هذه الإضاءة السريعة على المشهد السياسى الراهن لحالة المقاومة الشعبية فى مصر كنموذج لحالة المقاومة العربية السلمية، ماذا عن آفاقه، ماذا عن المستقبل؟ فى تقديرنا أن المستقبل مرتهن بمدى وعى وإدراك قيادات العمل الشعبى المصرى -وبالطبع العربي- لخطورة اللحظة التاريخية التى تمر بها الأمة، وأنها ليست لحظة عادية يمكن التعامل معها بذات الأساليب العادية، انها لحظة استثنائية، ومن ثم هى تحتاج إلى إبداع وسائل جديدة للمقاومة الشعبية السلمية، ترفد المقاومة الشعبية المسلحة فى بلاد المواجهة المباشرة غالعراق فلسطين لبنان وغداً ايران وسورياف بزاد جديد من الدعم المعنوى والمادي، وسائل تستفيد من خبرة الماضى ولكن لا تتوقف عندها فالتظاهرات والمقاطعة الاقتصادية والكتابة الصحفية، والاعلام المرئى -بل والانترنت- باتت لا تكفى خاصة مع اختراق وتطويع جزء رئيسى من النخبة السياسية وتدجينها داخل المشروع الأمريكى الصهيوني، مطلوب استخدام وسائل أخرى وما أكثرها -من قبيل استخدام المسجد والكنيسة والنقابة والفتوى الدينية فى الصراع، وفى رفض التطبيع، واستخدام العناصر الوطنية فى البرلمان لإسقاط أو على الأقل لتحييد اتفاقية كامب ديفيد وما تلاها من اتفاقات مذلة مع أمريكا وإسرائيل، مع إعلاء قيمة الدعم المباشر للمقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية تختلف بالجميع السبل، أو أن يغنى كل على ليلاه.. لماذا لا تتوحد -ليلي-، وهى أصلاً واحدة أو على الأقل جعلتها الغزوة الأمريكية الجديدة، كذلك!! وثمة أساليب عديدة مبدعة مازالت فى الجبعة ولكنها تحتاج إلى حوار ومقام آخر. حالة إحباط ان حال العمل الشعبى فى مصر مجرد نموذج لحال العمل الشعبى فى بعض مناطق الوطن العربى فرغم انه يعانى من حالة إحباط، إلا أنه لايزال قائماً ومستمراً ولايزال قادراً على العطاء، انه يحتاج فقط إلى اعادة تنبيه وإيقاظ ويحتاج إلى اعادة ترتيب لأجندته حتى لا تكون قضية الاصلاح فيه منفصلة كما هو حادث عن قضية مواجهة المشروع الأمريكى الصهيوني، ان المطلوب هو ربط خلاق ومبدع بين مواجهة الحاكم المستبد ومواجهة المشروع الأمريكى القادم لافتراس الأمة كلها خدمة للمشروع الصهيوني، وهذا هو دور -الطليعة-، التى عليها مسؤولية تاريخية ثقيلة، قدرها أنها مطالبة بتحملها فى وقت تواجه فيه الأمة غزوة استعمارية جديدة تتضاءل بجوارها -حروب الفرنجة- القديمة، أو حروب الاستعمار الحديث، إن التاريخ لا يصنعه الخاملون، ونحسب أن طليعة الأمة العربية والاسلامية من أحزاب ونقابات وهيئات مقاومة، هى الضمير الحى الذى لا يخمل أبداً أو هى وفقاً لمقولة الشهيد الدكتور / فتحى الشقاقي: إن المثقف هو أول من يقاوم.. وآخر من ينهزم بل لا ينبغى له أن ينهزم أبداً!! ------ صحيفة العرب الدولية في 13 -6 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.