مع بلوغ نسبة التضخم نحو13% في نوفمبر الماضي حسب بيانات جهاز الاحصاء فإن فوائد ودائع البنوك البالغ متوسطها أقل من7% لم تعد كافية لتعويض نسبة التضخم. حيث تتآكل قيمة المدخرات بنسبة6% برغم الحصول علي العوائد المصرفية. فما بالنا بالحال مع العوائد علي الودائع بالعملات الأجنبية, سواء أكانت بالدولار أو الاسترليني أو اليورو والتي تقل عن نسبة نصف بالمائة بالعام حتي نوفمبر الماضي. ومن الناحية الأخري فإن متوسط رقم التضخم البالغ اكثر من13% يشير إلي سلة ضخمة من السلع والخدمات. بينما رقم التضخم الخاص بالسلع الغذائية والتي تمثل غالب إنفاق المصريين وصلت رسميا لأكثر من22%. وهي نسبة تحفظ البنك المركزي نفسه عليها بسبب احتواء سلة الغذاء المحسوب علي أساسها التضخم علي سلع أسعارها مدعمة لاتتحرك. وبما يعني أن المعدل الحقيقي لتضخم أسعار الغذاء أعلي من النسبة المذكورة والبالغة22%. ومن هنا يصبح من الرشد لدي أي صاحب مال أن يبحث عن عوائد لأمواله تزيد علي نسبة التضخم كي يحافظ علي قيمتها الشرائية علي الاقل. ولذلك فقد اتجه البعض إلي الاستثمار بالاوراق المالية بالبورصة حتي بلغت قيمة تعاملات المصريين بها بالعام الماضي نحو363 مليار جنيه. بينما بلغت زيادة الودائع بالبنوك خلال العام المنتهي في اكتوبر الماضي بما فيها الودائع الحكومية69 مليار جنيه فقط معظمها فوائد لأرصدة الودائع القديمة. واتجه البعض للاستثمار من خلال صناديق الاستثمار, بينما اتجه آخرون إلي مايسمي شركات توظيف الاموال عبر آخرين. وفضل آخرون الاتجار بالعملات عبر مكاتب الفوركس. واتجه آخرون لعمل مشروعات انتاجية أو خدمية. ومن خلال الاحتكاك ببعض هؤلاء فما من شخص نصحته بأن البورصة لاتضيف شيئا للإنتاج المحلي ولاتضيف فرص عمل, أو بأن الاتجار بالفوركس مخاطره عاليه, إلا ورد كل منهم بتجربة أليمة مر بها مشروعه الخاص, والمزايا التي تتمتع بها المضاربة بالمقارنة للمشروعات المنتجة. فصاحب المشروع برغم كونه يضيف للانتاج وللتشغيل مطلوب منه ضرائب دخل وضريبة مبيعات ورسوم محلية ويتردد عليه مندوبو التأمينات والقوي العاملة ومكتب الصحة والمرافق وأخيرا الضريبة العقارية. أما إذا ترك الانتاج وتفرغ للمضاربة فإن أرباحه معفاة تماما من الضرائب ولن تطارده أي من جهات الجباية المتعددة. وهو مايؤكده تقرير أخير للبورصة يشير لتزايد نشاط الاستثمار بالاوراق المالية غير المنتج بمحافظات الاسكندرية والدقهلية والغربية والقليوبية والشرقية والمنوفية والمنيا وأسيوط ودمياط. وهو أمر ضار بالتنمية المحلية وبإمكانية خفض معدلات البطالة. فقيم الربح السريع التي إذا لم تجد بغيتها في البورصة ستنتقل بأموالها إلي سوق أخري مثل العملات أو الاراضي أو العقار كي تمارس به أسلوبها لافتعال طلب غير حقيقي لتحقيق أرباحها العالية السريعة التي تعودت عليها. وهكذا تظل تنتقل من سوق إلي أخري لينتقل تأثيرها الضار لأكثر من سوق. ولقد نبه الكثيرون إلي أن ضحايا مايسمي بشركات توظيف الأموال المنتشرة في ربوع البلاد أو ضحايا مكاتب الفوركس يعبرون عن مشكلة حقيقية تواجه صغار المستثمرين في مصر. الذين أجبرتهم جهات الجباية ومابها من فساد ورشوة علي المغامرة غير المحسوبة. إلا أن وزارة الاستثمار لم تلتفت إلي هؤلاء ومازالت تركز نشاطهامع الكبار من خلال المؤتمرات المستمرة, والبيانات المنفوخة المستندة الي تعريفات اقتصادية لاتأخذ بها كل الدول. ومازالت صناديق الاستثمار تركز علي الاستثمار بالاوراق المالية ولم تظهر صناديق تستثمر بالقيم المنقولة رغم سماح القانون بها. وبورصة النيل ليس بها جديد يحقق مآرب صغار المستثمرين. وبدلا من أن تقوم البنوك بدور في إنشاء الشركات وترويج الاكتتاب بها فقد اتجهت للاستثمار المضمون في أذون الخزانة الحكومية والسندات الحكومية واقراض الحكومة أو إيداع أموالها فيما بينها. حتي ان الزيادة بالقروض غير الحكومية بكل البنوك خلال العام المنتهي في اكتوبر الماضي بلغت1,2 مليار جنيه فقط بنمو ثلاثة بالألف. أي أقل من نصف بالمائة. رغم أنه بدون أي إقراض جديد فمن الطبيعي أن تزيد أرصدة القروض بمعدل الفوائد عليها والبالغ متوسطه12%, فعندما تكون الزيادة ثلاثة بالألف فإن هذا يعني تراجع الأرصدة الحقيقية للإقراض. وحتي مايتحقق من اقراض فهو موجه أساسا للمشروعات الكبيرة. وإذا كان المسئولون يهمهم بالدرجة الأولي الاستقرار الأمني, فإن ذلك الاستقرار يمكن أن يتحقق من خلال التنمية. فمن لديه مشروع يتكسب منه سيكون مستقرا اجتماعيا. وسيكون أحرص الناس علي الاستقرار الأمني كي يستمر مشروعه في تحقيق العائد الذي يرعي من خلال أسرته. قطاع عريض من أصحاب الاستثمارات الصغيرة يجمع مابين مصريين بالخارج وآخرين بالداخل يمكن من خلاله استقطاب أموالهم وأفكارهم وقدراتهم البشرية والفنية. تحقيق اضافة كبيرة للطاقات الانتاجية نقلل بها العجز التجاري المزمن وتشغيل جانب من البطالة, وتحقيق مزيد من الاستقرار الأمني, بدلا من ترك جانب كبير من تلك الموارد فريسة لمستثمرين أجانب أو حيتان محليين يقتنصونها من خلال البورصة أو من خلال الفوركس, أومن خلال حالات النصب المتكررة. والتي لن تنتهي طالما لم يتوافر البديل الذي تزيد عوائده عن معدل التضخم الحقيقي.