هناك اجماع علي أن التعليم ما قبل الجامعي في مصر, يعاني من تحديات ومشكلات متراكمة علي مر السنين: خلل في سياسات القبول وخلل في توزيع الفرص التعليمية بين الريف والحضر وبين الذكور والإناث وبين الأغنياء والفقراء, وتخلف. واضح في طرق التدريس, اعتماد علي التلقين ومحاصرة لقدرات المتعلم واختزالها في أساليب تقييم استهانت بقدرات المتعلم وتضخم في درجات الثانوية العامة, فضلا عن وجود متخرجين لا يذهب إلا نحو ثلثهم إلي التعليم الجامعي والعالي ويظل العدد الباقي لا يعرف أي مهارات أو قدرات, ولا يتمكن إلا من العمل في مجالات هامشية لا تطور المشتغل ولا تضيف للإنتاج. وبالتالي إذا أردنا اصلاح التعليم ما قبل الجامعي في مصر فعلينا بفلسفة شجاعة تقوم علي الاقتحام نحو تغيير جذري وشامل, في الأهداف والآليات والتقييم, وصولا إلي مخرجات, تمكن المتعلم من أن يكون عارفا ذا مهارات وقدرات ومواطنا منتجا ومشاركا في أمور مجتمعه وفي العوالم المحيطة به. ويتطلب هذا تعريفه بحقوقه وواجباته كمواطن منتم إلي مجتمعه. ومساهم في طرح عناصره. رؤية جديدة علينا, قديمة نسبيا لدي غيرنا, تم تبنيها وحققت انجازات مهمة في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا وبعض البلدان الصناعية وتقوم الرؤية علي العناصر التالية: 1 إن التعليم حق لكل مواطن, كفله الدستور ويجب العمل الجاد الملتزم بتفعيله وبلا أي نوع من أنواع التمييز. فبجانب أنه حق أصيل لكل مواطن, فإن نتائجه الايجابية لا تتوقف علي المتعلم فقط من حيث معارفه ومهاراته وارتقاؤه المهني, وانما تتجاوزه إلي المجتمع بكل نظمه ومؤسساته, فالتعليم جيد النوعية يسهم في علاج المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع. 2 توحيد التعليم ما قبل الجامعي, من الحضانة وحتي المرحلة الثانوية في وحدة واحدة, لا تفصل بين علمي وادبي وعام وفني, وتكون الوحدة أشبه بجذع شجرة تتفرع بعد المرحلة الثانوية إلي فروع ومتكاملة المضامين والأهداف. 3 أن تضمن هذه الوحدة تعلم المتعلم وليس تعليم العلوم الأساسية, كالكيمياء والطبيعة وعلوم الحياة والرياضيات واللغة العربية والتاريخ واللغات الأجنبية وفي نفس السياق التدريب علي اكتساب مهارات الحياة, ومهارات متخصصة في مجالات بعينها تحتاجها ومشرعات التنمية, يشارك في تحديدها المؤسسات الحكومية ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدني. 4 بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية, يلتحق بالجامعات والمعاهد العليا الطلاب الراغبون في مواصلة التعليم العالي, كل حسب ما درس واكتسب من مهارات. أما من لم يلتحق بالتعليم الجامعي فيكون من السهل دخوله, إلي سوق العمل, علي أن تتاح له بعد ذلك فرص استكمال التعليم الجامعي والمهني العالي أو الالتحاق بدروس متخصصة ذات صلة بالمهن التي اشتغل بها, للارتقاء المهني ودعم الكفاءة الانتاجية في المجالات المحددة, مع تحرير شروط القبول من سنوات الحصول علي المؤهل السابق, وهو ما يشبه في بعض جوانبه التعليم الجامعي المفتوح وعن بعد. 5 تغيير أساسي وجوهري في دور المعلم, سواء في الفصل الدراسي أو خارجه, من كونه مصدرا للمعلومات مسيطرا علي التلاميذ, إلي وسيط صديق بين المتعلم ومصادر المعلومات والمعرفة.. بالتركيز علي تطوير قدرات المتعلم لكي يعلم نفسه. وذلك باكسابه قواعد التفكير والبحث العلمي والوصول للمعلومات وجمعها وتحليلها والمقارنة بينها وتفسير المشكلات وايجاد بدائل لمواجهتها وفهم العلاقات بين الأسباب والنتائج وادراك العلاقات بين الأشياء والظواهر المجتمعية وحتي الظواهر الطبيعية والبيئية فضلا عن التدريب علي التفكير النقدي القائم علي البيانات والمعلومات وليس مجرد الانطباعات. 6 لضمان الحق في التعليم وتكافؤ الفرص, نكون بحاجة إلي رؤية غير تقليدية لتمويل التعليم تقوم علي التعاون والتشارك بين الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وأولياء الأمور, وطرح وثيقة تأمين لتعليم غير القادرين, خاصة تعليم البنات, تتنوع مصادر تمويلها, بين اكتتاب عام بين مشاركة أولياء الأمور ولو علي نحو رمزي, بجانب صناديق الزكاة والتبرعات من الهيئات والدعم الخارجي, والحفلات والمهرجانات الفنية والرياضية. 7 تكثيف الاهتمام بالتعليم غير الرسمي( غير المؤسسي) وأن يكون موازيا للتعليم الرسمي منطلقا من الفلسفة والمباديء نفسها ساعيا نحو تحقيق الأهداف الكلية للتعليم, بالاعتماد علي الاعلام ومؤسسات الثقافة والشباب والرياضة ودور العبادة ومنظمات المجتمع المدني, كل فيما يستطيع أن يقدمه وفق أدواره وميزاته النسبية. بإيجاز ترتكز فلسفة التعليم المقترحة علي: دعم كل الزهور لتنفتح من خلال تكافؤ الفرص وعدالة التعليم. علم الناس كيف يتعلمون, اعداد العقل للتفكير بأنواعه. تعلم المتعلم كيف يعمل, مستخدما عقله, ولو كيف يصطاد سمكة واحدة.