هل يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تنخرط في الحرب المحتملة مع إيران رغم نفيها لذلك, وهل بإمكانها الوقوف علي الحياد في مثل هذه الحرب, وما هي أنماط السلوك المحتملة لدول المجلس في حال وقوع الحرب؟ فإلي الآن لا يبدو أن نهج دول المجلس في التعاطي مع الأزمة الإيرانية مختلف عن خبراتها السابقة مع تجارب الحرب علي العراق, إنه النهج ذاته الذي يلتزم بمواقف تنطوي علي قدر كبيرمن الصمت, ويتسم بالغموض أكثر من الوضوح. فهل يكفي هذا الموقف للتعامل مع أزمة بحجم احتمال حرب مع إيران بما قد يكون لها من تداعيات خليجية هائلة؟ كانت منطقة الخليج طوال الثلاثين عاما الأخيرة مركز وقلب الحروب الكبري في العالم; وظلت بامتياز المنطقة التي كتبت شهادة وفاة لنظام عالمي قائم وشهادة ميلاد لنظام عالمي جديد. وطوال تلك الفترة شهدت ثلاثة حروب ومواجهات كبري, كانت دول مجلس التعاون فيها هي الحاضر الغائب, حيث سعت دوما إلي النأي بنفسها عن الدخول في المواجهات, وفي ظل التهديدات الصاخبة في جوارها بحرق نصف إسرائيل من قبل النظام العراقي, أو إسرائيل كلها من قبل إيران, كان لهذه الدول رؤيتها الخاصة. وفي الحقيقة فإن دول المجلس لم تأل جهدا في تقديم النصيحة لإيران; فعبرت مرارا عن تفضيلها الخيار الدبلوماسي في تسوية الملف النووي الإيراني ورغبتها في تجنيب المنطقة ويلات الحرب. ولكن الخبرة العتيدة لهذه الدول في مواجهة الأزمات تمكنها من ترتيب بيتها جيدا وتغيير اتجاه الريح ساعة الصفر, وتبني مواقف حاسمة عند تصاعد الازمة ووقوع الحرب, لقد مكنتها تلك الخبرة حتي الآن من أن تجد نفسها علي الدوام إلي جانب المنتصر في المواجهات الثلاث الكبري سالفة الذكر. مع ذلك, فإن إعمال التفكير في الحرب المحتملة علي إيران, يشير إلي مجموعة من التحديات أمام دول المجلس في حال قررت انتهاج سلوكها السابق نفسه, فخبرة الثلاثين عاما السابقة قد لا تسعفها هذه المرة, ومن ثم عليها تطوير خياراتها وسياساتها. عناصر حاسمة في هذا الصدد تقف مجموعة من العوامل كعناصر حاسمة في تحديد أنماط سلوك دول المجلس خلال الحرب المحتملة مع إيران: أولا: هل تشارك إسرائيل في الحرب؟ لا شك في أن مشاركة إسرائيل في الحرب المحتملة علي إيران سوف تضع علامات استفهام كبيرة إزاء أي إسهام مادي أو معنوي من قبل دول المجلس, ولنتذكر كيف كانت هذه الدول حريصة علي تجنب اشتراك إسرائيل في الحرب الأمريكية علي العراق عام1991 باعتباره شرطا مسبقا لإسهامها في الحرب, وهو ما أمن للولايات المتحدة موقفا خليجيا موحدا, ووفر غطاء من الشرعية للسلوك السياسي لدول المجلس. وثانيا: مدي شمول الحرب فهل تكون الحرب المحتملة علي إيران شاملة, أم تقتصر علي الضربات الجوية والصاروخية التي تستهدف المنشآت والمواقع النووية فقط؟ فإذا جري توسيع نطاق الحرب واستهدفت ما هو أبعد من المنشآت النووية فإن دول المجلس قد لا تتمكن من الوقوف علي الحياد, وفي ظل أي خيار لا يتم معه إسقاط النظام الإيراني فإن هذا النظام سوف تتوافر له قدرات الرد, ولن يجد مفرا من الاستمرار في المواجهة من خلال توسيع رقعة الحرب لتشمل دول المجلس. ثالثا: طبيعة عمل ومهام القواعد العسكرية الأمريكية في دول المجلس, فنقطة الخلاف الرئيسية التي سوف تحدد مستوي انخراط دول المجلس في الحرب هي طبيعة عمل ومهام القواعد الأمريكية في دول المجلس وقت الحرب. وتكشف خبرة الحرب الأمريكية مع أفغانستان عن ذلك, فحتي نهاية الأعمال العسكرية في عام2001 لم يكن حجم الإسهام العسكري الخليجي في الحرب معروفا, إلي أن كشفت بعض التقارير عن أن مركز القيادة والسيطرة في هذه الحرب كان موجودا في إحدي دول مجلس التعاون, ولا تزال الوثائق والتقارير حول طبيعة ومدي إسهام القواعد الأمريكية بدول المجلس في غزو العراق عام2003 مجالا واسعا لتضارب الروايات. فما هو الموقف المتوقع لإيران لو اقتصر دور هذه القواعد علي التواصل مع مراكز القيادة والسيطرة أو تقديم العون الاستخباراتي أو استقبال وإرسال إشارات لاسلكية, أو التمويل بالوقود للقطع الحربية والطائرات.. في هذه الحال يمكننا توقع أكثر من نسخة للسلوك الإيراني من بينها إمكان توجيه ضربات إلي هذه القواعد. ويكشف الجدل السياسي الدائر بين إيران ودول المجلس خلال الأشهر الماضية عن قلق إيراني من احتمال مشاركة هذه القواعد في الحرب. وعلي الرغم من نفي دول المجلس لاحتمال مشاركة هذه القواعد في الضربة العسكرية إلا أنه يبدو أن هناك مساحات للخلط والإبهام, فالتخلي تماما عن خدمات هذه القواعد في حرب تخوضها الولاياتالمتحدة هو أمر يصعب تصوره بالنظر إلي الاعتبارات سالفة الذكر, وهي الخاصة بوجود أشكال مختلفة من الدعم والإسناد التي يمكن أن تقدمها القواعد من دون أن تنطلق منها صواريخ أو طائرات, فتظل أنشطة هذه القواعد علي درجة بعيدة عن سيطرة دول المجلس. وعلي سبيل المثال, فإنه في فبراير2010 ثار جدل بين دول المجلس وإيران- لم يحسم- حول ما إن كانت الولاياتالمتحدة قد نشرت أنظمة دفاع صاروخية جديدة بهذه القواعد العسكرية أم لا, وتفاوتت التصريحات الخليجية; فبينما نفت قطر مؤكدة من خلال رئيس مجلس وزرائها أنه لا توجد أصلا أي درع صاروخية جديدة أقيمت أو منصات صاروخية تم نصبها مؤخرا, فإن مستشار ملك البحرين للشؤون الإعلامية, أكد أن الهدف الأساسي من وراء نشر هذه المنظومة هو عملية دفاعية بحتة.. هي منظومة دفاعية وليس منظومة هجومية. ويشير ذلك إلي مفارقة جوهرية, فإذا كان نشر منظومات صاروخية جديدة بهذه القواعد هو أمر غير واضح بالنسبة لإيران ودول المجلس, ويتعذر التحقق منه بالتأكيد أو النفي, فكيف يمكن معرفة الأشكال المختلفة من الدعم والإسناد العسكري ساعة الحرب! ويبقي التكهن بشأن أنماط سلوك دول مجلس التعاون خلال الحرب متوقفا إلي حد كبير علي طبيعة القرار الإيراني وتطورات المواجهة العسكرية, فقد تجد دول المجلس نفسها مجبرة علي المشاركة لو وجدت أن حليفتها الولاياتالمتحدة في مأزق, كما أن سيناريو خروج إيران منتصرة يحمل خطورة بالغة علي أمن الدول الخليجية, وهو أمر يختلف تماما مع كيان وفلسفة وجود مجلس التعاون الخليجي, وبالقدر نفسه لا يمكن تصور استقرار الأوضاع بالخليج في الأمد القريب أو البعيد لو تعرض النظام الإيراني لهزيمة شاملة بما ينطوي عليه ذلك من احتمالات استنهاض القومية الفارسية بصور أكثر عدائية, أما إذا تعرض لهزيمة محدودة, فإنه سيظل عنصر تهديد علي أمن دول المجلس. هنا لا تقدم خبرات دول مجلس التعاون دروسا محددة في التعامل مع مثل هذه الأزمة, إن خبراتها قد تجعلها تنحاز لمواقف الغموض والصبر, لكنها لا تسعفها في مواجهة عوارض دائمة وأخطار ماثلة لا يتصور انتهاؤها بسقوط النظام الإيراني أو بقائه عند حد أدني من الخطر. وفي كل الأحوال, يصعب علي دول الخليج الحياد في هذه الحرب, وسيكون عليها مواجهة احتمالات أصعب لم ترها في تجاربها السابقة, وربما تأتي الصفقة العسكرية الأخيرة بين السعودية والولاياتالمتحدة( بقيمة60 مليار دولار) في سياق هذه المخاوف. مخاطر الخيار السلمي و قد يكون نمط السلوك الذي يمثل الخيار الأفضل لدول المجلس, علي نحو يجنبها المخاطر المتوقعة للحرب, يتمثل في أن تبحث هذه الدول عن البديل السلمي وتجنب الحرب. وان كان هذا الخيار يحمل ايضا بعض المخاوف من ان تكون هناك صفقة امريكية ايرانية علي حساب بلدان الخليج العربي. علي الناحية الاخري يمكن لدول مجلس التعاون أن ترسل رسالة مزدوجة تؤكد من خلالها لإيران أنها سوف تدخل الحرب إذا تم ضرب مواقع فيها, بما يمثل عنصر ردع لإيران, وبالمقابل تبلغ رسالة للإدارة الأمريكية بأنها لا يمكنها أن تسمح باستخدام قواعدها العسكرية بما قد يؤدي إلي الإضرار الأمني بها, وأنها لن تسمح باستغلال قواعدها في أي مهام حتي ذات الطبيعة اللوجستية. كما يمكن لدول المجلس أن تطرح مبادرة جديدة تطالب بمزيد من الشفافية الدولية في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني, بدلا من حصر التعامل فيه بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والولاياتالمتحدة والغرب, تكون علي غرار المبادرة التركية/ البرازيلية, علي اعتبار أن دول المجلس ستكون أحد الأطراف الرئيسية المتضررة من الحرب اقتصاديا وسياسيا وبيئيا.