رئيس جامعة المنوفية يوقع بروتوكول تعاون مع شركة CEB لتعزيز التعاون الأكاديمي    ارتفاع سعر الذهب في مصر بقيمة 30 جنيهًا خلال أسبوع    بورصة الدواجن.. سعر الفراخ والبيض مساء اليوم الأحد 6 يوليو 2025    نائب محافظ الفيوم يعقد لقاء لخدمة المواطنين بقرية سنرو مركز أبشواي    هيئة بحرية بريطانية: واقعة على بعد 51 ميلًا بحريًا جنوب غربي الحديدة باليمن    سوريا.. اندلاع بؤر نيران جديدة بريف اللاذقية ومساع لمنع توسعها    محمد السيد الشاذلي: فلسطين قضيتنا الأولى.. ومتمسكون بقرارات عمومية الصحفيين بحظر كافة أشكال التطبيع    بعد التجديد.. عبد الله السعيد ينشر صورة مع لاعب الأهلي ويعلق    نيرة أنور: البطولة العربية للسيدات بداية قوية للأفروباسكت    اختصر الطريق فوقع في قبضة الأمن.. ضبط سائق عكس الاتجاه على الطريق الإقليمي بالمنوفية    مرورا ببنها.. جدول مواعيد القطارات من الإسماعيلية إلى القاهرة اليوم الأحد 6 يوليو    بإطلالة أنيقة.. روجينا تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها (صور)    عمرو دياب يتصدر تريند "X" ب"إشارات" و"حبيبتي ملاك"    «بيعملوا من الحبة قبة».. 3 أبراج تبالغ دائمًا في ردود الأفعال    رئيس الوزراء يشارك فى قمة مجموعة "بريكس" نيابة عن الرئيس    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لردع العدوان الإسرائيلى على القدس والأقصى    الأرصاد: غدا طقس شديد الحرارة رطب نهارا مائل للحرارة رطب ليلا    الأهلي ينهي اتفاقه مع أسد الحملاوي.. الشرط الجزائي يفعل خلال أيام    شكراً شيكابالا.. شاهد أسطورة الزمالك يظهر في سماء الساحل    فريدة خليل تتوج بذهبية نهائي كأس العالم للخماسي الحديث    القومي للترجمة يعلن اقتراب إعلان نتائج النسخة الثانية من مسابقة «ترجم.. ابدع»    محافظ الجيزة يتفقد مستشفى مبارك المركزي بمركز منشاة القناطر    بعد امتلاء البحيرة، باحث بالشأن الإفريقي يكشف: إثيوبيا تملأ خرانا جديدا مع سد النهضة    الحبس سنتين لثلاثة متهمين في قضية معامل التحاليل الوهمية والاستيلاء على أموال نقابة الصحفيين    محافظ الدقهلية يوجه بسرعة الانتهاء من تطوير كورنيش شربين على النيل    كورتوا يدافع عن دوناروما أمام انتقادات التسبب في إصابة لموسيالا    19 مرشحًا لانتخابات مجلس الشيوخ يخضعون للكشف الطبي في أسيوط    كهرباء الإسماعيلية يكشف لمصراوي كواليس صفقة أوناجم    جلسة عاجلة أمام القضاء للمطالبة بصرف منحة استثنائية لأصحاب المعاشات    بعد تطبيق قانون الإيجار القديم؟.. اعرف هتدفع كام؟    سلاح الجو الأمريكي يعترض طائرة فوق نادي ترامب بولاية نيوجيرسي    إعدام 13 طن أغذية فاسدة خلال حملات رقابية مكثفة بالمنيا    رفع قيمة وثيقة التأمين من الحوادث للمصريين بالخارج إلى 250 ألف جنيه    تطوير السكة الحديد.. ما الذي حققته النقل في 11 عامًا؟ - صور    ميتسوبيشي تطلق سيارتها Grandis الجديدة في الأسواق.. صور وتفاصيل    ما موقف طالب الثانوية العامة المتخلف عن موعد أداء اختبارات القدرات 2025؟    قصور الثقافة تنظم يوما ثقافيا ضمن مشروع جودة الحياة بالمناطق الجديدة الآمنة    كلية الألسن بجامعة الفيوم تعلن عن وظائف شاغرة لأعضاء هيئة التدريس.. تعرف على الشروط والأوراق المطلوبة    "معلومات الوزراء" يكشف تفاصيل أول جهاز تنفس صناعي مصري    تظهر في العين.. أعراض تكشف ارتفاع نسبة الكوليسترول بشكل خطير    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بتكساس ل50 قتيلا على الأقل    ورش للأطفال عن السمسمية والأمثال الشعبية ضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها"    البحوث الإسلامية يطلق سلسلة الأطفال المرئية (أخلاقنا الجميلة) لتعزيز الوعي القيمي والتربوي    أرسنال يعلن ضم الإسباني مارتن زوبيمندي من ريال سوسييداد    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بالدقهلية    أحدث ظهور ل«هالة الشلقاني» زوجة الزعيم عادل إمام    «المصري للتأمين» يكشف دوره في دعم السلامة المرورية    الصحة تنظم برنامجا تدريبيا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة الأطباء    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    بيراميدز يكشف موقفه من ضم ثنائي الزمالك    محافظ الدقهلية:إحالة مديرة مستشفى مديرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل    حياة كريمة توزع 2000 وجبة سبيل بمناسبة يوم عاشوراء    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    آل البيت أهل الشرف والمكانة    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراتيل من أناشيد الضوء الملون
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 09 - 2010

في أيام متقاربة صعد اثنان من كبار الفنانين إلي مركبة النهاية ليودعا عالمنا المزدحم بالضجيج فبعد رحيل جسد محيي اللباد الذي أصابه الوهن ها هو صديقه عدلي رزق الله يركب نفس المركبة وكأنه رفض سفر محيي اللباد وحيدا فكل منهما ابن نفس العام الدراسي بالفنون الجميلة وكل منهما كان جار الآخر في نفس العمارة‏,‏ وأي منهما كان شريكا لزميله في الحلم بعيون مختلفة تستوعب إبداعات الألوان‏.‏ وهكذا غادرنا اثنان من المبدعين تاركين خلفهما اكتمال ابداعهما الشديد التفرد‏.‏ هذا التفرد المؤمن بأن حياة الفنان هي شعاع من نور يغزل شمس نهار قادم وبما اني واحد ممن عاشوا في رحاب قوس قزح الذي أهداه كل منهما لنا لذلك لابد ان أحكي بعضا من ملامح محاولة كليهما لإزالة التراب الذي يطمس عيوننا أحيانا فلا نلتفت إلي النقاء الذي يهديه الفن لنا‏.‏
وقد ودعت محيي اللباد وأنا علي ثقة في ان الضوء الصادر من ابداعاته سيبقي طويلا كجسر بين مرارة صدأ العيون الذي تحيطنا به حضارة الاستهلاك متناسين الجمال الخلاب الذي تركه قدماء المصريين علي جدران المعابد‏,‏ حيث ايقنوا ان صفاء الروح لايأتي إلا من ألوان ذات شفافية نادرة ومن حكايات تتشرب بها احاسيس الأبناء حين تتلمس العيون صفاء التعبير من خلال الرسم والنحت‏,‏ ورأيت أيضا فيما تركه وراءه من إبداع نداء حميما لنعيد اكتشاف قيمة ما تركته الحضارة العربية من جمال في الخط والبناء حتي صار الخط أحيانا سلما تصعد به المعاني إلي آفاق شاسعة من الفهم وكل من اللون والخط قادران دوما علي عزف موسيقي يتميز بها كل فنان عن غيره‏.‏
وعلي الرغم من ان كلا من محيي اللباد وعدلي رزق الله من ابناء جيل واحد وعمل كل منهما لفترات طويلة في مجال الإبداع لرسوم الأطفال إلا أن أيا منهما لم يؤثر في الآخر سوي بالإيمان العميق بأن الطفل أكثر قدرة علي استيعاب موسيقي اللون والخط‏,‏ حيث يتولي خيال الطفولة رحلة اللعب مع الفنان وكأن عيون الطفل هي التي تقود في أعماق أي منهما محيي اللباد وعدلي رزق الله أوركسترا هائلة ويتحول الفنان حين يتلقي إشارات البهجة من عيون الطفل إلي عازف علي كل آلات الحيوية اللازمة لصناعة ثقة بالمستقبل‏.‏
وافترق الصديقان في اسلوب انتاجهما الفني للكبار فقد انطلق محيي حالما بأن يضع في يد كل قارئ لوحة موسيقية حية هي الكتاب المطبوع‏,‏ حيث ابدع في إعادة إيجاد مضمون الكتاب من خلال شكله المطبوع‏,‏ وانطلق عدلي رزق الله لترويض وحش شديد الشراسة اسمه الألوان المائية‏,‏ فتلك الألوان المائية التي تبدو سهلة وفي متناول طفل حين يلتحق بالمدرسة تلك الألوان هي نفسها التي تملك صلابة الوضوح وتكشف عن قدرتها علي منافسة الخزف‏,‏ ففن الخزف الإسلامي توصل الي درجة من الدكنة الموحية مع شفافية لانظير لها وهي نفس ما توصل إليه عدلي بلوحاته المائية تلك التي اقتربت كثيرا من النحت وكان يضحك كثيرا حين اذكر له ان تعلم ذلك من فنان لانظير له هو كمال خليفة هذا الذي حاول مرض الصدر ان يبعده عن فن النحت إلا ان كمال هزم المرض بأن انتقل من عالم النحت الملئ بالأتربة المحرم عليه الحياة في دائرتها لما تصيبه من ضيق في التنفس واستطاع ان يرسم بالألوان المائية ما يفوق خيال أي نحات‏.‏
وكثيرا ما كان عدلي يحكي بقداسة ما تعلمه من كمال‏,‏ حيث علم هذا الفنان كل محبيه حقيقة واضحة وهي ان الفنان كمشارك في صنع التحضر لاينظر كم سوف يكسب بل لابد ان يستكشف أولا أسلوبه الخاص ليعيش متفردا في الإبداع‏,‏ وإذا كان عدلي رزق الله قد تعلم من قدرة كمال علي تحويل الألوان المائية الي كتلة معمارية نحتية علي الورق لتراها العين فقد كان من شرف التلميذ عدم تقليد الاستاذ بل كان التلميذ استاذا لنفسه فيما ابدع من لوحاته‏.‏
واستطاع عدلي رزق الله الفنان المصري صاحب الواحد والسبعين عاما ان يغزل من سنوات العمر كتلا نحتية من ألوان مائية علي لوحات لا نظير لجمالها وعزف بألوانه موجات من حنان لاينفد وحكي عن أحلام يصعب ان تموت لأنها تخلد خلود المرأة في أعماق الرجل وفي شوق كل من الرجل والمرأة إلي الحياة في بيت‏,‏ وأهدانا ما يمكن ان نقتحم به دون خجل صدق التعبير عن النفس‏,‏ واتقن هذا الفنان الهرب من ان يعلن احتياجه لأحد فقد آمن دائما بأنه إن تعب من القاهرة فهناك باريس التي احبته ورفض استمرار الحياة فيها رغم نجاحه هناك كي لا يصبح مجرد ليمونة علي مائدة أثرياء يتلهون بإبداعه وان فاضت دماء أيامه بجراح الأسي فهناك أبنوب الحمام التي ولد فيها وما ان يخط أرضها بأقدامه حتي تستقبله العائلة بمشاعر طازجة تتبلور في إفطار الصباح المكون من الجبنة الخضراء وهي جبن عزيزة علي الفلاح ولونها ليس أخضر كما يوحي الاسم ولكنها الجبنة التي تمت صناعتها منذ وقت قليل ولم تدخل الزلع ولم يلمسها الملح وكذلك اللبن الرايب ثم القشدة ثم الفطير ثم بيض الفراخ الطازج ذي القشر اللين والذي تضعه الفرخة البكر حين تبيض لأول مرة‏.‏
وفي سنواته الأخيرة صنع لنفسه بيتا كبيوت أبنوب الحمام في كنج مريوط ذات الصفاء النادر بالضوء ليحيا فيه كرهبان الأديرة غير مهتم إلا بأن يغمس عيونه في ألوان قوس قزح ويمضي لينقل لألوان الماء ما في الكون من جمال وصراع‏,‏ يرسم الوردة والمرأة ويكتشف في دنيا البللوريات ألوانا تفوق ألوان الألماس تحت الضوء‏,‏ وحين كان يعود إلي القاهرة فلابد من كوب الشاي مع رفيق الأيام الأولي الجليل والجميل محيي الدين اللباد‏,‏ ومن عجائب اللقاءات التي حضرت أكثر من واحد منها ان الصمت كان يغلفها‏,‏ لأن أيا منهما كان مشغولا طوال الوقت بسماع ورؤية تراتيل اناشيد الضوء الملون العازفة في الأعماق بتقديس المستقبل‏.‏
ولاتستطيع الكلمات ان تتحول إلي دموع في وداع اثنين من الكبار‏,‏ بل هي مجرد نبض اعبر به عن عميق الشكر لما اهداه كلاهما لنا‏.‏
المزيد من مقالات منير عامر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.