عندما استنكر هوراشيو على صديقه هاملت فى مسرحية شكسبير تصديق ظهور شبح والده، رد عليه هاملت: هناك أشياء كثيرة بين السماء والأرض لا نعرفها ياهوراشيو، وكما رحل عبدالعظيم أنيس بعد أيام من رحيل محمود أمين العالم، رحل عدلى رزق الله بعد أيام من رحيل محيى اللباد. ولد رزق الله فى الصعيد وبعد سنة ولد اللباد فى الدلتا، وتخرج رزق الله فى كلية الفنون عام 1961 وتخرج اللباد عام 1962، وعاشا معاً جارين فى مصر الجديدة، وعندما رحل اللباد عن الدنيا يوم 4 سبتمبر عن 70 عاماً، لحق به رزق الله يوم 15 سبتمبر عن 71 عاماً. فقدت مصر بغيابهما اثنين من كبار المبدعين فى الفنون التشكيلية: الكبار حقاً والمبدعين حقاً، وقد جمع بينهما الاهتمام بتثقيف العين المصرية، خاصة الأطفال، كما جمع بينهما ارتباطهما العميق بالأرض المصرية والثقافة المصرية حتى إن عدلى رزق الله كان يسعده أن يتصور البعض أنه قبطى، ويكفيه أن تقول لوحاته إنه مصرى، وجمع بينهما أيضاً أنهما كانا من الفنانين المستقلين، ولكن لكل منهما عالمه الفنى الخاص، وقد شاهدت لوحات عدلى الأولى فى القاهرة، ولكنى التقيت به لأول مرة فى باريس أثناء مرحلته الفرنسية التى دامت نحو عشر سنوات من أواخر سبعينيات القرن الميلادى الماضى. علمت أثناء إحدى رحلاتى إلى باريس عام 1973 أن هناك معرضاً جديداً للفنان، فذهبت وشاهدته، وعرفت فيما بعد أنه فى باريس عثر على الخامة التى أبدع بها أغلب لوحاته بعد ذلك، وهى الألوان المائية، والتى أصبح من أعلامها، ومن المجددين الكبار فى استخدامها، فالشائع أن اللوحات المائية للمناظر الطبيعية، ولكن عدلى جعلها تعبيرية، وأنها لوحات صغيرة الحجم، ولكن عدلى جعلها كبيرة أيضاً، وأنه يندر فيها استخدام اللون الأسود، ولكن عدلى استخدمه بجسارة وقوة، بل إنه من الفنانين القلائل الذين جعلوا للأبيض درجات رغم أنه ليس لوناً، وذلك لأن الأبيض عنده هو النور، وجعل اللوحات المائية ذات صروح معمارية تمتزج فيها الزهور مع الطيور والنخيل مع الإنسان والحيوان. ومنذ لوحاته المائية الأولى التى شاهدتها فى باريس وحتى معرضه الشامل الذى أقيم فى قصر الفنون يبدو الموضوع الرئيسى لعالم عدلى رزق الله هو الخصوبة، وولعه الكبير بالحياة فى ذاتها، وموهبته فى شاعرية وموسيقية التشكيل المتفردة، لقد كشف عن «حسية» الروح، وروحانية «الحس». [email protected]